بعد انتهاء حصصه المدرسية وأثناء طريقه إلى البيت، كانت يدا ضرار – 10 أعوام – تزداد ألماً إثر معاقبته بالضرب من قِبل معلمة مادة الرياضيات، وليس الضرب فقط، بل قضى وقته في الطريق إلى المنزل وهو يتذكر الإحراج والإهانة التي تعرض لها أمام زملائه.

كان سبب العقوبة هو عدم حصوله على علامات جيدة في الامتحان، وبدل أن تحاول المعلمة مساعدته كانت تصرخ في وجهه وتعاقبه أمام زملائه باستخدام عصا خشبية، حتى تورمت يداه.

سيكره المدرسة

بعد انتهاء حصصه المدرسية وأثناء طريقه إلى البيت، كانت يدا ضرار – 10 أعوام – تزداد ألماً إثر معاقبته بالضرب من قِبل معلمة مادة الرياضيات، وليس الضرب فقط، بل قضى وقته في الطريق إلى المنزل وهو يتذكر الإحراج والإهانة التي تعرض لها أمام زملائه.

كان سبب العقوبة هو عدم حصوله على علامات جيدة في الامتحان، وبدل أن تحاول المعلمة مساعدته كانت تصرخ في وجهه وتعاقبه أمام زملائه باستخدام عصا خشبية، حتى تورمت يداه.

سيكره المدرسة

في اليوم التالي توجهت أم ضرار إلى مدرسة “التضامن” الواقعة في منطقة قرجي بطرابلس حيث يدرس ابنها والغضب يلفها، وما أن دخلت المدرسة حتى قصدت الأخصائية الاجتماعية مباشرة ووجهت حديثها إليها “ابني لم يفعل شيئاً غير مهذب، والمعلمة لا تملك الحق في معاقبته بالضرب”.

أم ضرار أوضحت أنها غير راضية عن هذه الأسلوب الذي تستعمله بعض المعلمات، والذي بسببه سيكره ابنها المدرسة والدراسة حسب قولها. لكن للمفاجأة كان في رد الأخصائية الاجتماعية حنان الهادي – 46 عاماً – بأن “هذا ما كان يفعله معلمونا”.

الوسيلة الأفضل

ترى الهادي أن العقاب البدني الذي يعد عادة قديمة استعملها المعلمون منذ الخمسينات من القرن الماضي، وأورثوها إلى فكر طلابهم الذين هم معلمو اليوم، هو الوسيلة “الأفضل لتحسين أداء الطلاب العلمي والسلوكي” من وجهة نظرها.

وبالرغم من أن وزارة التعليم أصدرت عام 2012 قراراً يقضي بالابتعاد نهائياً عن “الضرب والشتم وضرورة تطبيق اللوائح التربوية بشأن تهذيب سلوك التلاميذ والطلاب بالمؤسسات التعليمية”، إلا أن معظم المدارس لم تطبق هذا القرار، سيما في المدارس التي لا تقع في نطاق العاصمة طرابلس.

الأخصائية الاجتماعية ثريا عياد بمدرسة التضامن توضح أن أسباب لجوء المعلمين إلى العقاب البدني في المدراس تتمثل في “عدم أدائهم الواجب المدرسي أو بسبب نشاطهم الزائد داخل الفصل أو بسبب نشوب بعض المشاكل بينهم وأيضا إذا كان أسلوب الطالب غير مهذب” على حد وصفها.

لكنها لا تخفي ميلها لهذه الطريقة حين تقول “نحن نفضل عدم لجوء المعلمين إلى هذا الأسلوب إلا أننا لم نجد حلا بديلا له، فوجدناه رادعا لبعض الطلاب بحيث لا يكون الضرب بعنف أو في المناطق الحساسة”، إلا أنها تعود لتقر بأنه “من جهة أخرى وجدناه سببا في نفور بعض الطلاب من المدرسة”.

وبالإضافة إلى ذلك تقول عياد إن “انتشار السلاح و تزعزع أمن البلاد مع زيادة نسبة العنف في المدارس أدى إلى زيادة وتيرة روح الانتقام عند الطلاب تجاه معلميهم” .

المعلمون والطلاب

هذه الظروف المنتشرة في كافة المدارس بليبيا دون استثناء أدت إلى جعل العلاقة بين الطالب والمدرس علاقة خوف وسيطرة، ما نتج عنه كره الكثير من الطلاب للمدرسة، وجعل بعضهم يتوقفون عن الذهاب إلى مدارسهم بسبب المشاكل المستمرة بينهم وبين مدرسيهم.

هذا الموقف تجاه المدرسة بدا واضحاً عند حديث عدد من الطلبة إلى “مراسلون”، حيث تروي نور محمد الطالبة في مدرسة نساء خالدات بطرابلس، كيف تعرضت ذات مرة للعقاب بالضرب على يديها بالعصا حتى تورمتا لأنها لم تلتزم بالزي المدرسي، تقول نور “أنا أعلم أنني خالفت التعليمات ولكنني لم أتوقع أن يكون العقاب بهذا الشكل”.

فيما يصف علي زين فتحي الذي يدرس بمدرسة 17 فبراير حالياً – الراية الخضراء – سابقاً الواقعة بمدينة الزاوية غربي طرابلس، يومياته الدراسية قائلاً “قصة كرهي لمدرستي تبدأ ببداية اليوم الدراسي، وتحديداً ببداية طابور الصباح الذي يشرف عليه أساتذة المدرسة حاملين بأيديهم عصياً مرعبة لتخويف الطلاب حتى لا يصدروا شوشرة في الطابور و لينشدوا نشيد الصباح بصورة أفضل، هذه العصي و الشتائم هي دائماً وسيلتهم لتحقيق الانضباط في المدرسة”.

المبالغة في العقاب

العقوبات في المدارس عادة تكون لها أسباب متشابهة وهي تتعلق في معظمها بالسلوك العام أو سوء التحصيل العلمي، ولكن الفوضى التي يعيشها المجتمع الليبي ككل مؤخراً تركت أثراً واضحاً في المدارس، حيث ظهرت قوانين جديدة في كل مدرسة تتماشى مع التوجه الفكري لمديرها والقائمين عليها، وفرضت مخالفتها عقوبات يصفها الطلبة بالتعسفية.

فعلى سبيل المثال تقول الطالبة آية – 10 سنوات – لـ “مراسلون” إن مدرستها تفرض الحجاب على الفتيات الصغيرات، وتعاقب بالضرب كل من لا ترتدي الحجاب وكل من تخلعه في المدرسة، أو من ترتديه بالطريقة غير المحددة من قبل إدارة المدرسة.

أما في مدرسة 17 فبراير بالزاوية فقد تحدث الطلبة الأولاد عن أنه تتم معاقبة الطلبة الذين يضعون كريم “الجل” على شعرهم بغسله بالماء البارد وبوضع التراب على رؤوسهم، إضافة للضرب على اليدين والرجلين.

حين تتحول يوميات الطلبة في المدارس إلى انتظار لعقاب محتمل، يصبح الخوف هو سيد العلاقة مع المدرسة التي ينبغي أن تكون بيت الطلبة الثاني. “وربما كان ضرار سيتعلم ويستفيد أكثر بشكل إيجابي لو أن معلمته لجأت إلى الطرق الأقل إيذاءً في معاقبته وتأديبه، بدل أن يكره مدرسته في سن مبكرة ويفقد الرغبة في إكمال تعليمه”، تقول والدته.