في التسعينيات من القرن الماضي عرفت الجزائر ما سمي بـ “العشرية السوداء”، وهي صراع مسلح بين الدولة الجزائرية والمجموعات الاسلامية المسلحة التي انبثقت عن “الجبهة الاسلامية للإنقاذ”.وقد قامت هذه المجموعات التي تحصنت بالجبال باغتيالات واختطافات وتفجيرات انتحارية واستعمال كمائن وهمية.

في ذلك الوقت عمل علي الزاوي متطوعا في صفوف الجيش الجزائري، وكون فرقة متطوعين “لمقاومة الارهاب”.

في التسعينيات من القرن الماضي عرفت الجزائر ما سمي بـ “العشرية السوداء”، وهي صراع مسلح بين الدولة الجزائرية والمجموعات الاسلامية المسلحة التي انبثقت عن “الجبهة الاسلامية للإنقاذ”.وقد قامت هذه المجموعات التي تحصنت بالجبال باغتيالات واختطافات وتفجيرات انتحارية واستعمال كمائن وهمية.

في ذلك الوقت عمل علي الزاوي متطوعا في صفوف الجيش الجزائري، وكون فرقة متطوعين “لمقاومة الارهاب”.

الزاوي الذي كان في الاصل مختصا في الرياضات الميكانيكية وتاجرا في العجلات المطاطية، اختطفت ابنته سنة 1997 من قبل مسلحين وهي تغادر المدرسة، فقرر غلق تجارته وهجر رياضته والانخراط في الجيش في وحدات مقاومة الارهاب.

وقاد الزاوي خلال التسعينيات عدة فرق لمكافحة الجماعات المسلحة في الجزائر، وهو اليوم خبير في مسائل الارهاب والسياسات الجيوستراتيجية الدولية.

لتسليط الأضواء على تهديدات الجماعات المسلّحة في تونس والمنطقة، التقت مراسلون الخبير الأمني الجزائري علي الزاوي، فكان الحوار التالي:

مراسلون: هل يمكن القول إن الجزائر استطاعت القضاء تماما على الإرهابيين؟

الزاوي: صحيح أننا انتصرنا على الإرهاب لكن لم نقض عليه. لا يمكن لأي دولة مهما كانت قوية أن تجزم أنها قضت على الإرهاب. للأسف، بعد الانتصار نسبيا عليه أصبحت الجزائر اليوم مهددة  والخطر يداهمنا من ليبيا.

منطقة درنة باتت تعتبر الحديقة الخلفية للقاعدة بعد افغانستان والمركز الرئيسي للقاعدة في افريقيا والمغرب الكبير. وقد زاد الخطر بعد سقوط نظام القذافي الذي رغم اختلافنا معه لكنه كان حصنا منيعا ضد الإرهاب.

كيف يمكن تحديد الخطر الآتي من ليبيا، و ماهي أسباب الإرهاب الذي يهدد المنطقة؟

يوجد اليوم قرابة 75 مليون قطعة سلاح تهدد المنطقة مصدرها ليبيا. ثم إن التدخل الفرنسي الأخير ضد مالي أعطى لهؤلاء الارهابيين صفة “مجاهدين ضد عدو صليبي أو مستعمر” كما يراه  أغلب سكان المنطقة، و لهذا كنت من الذين يحذرون من هذا التدخل الذي سيجلب الويلات للمنطقة.

يوجد قرابة 14 ألف شاب التحقوا للجهاد بعد التدخل الفرنسي في مالي. كما  يوجد اليوم حوالي نصف مليون جهادي يهددون افريقيا، وبالأساس بلدان الثورات العربية تعيش أزمات سياسية. ثم إن ما يسمى بالثورات العربية وسقوط بعض الانظمة العربية كان سببا مباشر في تنامي ظاهرة الارهاب.

كيف تصف الحالة اللأمنية في تونس بعد الضربات الإرهابية الاخيرة؟

تعتبر المصادقة على الدستور والخروج بنسخة تكاد تكون علمانية، ضربة كبيرة لبعض التيارات الاسلامية وخاصة المتشددين من حركة النهضة الذين أرادوا أن تكون الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع في الدستور. كما أن العمليات الإرهابية الأخيرة التي استهدفت أمنيين في جندوبة في شباط/ فبراير الماضي هي ردة فعل على رفض هؤلاء  للدستور الذي لا يرتكز اساسا على الشريعة الاسلامية حسب رأيهم.

وأعتقد أن تونس اليوم بين نارين، نار مصر ونار ليبيا التي تعتبر الأوضاع فيها كارثية، ومن شأنها أن تنعكس سلبا على أمن تونس خصوصا والمنطقة عموما.

ثم إن ما يحدث في ليبيا بين عناصر أنصار الشريعة والتنظيمات الإرهابية والجيش، يهدد استقرار تونس وأمنها بالدرجة الأولى، كما أن ارتباط أنصار الشريعة في ليبيا بنظرائهم في تونس يجعل التخوف من تدهور الوضع الأمني في تونس كبيرا.

إن ما يجري في ليبيا والاستعداد الذي أبدته حكومة علي زيدان للتعامل بصرامة مع التنظيمات المسلحة على اختلافها، إضافة إلى الاتفاقيات التي تبرمها مع مختلف الشركاء الغربيين كالولايات المتحدة الأمريكية وايطاليا والأمم المتحدة، من أجل المساعدة على فرض الأمن وحماية الحدود، سيدفع بالعناصر الإرهابية والمسلحة بالفرار من المدن الليبية باتجاه دول الجوار، بما فيها تونس التي ربما تكون ملاذا لهم إن لم يتم السيطرة على الأوضاع.

كيف بدأ ضرب الإرهاب للجزائر وكيف يمكن مقارنته بالحالة التونسية؟

في التسعينات ،أو في العشرية السوداء كما نسميها، قاومت الجزائر الارهاب بمفردها كما أنها كانت الجدار الحامي لتونس خاصة في جبال الشعانبي، حيث منعت الجزائر الارهابيين من الدخول إلى تونس عبر هذا الجبل وتحويله إلى مركز جهادي مسلح، ولهذا السبب بقيت تونس مستقرة خلال هذه الفترة.

وبعد انضمام تونس إلى معاهدات مكافحة الارهاب بعد أيلول/ سبتمبر 2001 شهدت عدة عمليات إرهابية منها قصف معبد الغريبة اليهودي بجربة، ثم اختطاف النمساويين في تطاوين ومطماطة بالجنوب التونسي، دون أن ننسى أحداث سليمان في 2006. وهذه العمليات دليل على وجود الإرهابيين في تونس ذلك الوقت.

هل تعتقد أن الإرهابيين في تونس يسيرون في نفس المنهاج الذي سلكه الإرهابيون في الجزائر خلال العشرية السوداء كما تسمونها؟

أستطيع القول بأن ما عاشته الجزائر يهدد تونس اليوم، إذ تتكرر العمليات نفسها تقريبا، ومنها الحواجز الوهمية التي نصبت للأمنيين.

ومثال على ذلك أن عملية جندوبة في شباط/ فبراير الماضي التي نفذتها أيادي الإجرام من كانت من تدبير وتخطيط إرهابيين جزائريين، على اعتبار أن الجماعات الإرهابية انتهجت أسلوب الحواجز المزيفة بشكل كبير خلال العشرية السوداء ولاتزال تمارسها بقايا الإرهاب حاليا في بعض مناطق الجزائر.

ثم إن اللجوء إلى هذا المخطط يعبر عن معاناة العناصر الإرهابية من الحصار وغياب المؤونة والدعم ويعبر عن تحول خطير يتمثل في الهجوم بدل الدفاع.

وبخصوص مشاركة الإرهابيين الجزائريين في العملية فهذا يؤكد أن العناصر الإرهابية الجزائرية تقود الجماعات الإرهابية في تونس، كما تعبر عن سيطرة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي على أنصار الشريعة في تونس.

هل يعني هذا أن تونس يمكن أن تدخل في دوامة من الارهاب؟

بل أعتقد أن مصر مهددة أكثر من تونس بأن تعيش ازمات ارهابية ستهز أمن البلاد، والسبب ان اغلب الاسلحة الليبية موجودة في القطر المصري. فمصر مستهدفة من الارهابيين أكثر من تونس، لكن هذا لا يعني أن تونس ليست في خطر إن لم تتكاتف جهود الجيش والداخلية، وإذا لم تتوفر إرادة سياسية ووعي من المواطن الذي يجب ان يشارك في هذه الحرب على الإرهاب.

هل يوجد حاليا تعاون بين الطرف التونسي والجزائري للقضاء على الإرهاب؟

كما قلت، الجزائر تعتبر حصنا منيعا لتونس من الجهة الغربية، أي من جهة جبل الشعانبي خصوصا، فليس من السهل على الإرهابيين تخطي هذه الحدود، وقد تجلى هذا التعاون خصوصا من خلال توفير الجزائر الجانب المعلوماتي وحتى التقني.  

هل من أشياء ملموسة في هذا الجانب؟

لقد سبق ان نصحنا نظراءنا في تونس بعدم استعمال الوسائل العسكرية في تمشيط جبل الشعانبي والاقتصار على وسائل مدنية كالجرافات لتفادي انفجارات الألغام التي أودت بحياة بعض الجنود التونسيين في الفترة الاخيرة.

كما نبهنا التونسيين وأكرر ذلك، بأن يهتموا بالحدود البحرية من جهة ليبيا، لأن الإرهابيين يحاولون تمرير الاسلحة عن طريق قوارب الصيد عبر البحر وبكميات كبيرة، وقد نجحوا في ذلك في أكثر من مرة.

وننصح التونسيين بتشريك المواطن وإشعاره بالمسؤولية في محاربة الارهاب ومحاولة التضييق على من يساعد الارهابيين في تنقلهم وتوفير الغذاء لهم حتى تسهل محاصرتهم والقضاء عليهم.