انتهت قبل أيام الدورة الخامسة والأربعون لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وتنفس القائمون عليه الصعداء. حيث كان شبح فشل المعرض هو المسيطر على الأجواء، سواء تخوفا من التفجيرات التي شهدتها العاصمة المصرية في ثالث أيام المعرض، أو من بلوغ المسيرات الاحتجاجية أرض المعارض بمدينة نصر والتي يقودها أنصار الرئيس المعزول على مقربة شديدة منها، أو حتى تحسبا لأثر الشائعات التي انطلقت بين الحين والحين حول تفجيرات محتملة بهدف إفشال هذه الدورة التي يغيب عنها الفصيل الإسلامي المتشدد من بين الناشرين.

انتهت قبل أيام الدورة الخامسة والأربعون لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وتنفس القائمون عليه الصعداء. حيث كان شبح فشل المعرض هو المسيطر على الأجواء، سواء تخوفا من التفجيرات التي شهدتها العاصمة المصرية في ثالث أيام المعرض، أو من بلوغ المسيرات الاحتجاجية أرض المعارض بمدينة نصر والتي يقودها أنصار الرئيس المعزول على مقربة شديدة منها، أو حتى تحسبا لأثر الشائعات التي انطلقت بين الحين والحين حول تفجيرات محتملة بهدف إفشال هذه الدورة التي يغيب عنها الفصيل الإسلامي المتشدد من بين الناشرين.

واتصفت أيام المعرض الخمسة عشر بالهدوء الشديد مقارنة بدوراته السابقة، حيث اختفت ضوضاء مكبرات الصوت التي كان يتنازعها أصحاب المكتبات الأصولية والسلفية، ولم تعد أجواء “المولد” هي المسيطرة، تلك الأجواء التي طالما تذمرت منها النخبة المثقفة معبرة عن استيائها من الاحتفاء بكل شيء إلا الكتاب.

اختفى كل هذا الضجيج لتحل محله رياح الوقار والمحافظة. صار الباعة الجائلين المعروفين ببائعي سور الأزبكية منظمين في مساحة مسقوفة مهندمة، بينما خصص المبنى الفاخر المعروف بصندوق التنمية كفاترينة للعرض فقط  تضم ضيف الشرف (الكويت هذا العام) والإمارات فضلا عن دور النشر الحكومية وإصدارات وزارة الثقافة التي كان لها نصيب الأسد من مساحة الجناح الغير مخصص للبيع.

فلسفة التفريغ من المضمون
وكانت المفاجأة، وسط هذا الزخم الرسمي للمنتج الفكري، هي ركن وزارة الدفاع، التي لابد وأن تجذب الأنظار في لحظة صعود نجم المؤسسة العسكرية. فعلى أنغام أغنية “تسلم الأيادي” الصادرة من شاشة عرض كبيرة والتي يتجرعها الشعب في جميع الاحتفالات والتظاهرات منذ 30 يونيو، تتصدر قطعة نحتية للجندي حاملا سلاحه ومعتليا باقة من الكتب ومفاتيح المعرفة، أما المفاجأة الأكبر للزائر الشغوف فكانت في روح المكاشفة والشفافية التي تجعل الوزارة تعرض على الجمهور -بدون تحايل- المنتج البحثي والتاريخ العسكري وتحليلات المضمون التي تزخر بها، غير أن المفاجأة سرعان ما تتبدد حين يكتشف الزائر أن هذه المجلدات والموسوعات ما هي إلا عناوين وأغلفة فقط. هنا مجموعة من تسعة أجزاء حول أحداث 25 يناير ودور القوات المسلحة، وهنا شخصيات أثرت الحياة المصرية بداية من رؤساء مصر محمد نجيب وناصر والسادات، متجاوزا مبارك، ومرورا بالفريق الشاذلي – رئيس أركان الجيش وقت حرب 1973- والفريق محمد فوزي – وزير الدفاع خلال حرب الاستنزاف 1967 -1970 -.  كلها عبارة عن فاترينة عرض خاوية من المحتوى، مجلدات تتجمل أمام جمهور في حالة من الإيفوريا المرحلية، وحين تطرح سؤالا على المسئول المرابط في زيه المدني “ولكن أين هي الكتب ذاتها ؟”، سيجيبك بدماثة بأن جهاز الشئون المعنوية سيوفرها في خلال شهرين أو ثلاثة أشهر لجمهور القراء.

نفس فكرة المجلدات المفرغة من مضمونها تكررت في سياسة الهيئة العامة للكتاب، الجهة الحكومية المنظمة للمعرض، التي كرست شخصية عميد الأدب العربي طه حسين لتكون شخصية المعرض 2014، لتتناسب مع تيمة الندوات وحلقات النقاش الرئيسية التي تدور حول “الثقافة والهوية”. فبدت الهوة سحيقة بين اختيار صاحب “مستقبل الثقافة في مصر” الذي يرمز إلى الفكر الحر المستنير في مرحلة ما بعد الحكم الإسلامي، وبين السياسة الثقافية التي تتبع توجهات الدولة في الحرب على الارهاب والأصولية، حيث أعلنت هيئة الكتاب إعادة نشر عشرين من أعمال طه حسين بمناسبة الدورة الخامسة والأربعون من معرض القاهرة، لكنها بالطبع لم تحتو على كتابه الإشكالي “في الشعر الجاهلي” –الذي أتهم بسببه بالكفر في عشرينات القرن الماضي – وحتى حين نجحت نخبة المثقفين القائمين على مشروع مكتبة الأسرة في إعادة نشر كتاب “الفتنة الكبرى”، فسرعان ما اختفت من أرفف البيع بمنفذ مكتبة الأسرة (التي استخدم فيها طه حسين المنهج الفلسفي الديكارتي القائم على إعادة مسائلة الأحداث التاريخية بطريقة محايدة، وتضمن الجزء الأول خلافة عثمان بن عفان والاختلاف حول مقتله، بينما يتناول الجزء الثاني خلافة علي وبنيه).

أما ضيف الشرف الكويت، فلم تكن مشاركته على المستوى المتوقع حيث اقتصرت قاعة العرض على بعض الكتب التي تستعرض ضلوع البلد الخليجي الصاعد في مناحي العلوم المختلفة، ولم يجد الزائر ما يرضي نهمه من إصدارات وزارة الثقافة الكويتية المتميزة وسلسلة عالم المعرفة الشهيرة، بينما حاولت ادارة المعرض أن تفسح المجال لضيف الشرف الكويتي في الأمسيات الشعرية والندوات بشكل عام. وفي النهاية ظهرت مشاركة الكويت جليا عبر مساهمتها في منح جوائز أفضل الكتب في معرض القاهرة 2014، جنبا إلى جنب مع جوائز الهيئة العامة للكتاب، بحيث سمح الوجود الكويتي بمنح جائزتين في كل فرع من فروع المعرفة.

للعرض فقط

أما عن مدى نجاح الدورة ال45 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، فيعود في المقام الأول إلى زاوية النظر التي يتم من خلالها تقييم المعرض، هل الإقبال الجماهيري الضخم وقياسه من خلال شباك التذاكر هو المحك، أم أن الفيصل هو مدى رضا الناشرين المصريين والعرب عن حركة البيع داخل المعرض؟

بعيدا عن الأرقام المتضاربة التي رصدت عدد الزائرين في ثاني أيام المعرض ما بين 40 و60 ألف زائر فضلا عن الدعوات المجانية، فإن زيارة المعرض المتكررة تؤكد تزايد أعداد مرتاديه من بين الشباب والمراهقين على وجه الخصوص، وحتى وإن انعدم شراء الكتب أو تمركز حول كتب الهيئة العامة للكتاب التي نافست سور الأزبكية في توفير الطبعات القديمة بجنيه واحد، فإن ظاهرة الطوابير الطويلة لتوقيع الكتب لم تعدم هذا العام، مثل حفلات توقيع أحمد خالد توفيق وأحمد مراد ويوسف زيدان في دار الشروق. رغم شكوى العديد من مسئولي الدار من سكون البيع تماما للسنة الثانية بعد ثورة 25 يناير.

وبدا الأمر للعديد من الدور الشابة التي تشارك بشكل مستقل للمرة الأولى أو الثانية في أجنحة المعرض فرصة للدعاية لأعمالهم والالتقاء بالناشر العربي والتواصل مع الجمهور، مثل دار الكتبخانة، ودار العربي وصفصافة. حيث يؤكد صاحب صفصافة، محمد البعلي، وعلى عكس معظم تصريحات الناشرين، أن “دورة هذا العام -إذا استثنينا الأيام الخمسة التي تلت التفجيرات في ذكرى الخامس والعشرين من يناير- هي الأفضل على الإطلاق إذا ما قورنت بدورة العام الماضي”.

بينما يشير بعض الكُتاب إلى صعوبة إرضاء الناشر المصري الذي يريد أن يضمن أرباحا عالية من الجمهور المصري وفي الوقت نفسه يسعى لعمل تعاقدات مهمة للبيع بالجملة مع المؤسسات الحكومية العربية المختلفة.

أما الناشرون العرب أنفسهم، فقد حزم البعض أمتعتهم قبل ختام المعرض بيوم، مثل المركز الثقافي العربي، البيروتية، حيث يؤكد المسئول وقد جلس إلى جانب صناديق الكتب المتراصة “لا نحصل مبلغ الألف جنيه يوميا، بحيث لا نستطيع حتى تغطية تكاليف العرض”.

بينما تزخر القاعة رقم 19 الخاصة بالناشرين العرب بالعديد من دور النشر السورية، رغم مشكلات ارتفاع تكلفة الكتاب أضعاف مضاعفة في ظل الحرب واحتراق العديد من المطابع، وصعوبة نقل الكتب ثم إعادة إدخالها إلى البلاد من جديد. فيؤكد منيف ملحم، مدير دار تموز، حديثة العهد والتي تأسست في 2011، أن الناشرين السوريين يتم معاقبتهم على ما يحدث في سوريا اليوم، بمنعهم من الحصول على تأشيرة الدخول في معارض مهمة في المنطقة مثل الرياض والكويت والمغرب.

بينما انخدعت دار الجمل (كتالونيا-بيروت) من النجاح الذي حققته في الدورة الماضية للمعرض وهي المعروفة باتجاهها الليبرالي وتجاوز الخطوط الحمراء، “قمنا ببيع مائة وخمسين صندوق في زمن الإخوان”، وضاعفت الدار من فضاء العرض المخصص لها هذا العام إلا أنها كما يوجز الشاب المسئول :”مثلما جئنا مثلما نعود”.