ثم نظر في ورقته لحظة فانحبست جميع الأنفاس، ولكن في تلك اللحظة نفسها،  انقطعت  الكهرباء عن القُطر كله.

التلفزيونات الحديثة ذات الشاشات المسطحة أظلمت دون إنذار، شاشات الأجهزة الأقدم لمعت بإضاءة مباغتة ثم انطفأت، أما التلفازات العتيقة في أطراف الريف ومجاهل العشوائيات، فقد عبر شاشاتها خيط ضوء رفيع في منتصفه دائرة مشوشة تشبه الشعلة، ثم همدت كزميلاتها الأحدث.

ثم نظر في ورقته لحظة فانحبست جميع الأنفاس، ولكن في تلك اللحظة نفسها،  انقطعت  الكهرباء عن القُطر كله.

التلفزيونات الحديثة ذات الشاشات المسطحة أظلمت دون إنذار، شاشات الأجهزة الأقدم لمعت بإضاءة مباغتة ثم انطفأت، أما التلفازات العتيقة في أطراف الريف ومجاهل العشوائيات، فقد عبر شاشاتها خيط ضوء رفيع في منتصفه دائرة مشوشة تشبه الشعلة، ثم همدت كزميلاتها الأحدث.

الانقطاع الذروة، أو ذروة الانقطاعات الكهربية في الأشهر الأخيرة، امتد هذه المرة  من أقصى البلاد إلى أقصاها، لم يفوّت شارعا ولا حارة ولا قرية، لا جهازا ولا مكتبا ولا عمود إنارة، غير أن الناس، في كل منطقة لم يعرفوا ذلك، ظن كل شخص أن هذا دور شارعه في الانقطاع الكهربي، وسرعان ما بدأ  الاتصال بالآخرين ليعرفوا النتيجة، غير أن كل الأرقام كانت خارج نطاق الخدمة، فقد انقطعت شبكات التقوية  وانطفأت محطات المحمول، أجهزة الواي فاي في المكاتب والمطاعم والمولات تعطلت بالانقطاع الكهربي، فتجمّدت صفحات الانترنت على شاشات الكمبيوتر، واختفت إشارة التغطية من أجهزة الموبايل، وتحولت أجهزة اليو إس بي انترنت إلى قطع خردة صغيرة معلقة في جوانب أجهزة اللابتوب، خطوط الهاتف الأرضية النحاسية لازالت تعمل، لكن كل من أجاب على هاتفه المنزلي لم يكن قد رأى شيئا، رفعوا السماعات القديمة المتربة وأجابوا بالنفي محدقين في الشاشات المظلمة.

داخل قاعة النتيجة الرئاسية أيضا انقطعت الكهرباء، أظلمت القاعة المغلقة واختفى الصوت من الميكروفون الرسمي الضخم الذي اشترطت الدولة وجوده وحيدا على المنصة ، وفي العتمة المفاجئة لمح الحاضرون بصعوبة شفتي القاضي تتحركان وتذكران اسما لا يصل صوته، ولأن حرف الياء يهيمن على اسميّ كلا المتنافسين، فقد قرأ كل من الحاضرين الاسم على هواه، بعد ثوان عاد الضوء  والصوت في القاعة بفضل المولّد الكهربي، أعاد القاضي قراءة النتيجة لتبثها الكاميرات، لكن النتيجة  لم تتمكن من مغادرة القاعة، الرسائل التلفزيونية والمكالمات الهاتفية تبددت في الفراغ الخالي من أي محطة تقوية أو إشارة محمول، وما وصل منها عبر الأقمار الصناعية لم يمكن إعادة بثه في البلاد التي أظلمت كل شاشاتها بلا استثناء، ونفد البنزين منذ أمد عن معظم مولداتها الكهربية بسبب الانقطاعات المتكررة.

خرج الحاضرون من قاعة إعلان النتيجة مرهقين ومتحمسين، فاجأهم ظلام الشوارع، ثم جهل المارة بالنتيجة التي أعلنها القاضي العجوز.

استمر الظلام  4 أيام، قضى الناس لياليها بالمشاعل على نواصي الشوارع وفي اللجان الشعبية، يتناقلون نتائج متضاربة تتغير حسب المنطقة والمدينة وحسب انتماءات المتجادلين وأعمارهم وأمانيهم، أخرج البعض  أجهزة الراديو القديمة وأخذ يعضّ على حجارتها لتعمل مجددا أملا في التقاط أي موجة أجنبية، العاملون بالمشافي التي شارفت مولدّاتها الكهربية على الانطفاء تحايلوا لإنفاق بعض الكهرباء في إشعال أجهزة التلفاز، رغم تعليمات الإدارة، غير أن التشويش كان سيد الشاشات لتعطل أجهزة إشارات بث القنوات، وحين وجدوا عواميد الاستقبال المعدنية القديمة “الآريال”، كان العجز الكهربي قد تمكن تماما من مبنى ماسبيرو الهائل على الكورنيش، وتبخرت تقريبا موجات البث الضعيفة للتلفزيون المحلّي، زار بعض الأذكياء مباني الصحف لجلب الأخبار، وقفوا بين الصحفيين والعمال وسط ماكينات الطباعة الخامدة والأوراق البيضاء الخالية، حصلوا على النتائج الصحيحة لكنها كانت تتحوّر تماما في المسافة من مبنى الصحيفة إلى البيوت والأحياء المختلفة.

وفي السابعة من مساء اليوم الرابع، عادت الكهرباء والصور، أضيئت فجأة كل  الشاشات في كل البيوت، وعبرها بدا أحد المرشحين مبتسما في استقبال ضيف من دولة شرقية ما، وأسفل الصورة ظهرت عبارة ” الرئيس يستقبل..”،  ساد الصمت ثم نظر الجميع للعبارات المتتابعة على شريط الأخبار، أملا في قراءة النتيجة، مرت العبارات المقتضبة بحروفها الصغيرة، أخبار الطقس، أخبار الرياضة، أخبار السياسية: الرئيس يستقبل، يودع، يعلن…. . لا أثر للنتيجة، بالطبع، لقد كانت منذ أربعة أيام كاملة، لحسن الحظ، أذاع التلفاز في الليلة نفسها، وبصفة استثنائية، تفاصيل الخبر القديم بفوز الرئيس وعدد الأًصوات الصحيحة والباطلة وتوزيعها بين الفائز والخاسر، غير أن الخبر، رغم الإعلان الرسمي، بدا أقرب إلى الكذبة، فلم ينس الناس أنهم لم يشاهدوا على الهواء، لحظة النطق بالنتيجة، ورغم إقرار المرشح الخاسر بخسارته، وعودة الاتصال بالانترنت والتأكد من اعتراف العالم بالنتيجة، ظل شعور مهيمن على ملايين الناخبين من الطرفين، أنهم كانوا ضحية خدعة جماعية.