عند الساعة الثانية بعد منتصف ليل الثاني من شباط/فبراير الماضي، وصل (ع . س) إلى منزله الكائن بمنطقة الفويهات غرب بنغازي، مقطوع الأنفاس بعد تعرضه للمطاردة من قبل سيارة مجهولة الهوية، قام من فيها بإطلاق وابل من الرصاص عليه، أسفر عن تحطم زجاج سيارته إلا أنه تمكن من الفرار.

(ع .س) هو أحد منتسبي مشاة البحرية التابعة للجيش الوطني النظامي، وهو ما يعرضه للخطر بحسب ما أكده لـ”مراسلون”.

عند الساعة الثانية بعد منتصف ليل الثاني من شباط/فبراير الماضي، وصل (ع . س) إلى منزله الكائن بمنطقة الفويهات غرب بنغازي، مقطوع الأنفاس بعد تعرضه للمطاردة من قبل سيارة مجهولة الهوية، قام من فيها بإطلاق وابل من الرصاص عليه، أسفر عن تحطم زجاج سيارته إلا أنه تمكن من الفرار.

(ع .س) هو أحد منتسبي مشاة البحرية التابعة للجيش الوطني النظامي، وهو ما يعرضه للخطر بحسب ما أكده لـ”مراسلون”.

يقول العسكري البالغ من العمر 28 عاماً إن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها وقد اختبرها شخصياً أكثر من مرة، حيث أنه ورفاقه يتعرضون بين الحين والآخر لاستهداف بإطلاق رصاص أو قنبلة يدوية من قبل مجهولين على مناطق تمركزهم، أو على السيارات التابعة لهم، ومن ثم يلوذ المهاجمون بالفرار دون أن يعرفوا هوية من يستهدفهم.

خطر مجهول المصدر

بحسب إحصائية حصل عليها “مراسلون” من مستشفى الجلاء ببنغازي، وهو واحد من ثلاثة مستشفيات تستقبل حالات من هذا النوع، استقبل المستشفى 62 حالة اغتيال منذ العام 2013 وحتى شهر شباط/فبراير من العام الجاري، ولم يتحصل “مراسلون” على الإحصائيات الخاصة بمستشفى الهواري ومركز بنغازي الطبي، لكن تقديرات غير رسمية تفيد بوقوع أكثر من 150 جريمة اغتيال في سنة 2013 وحدها في بنغازي.

وكنتيجة لهذه المخاطر، يخرج (ع. س) يومياً لعمله بعد صراع مع والدته، التي تخاف عليه أن يُقتل مثل كثيرين من رفاقه الذين يُغتالون كل يوم، سواءً من منتسبي مشاة البحرية أو من أفراد كتيبة الصاعقة الذين تحولوا لأهداف للموت منذ عام 2012.

فعناصر الجيش والشرطة، سواءً من أصحاب الرتب أو حتى المنتسبين الجدد، عرضة للاستهداف في أي لحظة، “وتختلف طرق قتلهم بين التفجير أو الرمي بالرصاص، ومؤخراً راجت ظاهرة الاختطاف والتمثيل بالجثة قبل أو بعد تصفيتها”، يوضح الشاب.

عسكري بعد الثورة

انضم (ع. س) إلى كتيبة مشاة البحرية التي تشكلت في عام 2011 بعد قيام الثورة، وكان جل منتسبيها من أفراد الكتيبة الأولى مشاة (الضفادع البشرية)، فضلاً عن متطوعين مدنيين جدد وهو واحد منهم.

ويروى (ع. س) لـ “مراسلون” أنه انضم للكتيبة بعد أن كان في الجبهة مع الثوار، ومن ثم عاد لمدينة بنغازي وخضع للتدريب العسكري وأصبح عسكرياً نظامياً يحمل رقماً عسكرياً في هذه الكتيبة.

وينفذ (ع .س) ورفاقه ما يتم تكليفهم به من قبل الغرفة الأمنية المشتركة في السابق، والآن من قبل رئاسة الأركان العامة، حيث يقومون أحياناً باقتحام مواقع محددة أو تنفيذ مهمات حراسة سواء في الصباح أو في منتصف النهار أو في الليل حسب الحاجة إليهم، وفي حال عدم وجود تكليفات يتواجدون داخل المقر الخاص بهم.

يقول العسكري الشاب “في مدينة بنغازي التي تعيش القتل ليلاً ونهاراً، بالإضافة إلى الاختطاف لغرض القتل والاختطاف لطلب الفدية الذي طال الكبار والصغار، يذهب رجال الأمن والجيش لممارسة عملهم بقلوب يملؤها الخوف، ولا دافع حقيقي للعمل سوى حب الوطن”.

قلق الأسرة

رجال الأمن في بنغازي سواء من الجيش أو الشرطة تعيش عائلاتهم في رعب حقيقي خوفاً من فقدان أبنائهم.

يقول (ح .ن) – 27 عاماً – وهو من منتسبي جهاز الشرطة في بنغازي إن أصدقاءه وأقاربه يطالبونه بترك عمله والتفرغ في مهنة آخر تكون أكثر أمناً.

ويضيف أنه عند حدوث أي جريمة قتل أو أنباء عن اختطاف أو اشتباكات مسلحة فإن والدته لا تتوقف عن الاتصال به حتى يعود إلى المنزل لتتأكد من سلامته وتطمئن عليه.

أما (ع .س) فيقول إنه يخرج من منزله أحيانا دون علم أمه التي لا تتوقف عن منعه من الخروج، ورغم ذلك فهو يحاول أن يمارس حياته بطريقه طبيعة مع بعض الحرص قناعةً منه أن “الأعمار بيد الله” بحسب قوله.

نتائج التحقيقات

ثلاثة من زملاء (ع. س) قُتلوا في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي أثناء قيامهم بتأدية واجبهم في شرق بنغازي، إثر تعرضهم لإطلاق نار من قبل مسلحين خلال عملية فك أسرى محتجزين كانوا بحوزتهم، وإلى الآن لم تُظهر الحكومة أو وزارة الدفاع أو رئاسة الأركان نتائج التحقيقات في تلك الجريمة.

ويؤكد (ع. س) أن معظم الجرائم التي تحدث في بنغازي تقيد حتى اللحظة ضد مجهول، بالرغم من وجود غرفة أمنية مُختصة شُكلت لحماية المدينة وبسط الأمن بها.

المتحدث باسم الغرفة الأمنية المشتركة بنغازي ابراهيم الشرع أكد لـ”مراسلون” أن الغرفة تمكنت من القبض على عدد من الأشخاص الذين اعترفوا بالقيام بجرائم في مدينة بنغازي، إلا أن جميعها كانت “جرائم جنائية لا تحمل أي طابع سياسي او ديني”، يقول الشرع.

غير أنه لا ينفي “الاستهداف الواضح والصريح لرجال الأمن سواء المنتسبين للجيش أيام النظام السابق أو حتى من المنتسبين الجدد الذين انضموا للجيش والشرطة بعد ثورة فبراير”.

وقد تجاوز عدد جرائم الاغتيال بحسب إحصائية قامت بها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا 51 حادثة خلال شهر شباط/فبراير فقط من هذا العام، توزعت على مدن بنغازي ودرنة وسرت، والضحايا أغلبهم ينتمون لجهات أمنية.

وعن هوية مرتكبي هذه الجرائم التي قيدت جميعها ضد مجهول رفض العديد من المسؤولين في الجهات الأمنية الإفصاح لـ”مراسلون” عمن يرتكب الجرائم التي تستهدف العناصر الأمنية، وأكد الجميع عدم معرفتهم بهوية الفاعلين.

أما (ع. س) فيعتقد بأن الاغتيالات لا تقوم بها جهة واحدة، “فهناك المتشددون التكفيريون، وهناك أتباع النظام السابق، فضلاً عن الاستهداف الذي ينجم عن مشكلات شخصية” بحسب قوله.

ليل مرعب

بنغازي التي بدأت تتعايش مع هذا الوضع ترى الحياة فيها أقرب للعادية، ففي النهار المدارس والمصارف والجهات الحكومية وغير الحكومية لازالت تعمل بصورة دائمة، أما ليلها فيصفه السكان بـ”المرعب”.

حيث تُسمع أصوات الرصاص الخفيف والمتوسط بالإضافة إلى الانفجارات بشكل دائم، دون أن تُفصح أية جهة أمنية عن ماهية تلك الاصوات المجهولة المصدر غالباً بحسب سكان المدينة.

أما رجال الأمن الذين يسهرون في شوارع المدينة لتأمين الطرقات، والمعرضون للاستهداف في أي لحظة يبقى لسان حالهم يقول “لماذا نقتل ونحن نحمي الأملاك والحرمات؟، لماذا نقتل دون جرم اقترفناه إلا وجودنا في مدينة اسمها بنغازي؟”.