على المرسى المقابل لجزيرة الزهور التي تتوسط نهر النيل شمال كوبري سوهاج، تنتظر نشوى أسعد، الموظفة الشابة، العبّارة الوحيدة التي ستقلها إلى مقر عملها على ضفة الجزيرة.

نشوى التي تعمل هنا منذ ثماني سنوات تصف كيف كانت “الحياة الصاخبة الجميلة” تملأ أرجاء الجزيرة المصنفة كمركز شباب قبل الثورة.

“كانت تقام الأفراح والحفلات الخاصة بالجامعة والمؤتمرات، وتأتي الرحلات المدرسية من جميع مراكز وقرى المحافظة، ويقبل الأهالي على الجزيرة في العطل والإجازات، ويقضي الأطفال أوقات مبهجة في الحدائق”. 

على المرسى المقابل لجزيرة الزهور التي تتوسط نهر النيل شمال كوبري سوهاج، تنتظر نشوى أسعد، الموظفة الشابة، العبّارة الوحيدة التي ستقلها إلى مقر عملها على ضفة الجزيرة.

نشوى التي تعمل هنا منذ ثماني سنوات تصف كيف كانت “الحياة الصاخبة الجميلة” تملأ أرجاء الجزيرة المصنفة كمركز شباب قبل الثورة.

“كانت تقام الأفراح والحفلات الخاصة بالجامعة والمؤتمرات، وتأتي الرحلات المدرسية من جميع مراكز وقرى المحافظة، ويقبل الأهالي على الجزيرة في العطل والإجازات، ويقضي الأطفال أوقات مبهجة في الحدائق”. 

لكن أحوال جزيرة الزهور تبدّلت في السنوات الماضية، وساد الهدوء ومعه البطالة في المكان، بسبب توقف العبارات. فلم يعد هناك سوى عبارة واحدة تنقل الموظفين إليها صباحا في الثامنة، ثم تعود بهم في الثانية، تقول نشوى.

توقف العبارات

سيد العسكري مدير الجهاز الإداري للجزيرة يقول إن الجزيرة أصبحت شبه مهجورة بعد توقف العبارات التي كانت تنقل الزوار، وتوقفت إقامة الأفراح والمؤتمرات والتي كانت مصدر إيرادات عالية للجزيرة.

ويتابع “وصل الأمر لاضطرارنا إلى إغلاق الجزيرة تماماً في الأعياد الرسمية والمواسم، لعدم وجود وسيلة مواصلات تمكن الزوار من الانتقال الجزيرة والعودة منها”.

ويعزو العسكري سبب توقف العبارات إلى مطالبة البحارة بعد الثورة المسؤولين عن العبارة بزيادة رواتبهم، وعندما لم تستجب المحافظة لهم تركوا عملهم فـأصبحت العبارة تعمل وردية واحدة من الثامنة صباحا ً وحتى الثالثة.

ويمضي العسكري قائلا “ثم استولت شرطة السياحة على المرسى الخاص بالعبارة وأقامت عليه عدة منشآت خاصة بها وترسو بجانبه سفن سياحية تابعة للمحافظة”.

الموظفون يعانون

وانخفضت إيرادات الجزيرة كما يؤكد العسكري من 150 ألف جنيه في المتوسط إلى 30 ألف جنيه سنويا ً حاليا، مع وجود 12 موظف مؤقت على الجزيرة يحصلون على رواتبهم من ميزانية الجزيرة التي أصبحت لا تغطي مصاريف الجزيرة ورواتبهم في نفس الوقت.

وساءت أحوال الموظفين على الجزيرة، فيقول (م. أحمد) مسؤول محطة المياه على الجزيرة، أنه يعول أسرة مكونة من خمسة أفراد ويعمل بعقد مؤقت منذ عشر سنوات ولا يعرف لماذا ترفض الوزارة تعينه هو وزملاؤه حتى الآن حيث أنهم 12 موظفاً فقط.

وتقول نشوى إن أول راتب حصلت عليه من عملها بالجزيرة كان حوالي 100 جنيه قبل ثمان سنوات، وبعد كل هذه السنوات وصل الراتب إلى 370 جنيه (حوالي 60 دولار أمريكي)، وهو مبلغ زهيد جدا بالنسبة لها. وتتابع قائلة إن “وزارة الشباب والرياضة ترفض تثبيتنا في وظائفنا، فأصبحنا نعمل ونحن لا نشعر بالأمان فلهم حق الاستغناء عنا في أي لحظة”.

جزيرة أخرى وحال واحد

حال جزيرة الزهور لا يختلف كثيرا عن حال جزيرة قرمان المجاورة، والتي كانت هي الأخرى منتزها للأهالي. باءت محاولة الوصول إلى جزيرة قرمان بالفشل لأن الزيارة أصبحت مقتصرة فقط على طلاب الجامعة اللذين يزورون مركز البحوث الموجود على الجزيرة، كما يقول مدير الجزيرة هلال محمد.

وتحتضن جزيرة قرمان التي تمتد على مساحة 160 فداناً تقريبا مركز البحوث الإقليمي بسوهاج على مساحة خمسة أفدنة والتابع لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا. ويضم المركز خمسة معامل وقاعة للمؤتمرات وأخرى للتدريب ومكتبة ومركزا للمعلومات ومتحفا علميا إلى جانب حديقة  للزوار على مساحة 25 فدان، وتعتبر من أهم المناطق الترفيهية بالمحافظة وتشمل مشتل وكافتريا.

لكن الجزيرة أصبحت اليوم شبه خالية سوى من بعض السكان الذين يمتلكون أراضي عليها ويربون المواشي، وتوقفت الزيارات إلى الجزيرة، كما توقفت العبارات منها وإليها سوى من عبارة واحدة تنقل الموظفين، كما هو الحال في جزيرة الزهور.

مهنة غير مرغوب فيها

الريس سمير “ريّس” العبارة الوحيدة التي تنقل الموظفين إلى الجزيرتين قال إن انعدام الأمن هو السبب الرئيسي وراء توقف النشاط على جزيرة قرمان. “فالجزيرة مساحتها كبيرة وفي حالة حدوث أي مشكلة أو أي احتكاك بين الأهالي والزوار ستنتج أزمة كبيرة بسبب عدم وجود أي عنصر أمن”.

أما بالنسبة لجزيرة الزهور فالسبب هو “ترك باقي الزملاء العاملين على العبارة العمل بعد الثورة بسبب ضعف الراتب، فانخفضت الورديات وأصبحت حركة النقل تتوقف عند الساعة الثالثة”.

ويبدو أن العمل على العبارات لم يعد مغريا، فقد ناشد العاملون في الجزيرة المسؤولين أكثر من مرة حل أزمة العبارات التي أدت إلى قلة عدد زوار الجزيرة، كما يقول العسكري، لكن الإجابة كانت “أن ورديات عمل العبارة انخفضت لعدم وجود عمال”. “وقد أعلنت المحافظة في مسابقة وظائف عن احتياجها لبحارة فلم يتقدم أحد”، على حد قول العسكري.  

أمل

زيارة إلى جزيرة الزهور تكشف حجم الانهيار الذي أصابها. حمام السباحة الذي يتوسط الجزيرة أصبح فارغاً بعد أن تعطلت أنابيب المياه التي تملؤه. وفي المكتبة تقبع الكتب داخل صناديق مقفلة في انتظار المكتبات الخشبية التي لا تأتي. بعض غرف الإدارة استخدمها الموظفون كمخزن يخزنون به أدوات السباكة.

تشير نشوى إلى قاعة المؤتمرات التي تهالكت، وتقول إنها منذ إنشائها لم يطلها أي تطوير. وأوضحت لنا أن الحال وصل بالموظفين إلى أن يستعينوا بمقاعد قاعة المؤتمرات ليجلس عليها زوار المنتزه القليلون، حيث أن مقاعد المنتزه أصبحت غير صالحة للاستخدام.

نشوى لا زالت تتذكر كيف كانت الجزيرة عامرة بالزوار في المواسم والمناسبات، وترى أن”مطالب سائقي العبارات ليست بالمستحيلة حتى لا يتم تحقيقها”، كي تعود الجزيرة إلى سابق عهدها في أقرب وقت، وهو الحلم نفسه يشاركه بها موظفو جزيرة قرمان الذين يطالبون بتوفير الحماية الأمنية للجزيرة السياحية.