“تعليمات سيادتك” تلك العبارة المبتذلة التي يستخدمها المروؤس للدلالة على طاعته العمياء لرئيسه تتخذ بعدا خاصا في كواليس جهاز الشرطة المصرية. فقد صارت في كتاب محمد حسني أبو العز – الصادر عن دار ميريت للنشر – هي أصل الداء وأس الفساد، يتمحور حولها سلسال من أجيال الضباط وأفراد الأمن الذي يتحلقون حول القائد إرضاءً للحاكم، تحت شعار “الشرطة والشعب والوطن في خدمة الريس”.
كتب أبو العز قصة “الرائد محمد محمود” لا ليفضح شخصيات بعينها أو ليكشف عن أسرار داخل الجهاز، ولكن ليكشف عن أصل الخلل، ويشير إلى موضع الداء.

“تعليمات سيادتك” تلك العبارة المبتذلة التي يستخدمها المروؤس للدلالة على طاعته العمياء لرئيسه تتخذ بعدا خاصا في كواليس جهاز الشرطة المصرية. فقد صارت في كتاب محمد حسني أبو العز – الصادر عن دار ميريت للنشر – هي أصل الداء وأس الفساد، يتمحور حولها سلسال من أجيال الضباط وأفراد الأمن الذي يتحلقون حول القائد إرضاءً للحاكم، تحت شعار “الشرطة والشعب والوطن في خدمة الريس”.
كتب أبو العز قصة “الرائد محمد محمود” لا ليفضح شخصيات بعينها أو ليكشف عن أسرار داخل الجهاز، ولكن ليكشف عن أصل الخلل، ويشير إلى موضع الداء. فمعيار الضابط الكفء لا يقتصر على درايته الواسعة بالقانون، أو لكونه الضابط القادر على تطبيق القانون بحرفية وإخلاص، بل إنه ذلك الضابط الملتزم بتنفيذ التعليمات”.
في لقاء مع “مراسلون” في أحد مقاهي وسط البلد، بدا أبو العز قليل الحجم منافيا للصورة النمطية لرجل الشرطة “الأشوس” ذو الملامح المتبلدة، بل شابا “عاديا” ذو طلعة بشوشة وبه من الدماثة ما يجعلك تفكر أن ساحة الأدب قد اكتسبت عضوا جديدا.

تثني على كتابته الساخرة المرحة، فيجيبك ببساطة عن حتمية النكتة “الوضع نفسه به الكثير من الكوميديا، وموضوع الشرطة نفسه ثقيل الظل ويستلزم تناوله بروح مرحة”.

كيف كان مولد الكاتب “محمد حسني أبو العز” وسط ركام التخريب الذي تتناوله في كتابك حول جهاز الشرطة المصري؟

حينما استقلت من وزارة الداخلية، لم يكن هدفي أن أكون كاتبا، ولكن بعد فترة من التفكير، قررت أن أعمل الصح كله. وأن أستعيد حلمي القديم بالكتابة، لأني كما رويت في الكتاب كانت لدي ميول أدبية منذ صغري، وكان معظم أبناء جيلي المنكوب في تلك الفترة في منتصف التسعينات يتقدمون للكليات العسكرية وكلية الشرطة.
فكرت بعد استقالتي أن تجربتي بالشرطة يمكن أن توضح للناس ما لايرونه أو ما أظن أنهم لا يعرفونه.

[ibimage==12703==Small_Image==none==self==null]

“أردت ان أوضح للناس ما لا يرونه”

وماهي مشكلة الشرطة اليوم والتي لا يراها الناس؟ هل هي مجرد تكوين الضابط بصورة خاطئة وتدريبه على الطاعة العمياء كما في “تعليمات سيادتك”؟
في الإعلام يتم تقليص معضلة الشرطة في ضرورة تغيير مناهج الكلية ذاتها، بينما المناهج مثلها مثل باقي المناهج في المنظومة التعليمية كاملة، المشكلة تكمن في تربية الضابط وطريقة تفكيره من البداية. فقد تم تنشئة الضابط بعتباره مماثل لضابط الجيش، وهذا ما أشرت إليه في الكتاب باسم “عسكرة الشرطة” وما يترتب عليه من مخاطر. بينما في حقيقة الأمر هناك فارق كبير بين ضابط الجيش الذي ينفذ التعليمات، وضابط الشرطة الذي من المفترض أن ينفذ القانون. وهناك من يروج اليوم إلى ضرورة عودة نظام العادلي، نظام الخوف، باعتباره المخرج، لكنه بالطبع إنه ليس حلا، بل إن عودة هذا النظام ستزيد من معضلة الشرطة وتزيدها تعقيدا.

أفردت صفحات في كتابك للحديث عن نظام العادلي (“ذلك الوزير الذي قامت ضده (شخصيا) انتفاضة 25 كانن الثاني/يناير، والتي تحولت (بسببه أيضا) إلى ثورة عارمة أسقطت النظام بأكمله”) أو عن ابتداعه إدارة كاملة مهمتها الوحيدة تأمين خط سيره، وانحيازه ودعمه الكامل للأمن السياسي على حساب الأمن العام من أجل إحكام الزمام على الدولة البوليسية، ألم يكن من الممكن التغيير بعد الثورة ؟
نعم تناولت باستفاضة نظام العادلي، ألم تقم ثورة 25 يناير ضد ممارسات الشرطة في الأساس؟ كانت المشكلة في طريقة تفكير القائمين على والعاملين في جهاز الشرطة بشكل عام، فقد انتقدت طريقة تفكيرهم  واعتناقهم لنظرية المؤامرة في تحليلهم لانتفاضة الشعب. أنا لا أنكر وجود المؤامرات بشكل عام، أما الثورة فقد كانت نتاج غضب شعبي عارم، ينبغي أن يعترفوا بذلك وإلا سندور في دائرة مفرغة. التزمت الصدق في روايتي لكواليس الشرطة ولا يوجد ضابط يمكنه أن ينكر ما ذكرته.

وكيف كانت مشاركاتك في محاولات الإصلاح على الأرض عبر مبادرات مجموعات “ضباط لكن شرفاء” أو الضباط المتمردين بشكل عام؟

بعد التنحي (11 شباط/فبراير 2011) كان هناك ائتلاف العام لضباط الشرطة الذي يضم ما بين عشرة إلى عشرين مجموعة، وبادرت بالمشاركة في كل اجتماعاتهم، لكنهم انقسموا على أنفسهم. كانوا يدعون أنهم “ثورجية” لكنهم كانوا وراء الأبواب المغلقة يلعنون الثورة. كنت أراهم في الاجتماعات الأولي للإئتلاف، يبحثون كيف يثورون علي الوزارة وفي نفس الوقت يهاجمون الثورة! الثورة التي أعطتهم هذه الفرصة الذهبية. كل هذه المحاولات كان الهدف منها عودة الأمور إلى ما كانت عليه، حتى أن الحركة المسماة بـ”تطهير” الداخلية التي أطلقتها الوزارة في شهر آب/أغسطس كان الهدف منها التخلص ممن يرونهم “مشاغبين”.

[ibimage==12709==Small_Image==none==self==null]

الشرطي/الكاتب محمد حسني أبو العز

يقع الكتاب في منطقة بين فن المقال، وأدب الاعتراف وبين الرواية التي يختلف اسم بطلها عن الكاتب (الرائد محمد محمود). لماذا آثرت هذا القالب رغم تمسكك بفكرة صدق الوقائع؟ 

لم أنشغل بالتصنيف الأدبي، ما كان يهمني في المقام الأول هو وضع هذه الرؤية لخدمة من يريد الإصلاح. وكان شاغلي أيضا أن أوثق قصتي وتجربتي لابني تحديدا، فلا أدري ماذا سيعلمونه في المستقبل في مادة التاريخ. كما كان هدفي أيضا أن أتحرى الأمانة والموضوعية حتى أنقل الصورة كما هي ويرى الناس حقيقة الأشياء.

لا زلت لليوم لا تعمل، ألم تخش من أي فعل انتقامي بعد صدور كتابك، وأنت الأدرى ببطش جهاز الشرطة وترصدها لمن يتجاوز فكرة “تعليمات سيادتك”؟
كان هدفي الأساسي الإصلاح بغض النظر عما يمكن أن يحدث بعد ذلك. فلم يكن مقصدي كشف شخصيات بعينها أو تجريسها، لكن كشف النظام نفسه من الداخل، مثلما كتبت في فصل بعنوان “الذين هبطوا بالباراشوت”.  (حيث يحكي الراوي محمد محمود أن أحد أهم فلسفات العمل الأمني على مر العصور هي فلسفة “السحتجة” أو “البرشتة”، أو “رمي الهلب”، أو “التكتيف”، أو “التظبيط” في أكثر وصف مهذب لها. “وكان التظبيط هذا أول شيء تعلمته على الإطلاق بعد تخرجي من الكلية”).

كانت هناك دعوات عديدة أطلقتها قوى اليسار لإعادة هيكلة وزارة الداخلية. كيف تراءت لك؟
كانت في معظمها دعوات ساذجة، تنقصها الرؤية الواضحة. هناك من المختصين من كتب دراسات حول كيفية حل مشكلات الداخلية مثل ضباط لكن شرفاء، وهناك من قدم من داخل الجهاز أطروحات للدراسات العليا حول تطوير جهاز الشرطة، لكن تظل المشكلة هي غياب الإرادة السياسية.  

وما هو طريق الخلاص من وجهة نظرك، في ظل استمرار نفس السياسات التعسفية والقمعية للشرطة وعدم إنزال العقوبات على أفرادها ؟
مشكلة البلد مشكلة العدالة. القضاء جزء لا يتجزء من المشكلة ويليه الشرطة.

لقراءة فصل من الكتاب اضغط هنا