“هذا الفيلم ناعم”. تتردد أصداء عبارة رفيق الصبان الشهيرة بعد مشاهدة “فيلا 69″، ونتصور لو كان الله أمد في عمره لكان احتفى بهذا الشريط الذي يقطر إنسانية، ولاحتفى أيضا بالمرأة صانعة الفيلم، آيتن أمين التي توقع أولى أفلامها الروائية الطويلة، وتحصل به على جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفلام العالم العربي في مهرجان أبو ظبي الدولي 2013.
لم يكن الناقد السوري يقصد بالنعومة معاني الخفة أو الرومانسية الحالمة، بل يشير إلى هذه النوعية من الأفلام ذات البصمة الانسانية والصنعة الجيدة والرهافة في التعبير، دون صوت زاعق. أي الفيلم الذي يبدو بسيطا لكنه السهل الممتنع.

“هذا الفيلم ناعم”. تتردد أصداء عبارة رفيق الصبان الشهيرة بعد مشاهدة “فيلا 69″، ونتصور لو كان الله أمد في عمره لكان احتفى بهذا الشريط الذي يقطر إنسانية، ولاحتفى أيضا بالمرأة صانعة الفيلم، آيتن أمين التي توقع أولى أفلامها الروائية الطويلة، وتحصل به على جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفلام العالم العربي في مهرجان أبو ظبي الدولي 2013.
لم يكن الناقد السوري يقصد بالنعومة معاني الخفة أو الرومانسية الحالمة، بل يشير إلى هذه النوعية من الأفلام ذات البصمة الانسانية والصنعة الجيدة والرهافة في التعبير، دون صوت زاعق. أي الفيلم الذي يبدو بسيطا لكنه السهل الممتنع. حيث نجح الفيلم في مواجهة عدة تحديات، كان أولها معضلة السينما المستقلة والسينما التجارية، أو كيف تقدم شريطا لا يخضع لقوانين السوق الضيقة أو للوصفات الجاهزة التي تنحصر في موضوعات فكاهية لاقت استحسان الجمهور، وفي أبطال بعينهم تكرس نجاحهم عبر مثلث محدد من المنتج والمخرج والبطل.
يقف فيلا 69 في منطقة وسيطة بين العالمين، فهو ليس من نوعية الأفلام النخبوية المستقلة التي تنزع إلى التجريب و تغوص في الغرائبي وتنال فقط اعجاب المثقفين ويطلق عليها الجمهور “فيلم مهرجانات” بمعنى ميل الفيلم للتركيب والتعقيد وبعده عن الفهم العام البسيط. كما أنه وفي الوقت نفسه بعيد تماما عن موضوعات الأفلام التجارية والانتاج الضخم والميل إلى السهولة في صناعة الفيلم. بل اعتمد الفيلم على الانتاج قليل التكاليف، كما لجأ إلى نجوم صاعدين متميزين (هبة يسري وعمر الغندور وعلى رأسهم أروة جودة)، هذا إذا استثنينا الفنانة الكبيرة لبلبة التي مالت مؤخرا إلى مشاركة  شباب صناع السينما في طرح رؤى مغايرة منذ أن تجلت في أفلام أسامة فوزي، واستثنينا أيضا خالد أبو النجا الذي عرف ببحثه الدائم عن الخروج عن النمطية في الأدوار بل وفي انتاج الأفلام حيث شارك صاحب “ميكروفون” و”هليوبوليس” في انتاج فيلا 69 مع السيناريست والمنتج المغامر محمد حفظي والمنتج وائل عمر. أما وقوف فيلا 69 على الحافة الفاصلة بين نوعية الأفلام المستقلة التي يهابها الجمهور، وبين الأفلام التجارية ذات الوصفة المضمونة، فيرجع إلى القصة الانسانية التي يدور حولها الفيلم والتي نشأت فكرتها مع محمد الحاج وأتمها الروائي الشاب محمود عزت. حيث أرادت آيتن أمين أن تصنع فيلما بسيطا وممتعا، ومع ذلك غير سطحي بحيث لا يتماهى مع الأفلام السائدة في السوق، فتقول في إحدى أحاديثها الصحفية : “كنت أريد عمل أفلام تشبه الأفلام التي كنت أحب مشاهدتها وأنا طفلة  مثل أفلام المخرج فطين عبد الوهاب”.
وبالفعل نجحت المخرجة الشابة في التحدي الثاني الذي وضعته لنفسها، أي أن تحكي ببساطة آسرة لا تخلو من عمق قصة المكان، دون افتعال في حركة الكاميرا، أو ميلودراما فجة. حيث يقف السرد على مشارف النهايات، من خلال شخصية “حسين” – يقوم بدوره خالد أبو النجا-  الذي يعيش في الفيلا 69 في إحدى المناطق المطلة على النيل، وحيدا، مكتفيا، منغلقا على ذاته، ينتظر نهاية معاناته الوشيكة من مرض عضال، غير أن الشخصية لا تسعى أبدا إلى دغدغة مشاعر المشاهد وإثارة التعاطف مع البطل الذي يتأهب للرحيل، بل على العكس، فهي شخصية مركبة ذات طبقات عديدة، تمت كتابتها بمهارة عالية. إذ يبدو حسين حادا في سلوكه وردود أفعاله، لكنها الحدة والغلظة التي تخفي هشاشة ورهافة تحمي نفسها مخافة أن تمس. يمكث حسين بالفيلا التي تظهر شاحبة مثل صاحبها، تحمل أمارات عز غابر، يريدها كما هي بنظام أثاثها القديم و الأتربة التي تعلوها والذكريات القابعة فيها، حتى أنه يعنف شقيقته (لبلبة) التي تحاول أن تزيح عنها الغبار وتعيد إليها رونقها القديم، كما لو كان قبوله بأي تغيير في المكان معناه الاقدام والانفتاح على الحياة من جديد.
وفي هذا السياق يظهر تحدي آخر هو التصوير في مكان مغلق، وهو هنا فضاء الفيلا نفسه، حيث يلجأ المخرجون عادة إلى الأماكن المغلقة في الأفلام قليلة التكاليف، أما في فيلم آيتن أمين فيبدو المكان هو البطل الذي تتماهى معه الشخصيات، لينقل حالة الثقل والرتابة وانتظار النهاية في حالة حسين،  أو تشكل مشاعر الحفيد “سيف” وصديقته “آية” وتفتح وعيهم في مشاهد ذات ضوء نهاري في الحديقة أو السطح المنفتح المطل على النيل، ليصبح فضاء الحديقة الواسع وخروج ثلاثتهم في أحد مشاهد الفيلم الأخيرة كما لو كان إيذانا باستمرار الحياة، بهروب حسين من أشباح الماضي وهواجس الحاضر لتتفتح لديه مشاعر الأبوة والصداقة من جديد. يتواصل مع الشابان الواعدان يحدثهما عن الشعر وعن الموسيقى، ويدرك ربما أن على الأرض ما يستحق الحياة.
تتكون فيلموغرافيا آيتن أمين من ثلاثة أفلام روائية قصيرة وفيلم تسجيلي، “أنا عارف هي مين” و “راجلها” والذي كان مشروع تخرجها من آرت لاب في الجامعة الأمريكية، وفيلم “ربيع 89”. ومع اندلاع ثورة 25 يناير، شاركت آيتن أمين في إخراج فيلم “تحرير 2011 : الطيب والشرس والسياسي” الذي كان ثمرة اندماجها وتفاعلها التام مع أحداث الثورة. واختير الفيلم للمشاركة الرسمية في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي، خارج المسابقة وحصل به على جائزة خاصة مقدمة من منظمة اليونسكو الدولية، كما  اختير الفيلم للمشاركة في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي والعديد من المهرجانات الأخرى، وتم ترشيحه لجائزة أفضل فيلم وثائقي ضمن جوائز سينما من أجل السلام في برلين عام 2012.