كان شائعاً عن مدينة أسوان -879 كيلو مترا جنوبي القاهرة- هدوءها ووداعة أهلها، حتى في ظل التذبذبات التي شهدتها مصر طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، إلا أن الاشتباكات القبلية التي وقعت خلال الأسابيع الماضية بين قبيلة “الدابودية” النوبية، وقبيلة “بني هلال” العربية، التي خلفت حتي كتابة هذه السطور 27 قتيلا و45 جريحا – أزاحت كثيرا هاتين السمتين عنها، وطرحت أسئلة كثيرة من قبيل كيف؟ ولماذا؟، خاصة في ظل عدم وجود تاريخ عدائي معروف بين قبائل النوبيين وبقية قبائل المنطقة، كما أنه لأول مرة يقع هذا العدد الكبير من الضحايا في نزاع قبلي بتلك المنطقة.

كان شائعاً عن مدينة أسوان -879 كيلو مترا جنوبي القاهرة- هدوءها ووداعة أهلها، حتى في ظل التذبذبات التي شهدتها مصر طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، إلا أن الاشتباكات القبلية التي وقعت خلال الأسابيع الماضية بين قبيلة “الدابودية” النوبية، وقبيلة “بني هلال” العربية، التي خلفت حتي كتابة هذه السطور 27 قتيلا و45 جريحا – أزاحت كثيرا هاتين السمتين عنها، وطرحت أسئلة كثيرة من قبيل كيف؟ ولماذا؟، خاصة في ظل عدم وجود تاريخ عدائي معروف بين قبائل النوبيين وبقية قبائل المنطقة، كما أنه لأول مرة يقع هذا العدد الكبير من الضحايا في نزاع قبلي بتلك المنطقة. ونحاول هنا التعرف على أسباب إشتعال الأحداث الأخيرة، وجذورها التاريخية.

جذور مشتعلة

“ليست القضية قضية معركة بين عائلات، بل قضية شعب يتعرض لمؤامرة تذويب، شعب يتعرض للإهانات طوال أكثر من قرن” يقول الروائي حجاج أدول ممثل النوبيين في لجنة تعديل الدستور حديثه معنا. ويتابع قائلا: “التهجيرات الأربعة التي زلزلتنا، اقتلعتنا من جذورنا حول ضفاف النيل، وألقت بنا في الصحراء، وسط مجموعات تحمل السلاح، والضرب بالنار شيء عادي عندهم، ماذا ينتظرون منّا بعد ذلك؟ أن يستمر القتل فينا بدون رد؟ ماذا يتوقعون من الشباب الذي ينال الإهانات من الغير ومن السلطة؟ الشباب ضاق بأسلوب التعقل، وقال لي ولكبار السن، لم يعد يجدي أسلوبكم الذي يتمسك بالحوار، أسلوبكم لم يعد يجدي مع شرائح دموية من الشعب، ودوائر في السلطة تكرهنا”.

التهجير ..والتجاهل

التهجيرات التي يقصدها أدول، هي تهجير أهالي النوبة عن أراضيهم نتيجة لأعمال الري في جنوب مصر التي بدأت عام 1902 ببناء خزان أسوان.

فبعد غرق أراضيهم في ذلك العام بمياه الخزان، هجر جزء من سكان النوبة إلى الشمال، ومع التعلية الأولى للخزان في 1912 والثانية في 1932 كانت أجزاء كبيرة من أراضي النوبة تغرق تحت المياه، إلى أن جاء بناء السد العالي في 1964 لتغرق أرض النوبة تماما تحت مياه بحيرة ناصر، ويتم تهجير كل النوبيين إلى أسوان شمال السد، وتبدأ معاناة النوبيين مع الدولة المصرية، خاصة وأن التعويضات التي صرفت لهم كانت أقل من قيمة ما خسروه، بالاضافة إلى أنها نقلتهم إلى أراض ذات طبيعة مختلفة عن أراضيهم.

بالنسبة لأدول الأزمة الأخيرة ناتجة عن تراكمات التهجيرات الأربعة للنوبيين، خاصة التهجير الأخير الذي ألقى بهم في الصحراء: بيوت أسمنتية ضيقة، أرض جرداء، صدمة كبار السن وقتلهم معنويا، مياه ملوثة قتلت الأطفال الرضع، بطالة، ثم هجرات اضافية لكل مدن مصر والى الخليج.

“يبعثرونا في الصحراء علماً بأن الهوية النوبية هوية نيلية، فنحن النيل، كيف نستقيم في الصحراء؟ زلزلت المنظومة الحياتية النوبية، تشتتنا، أمّ في مكان وزوج في مكان وابناء هنا وهناك، ثم السخرية من لوننا، واهمال التاريخ النوبي والتراث النوبي، كل هذا تراكمات ظلم تكوي وجدان النوبي”.

هل الإخوان السبب؟

وعن الاتهامات التي وجهت لجماعة الإخوان المسلمين بأنها هي التي وراء الأزمة الأخيرة يقول أدول: “مشكلة النوبة موجودة من قبل أن تنشأ حركة الإخوان، لكن أن يستغل الاخوان قضية النوبة وغيرها فهذا جائز، لكن كل الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم مصر أهملت، الكل تعالى واستكبر، وأكاد أقول الكل تآمر، خاصة تحت حكم “البليد” حسني مبارك، ففي عهده بدأ تنفيذ وضع غير النوبيين في المنطقة النوبية بتنفيذ مشروع بشاير الخير، وهو بناء 18 قرية باسم بشاير الخير 1 حتى بشاير الخير 18، وكل قرية بمائة مسكن وخمسمائة فدان، كل مواطن مسكن وخمسة فدادين بدون مقابل، الشرط الخفي الا يكون هذا المواطن نوبيا، وتم تنفيذ ثلاث قرى وأوقفناه بعد أن فضحناه”.

هكذا ينفجر البركان

من ناحيتها تشبه الناشطة النوبية الشابة فاطمة إمام ساكوري الأزمة الأخيرة “بالبركان الذي يثور عند أضعف طبقة في القشرة الأرضية”، وهي في هذه الأزمة النعرات القبلية التي غذتها خطابات الكراهية والعنصرية، مع عجز الدولة عن إدارة ملفات التنوع القبلي والثقافي، واكتفائها بالحلول الأمنية وجلسات الصلح العرفية، دون أن تتعامل بشكل جاد مع جذور وعمق الازمة.

وتتابع فاطمة قائلة: “الصورة النمطية التي انطبعت في الأذهان عن النوبيين بأنهم أناس طيبون ومتسامحون مع شعور النوبيون أنفسهم بالاضطهاد، خاصة أنهم تعرضوا لموجات متتالية من التهجير القسري بدءا من عام 1902، وحتي ستينات القرن الماضي، ترك أثرا سيئا في نفوس النوبيين لا سيما الشباب منهم”.

إمام ترى أن الخلاف الذي وقع بين القبيلتين “لم يكن خلافا طارئا، وإنما أزمة متجذرة ممثلة في غياب التنمية، وتراجع المستوى المعيشي لكلا أتباع القبيلتين، وتغير التركيبة السكانية في محافظة أسوان، فضلا عن غياب الدولة بمفهومها الكامل، وحضور القبلية نيابة عنها، مع كفر المتنازعين بعدالة الدولة، حيث قرر الطرفين أن يبحثوا عن العدالة بأنفسهم”.

يعقب الروائي أدول حجاج قائلا: “حذرت منذ عشرين عاماً: لا تخافوا مني، لكن خافوا من الأطفال الذين في الابتدائية، ولم يهتم أحد بكلامي، وها هم أطفال الأمس يردون على العنف بالعنف، ولا نعلم ما ينتظرنا بعد الآن”.

دور الأمن

يري كثير من مراقبي الأزمة الأخيرة أن التراخي الأمني وعدم التعامل السريع والجاد معها السبب الرئيسي في تفاقمها وسقوط كل هذا العدد من الضحايا.

محمد عبدالله أحد كبار عائلة “الدابودية” حمل الأمن مسئولية الحادث قائلا:” إذا ما تدخل الأمن بشكل قوي مع بداية الأزمة لما تطورت الي هذه الدرجة”.

بينما يري الكاتب مصطفي الأسواني أحد أبناء مدينة أسوان أن السلاح المنتشر بشكل واسع في أسوان وغالبية محافظات الصعيد حيث يتم تهريبه عبر الحدود مع السودان بعلم من بعض القيادات الأمنية في أسوان كان له الدور الأبرز في تفاقم الصراع وسقوط عدد كبير من الضحايا بحسب قوله.

ويتهم الأسواني الشرطة بالتواطؤ مع حائزي الأسلحة لاستخدامهم في تنفيذ ما تطلبه منهم فيما بعد “كما فعلت من قبل في فض اعتصام متظاهرين أيام الثورة في 25 كانون الثاني/يناير 2011، أو الدخول في اشتباكات مع متظاهرين آخرين خلال الأيام التالية للثورة، وطوال الثلاث سنوات الماضية”، محذرا من وقوع كوارث أخرى إذا ما استمرت وزارة الداخلية على نهجها القديم.

العودة هي الحل

الحل بالنسبة لأدول هو تفعيل روح مواد دستور 2014 “بدون انتظار لقوانين مجلس النواب القادم. إذ يجب تفعيل روح المواد المنصفة خاصة مادة 236 التي تنص على العمل على عودة النوبيين” ويتابع قائلا: “دستور 2014 الذي شاركت فيه ممثلا للنوبيين المصريين، به العديد من البنود التي تركز على تنمية محافظات الحدود، وأشير تحديدا للنوبة ولسيناء، تنمية تهتم بالثقافة الخاصة بتلك المناطق وان يؤخذ رأي أهلها قبل تنفيذ أي مشروع، ومراعاة الخصوصية الثقافية لهذه المناطق”.