في جنوب شرق ليبيا وسط الصحراء قرب مدينة الكفرة تقع واحة “بزيمة” الشهيرة بـ”واحة الشفاء”، وهي عبارة عن بحيرة وجبل مكسو بأشجار النخيل يسمى “جبل النخل”، وحولها من كل جانب لا شيء إلا الرمال.

ترحيل قسري

هذه الواحة التي تجذب عدداً كبيراً من السياح خالية من السكان منذ عام 1976، تم إخلاؤها آنذاك وترحيل سكانها إلى مدينة الكفرة (التي تبعد عنها مسافة 150 كم باتجاه الجنوب الشرقي) بقرار جمهوري، بسبب مطالبتهم بتحسين الخدمات الصحية والاهتمام بواحتهم، وهو ما اعتبرته الدولة أمراً غير مجدٍ حيث لم يتجاوز عدد سكانها 350 نسمة.

في جنوب شرق ليبيا وسط الصحراء قرب مدينة الكفرة تقع واحة “بزيمة” الشهيرة بـ”واحة الشفاء”، وهي عبارة عن بحيرة وجبل مكسو بأشجار النخيل يسمى “جبل النخل”، وحولها من كل جانب لا شيء إلا الرمال.

ترحيل قسري

هذه الواحة التي تجذب عدداً كبيراً من السياح خالية من السكان منذ عام 1976، تم إخلاؤها آنذاك وترحيل سكانها إلى مدينة الكفرة (التي تبعد عنها مسافة 150 كم باتجاه الجنوب الشرقي) بقرار جمهوري، بسبب مطالبتهم بتحسين الخدمات الصحية والاهتمام بواحتهم، وهو ما اعتبرته الدولة أمراً غير مجدٍ حيث لم يتجاوز عدد سكانها 350 نسمة.

يقول العارفون بالمنطفة أن تاريخ سكن الواحة يعود  إلى عام 1890، حيث استوطن فيها عدد من أبناء قبيلة الزوية وبقوا فيها قرابة مائة عام حتى تم ترحيلهم بقرار من القذافي بعد خطابه في مدينة ازويلة سنة 1975.

إلا أن مدير مكتب مصلحة الآثار بالكفرة عمران الزوي أكد أن الواحة مسكونة منذ آلاف السنين، ويروي أنه قام بزيارتها مع العديد من المؤرخين من داخل وخارج ليبيا، حيث تم اكتشاف رسومات ونقوش في جبل النخل قدر المؤرخون عمرها بآلاف السنين.

سبل المعيشة

يقول الحاج هلال محمد جناب الزوي أحد سكان بزيمة سابقاً في حديثه لمراسلون أن سكان بزيمة كانوا “يعتمدون في معيشتهم على الزراعة والري، حيث كانوا يزرعون أجود أنواع التمور منها التمر الصعيدي وأم السمن وقرين وصفير وغيرها، وكانوا يربون المواشي”.

ويؤكد أنه “كانت هناك مدرسة مبنية بالطوب في القرية تحوي الصفوف من المرحلتين الابتدائية والإعدادية، بعدها كان الطلاب يذهبون لاستكمال دراستهم في مدينة الكفرة ويقيمون في السكن الطلابي، كما كان بها مسجد يقوم بتحفيظ القرآن”.

بحسب الحاج هلال فقد كان سكان القرية معتادين على استقبال السياح من جميع الدول الأوروبية الذين كانوا يتوافدون على الواحة، والتي كانوا يصفونها حسب قوله بـ “عروس الصحراء” بحكم موقعها وأنها “أجمل واحة في ليبيا لما فيها من مناظر خلابة ورائعة”.

يصف الرحالة جيرالد رولفس أول رحالة أوروبي يزور الواحة في كتابه “ثلاثة أشهر في الصحراء الليبية” واحة بزيمة بأنها “سحر من خيال الصحراء، وبها غابة من القصب والغاب غاية في الكثافة، وغالباً ما تصل أحراش النخيل حتي اطراف الماء مباشرة” ويضيف بأن الواحة “مأوى لأنواع كثيرة من الصقور”.

عين الشفاء

وتبلغ مساحة عين واحة بزيمة الأكبر حوالى 1500 متر مربع وتسمى بعين “الأرباع”، كما توجد في البحيرة عدة عيون هي سبب بقائها رغم جفاف مساحات واسعة من أطرافها، حيث تعوض في الشتاء ما فقدته في فصل الصيف.

من أهم عيون بحيرة بزيمة نبع ماء كبريتي ساخن تبلغ درجة حرارته من 70 إلى 80 درجة مئوية، يسمى بـ”عين الشفاء” و يأتيه الناس من كل مكان بقصد العلاج، وهو السبب في إطلاق هذا الاسم على الواحة بالكامل.

يقول عمران الزوي أن غنى الموارد الطبيعية في الواحة هو ما يميزها ويعطيها قيمة خاصة، وبالذات وجود المياه العذبة على عمق 3 أمتار فقط على امتداد مساحتها، فيما مياه البحيرة غير صالحة للشرب لشدة ملوحتها.

فن صخري

ويضيف “الجبل المجاور لهذه الواحة جعلها مكاناً ملائماً للاستيطان منذ أقدم العصور، حيث أصبحت من أغنى مواقع الفن الصخري في جنوب شرق ليبيا”.

ويقسم مدير مكتب الآثار النقوش التي وجدت في الواحة إلى فترتين “هما فترة الأبقار وفترة الجمال، وتوجد بها مقابر ومباني دائرية، هذه المباني نوعان منها ما هو مبني بمونة (الدعم الأرضي بالأعمدة)، والآخر مبني بحجارة مرصوفة فوق بعضها البعض بدون مونة”، وهو ما يدعم نظريته بوجود فترتين من الاستيطان للواحة.

ويضيف عمران الزوي في هذا الإطار أن أشهر المواقع الأثرية في الواحة “هو موقع الجمال وهو موقع مفتوح وقريب جداً من البحيرة، وجل مواضيعه حيوانية وهي تمثل فترة الجمال حيث الأشكال الآدمية قليلة الظهور، وإن ظهرت فهي تظهر بشكل رديء ما يدل علي أهمية الجمل بالنسبة للإنسان وقيمته في تلك الحقبة”.

متابعاً “ثم هناك النقوش التى رسمت على الجبل، والتي تمثل مجموعة من المواشي والزرافات وبعض الحيونات رسمت وكأنها تُطارد من قبل صيادين، وترجع جميع الصور والرسومات إلى عصر الرؤوس قبل آلاف السنين”.

اهتمام المملكة

يؤكد الحاج هلال الذي كان يشغل منصب رئيس فرع بلدية بزيمة في عهد المملكة أن الواحة “حظيت باهتمام كبير من الملك ادريس السنوسي، حيث قام بإرسال لجنة من قطاعي الإسكان والتعليم عام 1968 للوقوف على وضع هذه الواحة والاهتمام بها، وتمت الموافقة على إنشاء 25 وحدة سكنية، ومدرسة وفندق سياحي ومستشفى، وكذلك أقر مشروع إنشاء مطار حتى يتم نقل جميع الحالات التي تزور الواحة للعلاج من ألم المفاصل والبرد والروماتيزم وبعض الأمراض الأخرى”.

وهو ما يعتبره إدراكاً من الملك لأهمية الواحة من الناحية الاقتصادية، لقدرتها على استقطاب السياح من كافة أنحاء العالم سواء للمتعة والاستكشاف أو للعلاج.

يؤكد الحاج هلال أنه لن يتخلى عن حلمه بالرجوع للسكن في واحته مع أحفاده، حيث يملك الكثير من المشاريع التي يحلم بتحقيقها هناك مستفيداً من جمال الواحة وأهميتها، ويقول “أتمنى أن أرى أحفادي يهتمون بهذه الواحة ويجعلونها أفضل مما تمنيتها أنا في صغري، حتى تكون مكاناً يقصده جميع السواح”.