“فى يوم من الأيام كنت رايحة الشغل وركبت عربية من قريتي لمدينة نجع حمادى، وفي الطريق وقفت العربية وركبت جنبي بنت عمرها حوالى 15سنة، كانت بنت غلبانة كده، ولابسة هدوم ع القد ..والشقا باين ع الوش قبل اليد، وكان معاها اخوها حوالي 12سنة، البنت دي حاولت تكلمني وتحكي معايا، قلت لها:

ـ إنتي بقى ف سنة كام ف المدرسة.

ـ لا…أنا مش ع روح مدارس

ـ ليه كده؟

ـ أصل إحنا ناس غلابة وأبويا راجل على قد حاله، وكل يوم ع روح معاه الغيط عشان 

وكّل حشيش للبهايم.

“فى يوم من الأيام كنت رايحة الشغل وركبت عربية من قريتي لمدينة نجع حمادى، وفي الطريق وقفت العربية وركبت جنبي بنت عمرها حوالى 15سنة، كانت بنت غلبانة كده، ولابسة هدوم ع القد ..والشقا باين ع الوش قبل اليد، وكان معاها اخوها حوالي 12سنة، البنت دي حاولت تكلمني وتحكي معايا، قلت لها:

ـ إنتي بقى ف سنة كام ف المدرسة.

ـ لا…أنا مش ع روح مدارس

ـ ليه كده؟

ـ أصل إحنا ناس غلابة وأبويا راجل على قد حاله، وكل يوم ع روح معاه الغيط عشان 

وكّل حشيش للبهايم.

ـ يا ستي ولا يهمك كله بيحصل بعضه، والواحدة ملهاش ف الآخر غير بيت جوزها.

وفجأة أتحولت البنت من الهدوء الشديد والخوف والتوتر إلى قوة وعنفوان وصوتها علي، ورفعت إيدها علامة على الرفض وقلتلي بحدة وهى مكشرة:

ـ لا يا بوي …أنا مش هجوز ..!!!”.

كانت هذه هي بداية الحكاية التي روتها نجوان الجيلاني أمام جمهور قنا (600 كم جنوب القاهرة)، بتأثر وبإمكانيات صوتية عالية، وفازت بها بجائزة مهرجان الحكي الأول الذي عقد في الفترة من 27 إلى 29 آذار/مارس في قصر ثقافة قنا، وقامت بتنظيمه مؤسسة “دوم” الثقافية لمدة ثلاثة أيام بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة وجمعية الجيزويت ومؤسسة التحرير لاونج.

ويعزو الشاعر أشرف البولاقي، مدير هيئة الثقافة الجماهيرية في قنا التي احتضنت المهرجان، اهتمام هيئته بالحكي قائلا “إن فن الحكي مهدد بالاندثار مع ظهور مستحدثات فنية كثيرة. فقد كان المنشد والحكّاء هو من يحفظ ويوثق التاريخ لينقله إلى الأجيال القادمة”.

عروض وحكايات

[ibimage==12727==Small_Image==none==self==null]

من المهرجان 

تقاليد الحكي ليست غريبة عن قنا، فالمحافظة مرتبطة بالسيرة الهلالية، السردية الأهم في تراث الصعيد المصري، والتي تعاقب على روايتها أجيال من الحكائين والشعراء.

وخلال مدة المهرجان تابع الجمهور حكائين وحكاءات كثر من مختلف مدن مصر ومناطقها، بعضهم كان يحكي بشكل فردي، مثل أسماء عواد ومؤمن المحمدي، وبعضهم الآخر كان يقوم بذلك بشكل جماعي في إطار فرقة، مثل فرق “المصطبة” و”الورشة” و”البط الأسود”.

وبعض العروض جاءت بمصاحبة موسيقية مثل عرض فرقة “السمسمية” السويسية، إذ رقص أهالي مدينة قنا على أنغام الفرقة أثناء تقديمها عرض “ولاد الأرض” على أحد المقاهي الشعبية.وتناول العرض قصة كفاح كابتن غزالي، أحد أبطال المقاومة الشعبية في منطقة القناة خلال الستينات، وإنشائه فرقة “السمسمية”.

وبالطبع لم يخل المهرجان من عرض للسيرة الهلالية بلسان الحكاء المخضرم سيد الضوي الذي حفظ السيرة عن أبيه وجده عندما كان يجوب معهما وهو طفل نجوع وقرى صعيد مصر لإحياء الموالد والأفراح، ويقول “كنت أجلس مع  والدي الحاج الضوى وأستمع جيداً وأحفظ عن ظهر قلب ما يقصانه ثم حفظت عن شعراء آخرين من الرواة الأصليين للسيرة”.

“عرونى يا أبلة”

الكاتب خالد الخميسي، رئيس المهرجان، أوضح خلال الافتتاح أن الهدف من وراء تنظيم المهرجان هو تنشيط الحركة الثقافية المصرية، لاسيما عروض الحكي. وقال “لقد ظهرت طفرة كبيرة في فن الحكي في الفترة الأخيرة وخرجنا من الحكي التقليدي إلى حكي يومي توافق مع الحكي النفسي والاجتماعي، وأصبحت الحكايات معبرة عن حالة ثقافية قائمة في مصر”.

[ibimage==12732==Small_Image==none==self==null]

CAPTION TEXT

حكاية نجوان الجيلاني تنتمي لذلك النوع الجديد من فن الحكي، فهي ليست حكاية قديمة توارثتها أجيال من الرواة مثل السيرة الهلالية أو فرقة السمسمية، وإنما تطرح هما معاصرا وهو “العنف ضد المرأة” فى الصعيد بصفة خاصة.

فالفتاة في الحكاية تكشف شيئا فشيئا عن سبب نفورها الشديد من الزواج، وتروي كيف تعرضت لمحاولة اغتصاب في الحقل، لكنها نجحت في الهرب من مغتصبها، فأشاع الأخير أنها كانت تمارس الرذيلة مع شخص آخر في الحقل، من أجل الانتقام منها. وتعرضت الفتاة للإهانة والضرب على يد أسرتها التي اعتبرتها لطخت شرف العائلة.

وكادت الفتاة أن تشارف على الهلاك، ولم ينقذها سوى أن والدتها صدقت روايتها، وأقنعت أبيها وعمها بالذهاب إلى طبيب للكشف عن عذريتها لإثبات صحة روايتها. وتنتهي القصة بقول الفتاة للراوية “إنتى متعرفيش يعني إيه أبويا وخالي وأمي يخدونى لدكتور غريب، ويكشفونى … ويفرجوه … ويتفرجوا على عرضي ..!!  ده عمل فيا إيه…؟؟ ده كان أصعب من الموت … هو ده كان الموت يا أبلة …!!  عرونى يا أبلة!!”

الفرق بين الحكاء والممثل

نجوان الجيلاني حكاءة مصرية مبتدئة من قرية بهجورة إحدى قرى مركز نجع حمادي، وهي واحدة من الحكائين الذين استضافتهم ورشة الحكي في قنا التي عقدت على هامش المهرجان، حيث يتحاور الحكائين المخضرمين مع المبتدئين. وتتحدث نجوان الجيلاني للجمهور بتلقائية مفرطة بعيدة عن الحذلقة الفكرية المتعمدة، فلم تجتهد فى التنقيب عن الأسلوب أو إنتقاء الكلمات اللائقة وعللت ذلك بان فن الحكي يتطلب الحفاظ على التلقائية.

[ibimage==12738==Small_Image==none==self==null]

CAPTION TEXT

وتوجهها للحكي على الصعيد الشخصي لم يكن توجها إراديا لكن كان هنالك حافز منذ الطفولة، فمجمل قصصها وحكاياتها استمدتها من جدتها، والتي تعتبر بالنسبة لها خزانا بشريا للقصة مثل كل النسوة والرجال الكبار في السن. أمضت نجوان سنوات طويلة في جمع الحكايا من أفواه «العجائز» على حد تعبيرها، لتعيد إحياءها مباشرة أمام جمهورها بأسلوبها الخاص. لم تدوّن مخزونها الحكائي، بل تعتمد في حفظه على حرارة قلبها من جهة، وعلى فرادة حكاياتها من جهة أخرى.

في النهاية ترى الجيلاني أن هناك خطا فاصلا بين الحكاء والممثل، “فالحكاء لا ينبغي أن يمثل، ولا حتى ينبغي أن يمثل أنه يحكي، عليه فقط أن يحكي كما يحكي في حياته الطبيعية”.