1

لو أن فرقة راقصة من المثليين الجنسيين، احتلت مجلس الشعب لتعلن عن أن لها حقا فى الشمس، وقررت احالة هذا المكان الكئيب إلى حانة.

لو أن خانة الديانة شطبت، وحل محلها خانة أخرى مميزة واختيارية تماما: أرسنال فريقي المفضل.

لو استطاعت امرأة أن تخاطب الرب وهي ترتدي تنورة قصيرة، ومر الناس بجوارها دون أن يخبروا بعضهم -أو الرب-عن الشىء المريب.

1

لو أن فرقة راقصة من المثليين الجنسيين، احتلت مجلس الشعب لتعلن عن أن لها حقا فى الشمس، وقررت احالة هذا المكان الكئيب إلى حانة.

لو أن خانة الديانة شطبت، وحل محلها خانة أخرى مميزة واختيارية تماما: أرسنال فريقي المفضل.

لو استطاعت امرأة أن تخاطب الرب وهي ترتدي تنورة قصيرة، ومر الناس بجوارها دون أن يخبروا بعضهم -أو الرب-عن الشىء المريب.

لو أن المآسي تحلت بالجرأة لتتجدد، لو تخلت عن بؤسها المكرر الميلودرامي، لو أن هتاف: الخبز  ..لم يعد مطروحا، ليحل محلها: رفاهية ..حرية ..عدالة اجتماعية.

لو أن ..

كانت تلك الغيوم هى الثورة، أماني غير محددة، مفتوحة على تفاصيل صغيرة لكنها دالة على الاتجاه الذي كان من المفترض أن تسير إليه ..حرية ونجاة من تلوين الدولة لمواطنيها..كنا نعرف ما لا نريد ولا نجرؤ على أن نقول ما نريد. كنا نخبئه كى لا يجرح بؤس المجتمع فنكتفي بالغناء معهم عن رغيف الخبز المنشود.

اعتقد أننا صحونا لنجد الشمس هي الشمس، الحياة هى الحياة..الموت هو الموت..والسماء فى مكانها تماما..الدولة الفاشلة لها ذراعان عجوزتان عندما احتضنتنا، عرفنا ..أننا فاشلين مثلها..فاشلون يعرفون أنهم يستحقون أفضل من الخبز الذى يقضمونه الآن..سنغرق سويا بسعادة، وبابتسامة غامضة..هذا وحده منبع الأمل الآن: أن الغرق قادم لا محالة للعجوز وضيفه الثوري الشاب الذى لم يعد كذلك ..لا حل سوى تخطى الأحلام الضيقة للخبز ..سنعرف ذلك عقب مرور وقائع الموت المعلن.

2

لقد تآمروا بجدية تستدعى الاعجاب، وخططنا لأخطائنا المستقبلية ببراعة..ألم تلاحظ أن الفلول صاروا مسيسين، عرفوا ما أرادوا، حتى إن إرادتهم استقلت عن “السلطة” و”الثورة”، عادت كلاعب يملك أجندة معارضة.

سيطردون المثليين من مجلس الشعب وسيحرقون جثثهم أحياء، لن يمنحوا البهائيين أو مشجعي الأرسنال أي خانات فى البطاقة ولا استمارة شراء بنصف السعر من هايبر ماركت. سيجبرون المرأة على رفع التنورة إلى المكان اللائق عند الكعب، وسيتخيرون طريقة لحديثها مع الرب، فمن المعروف أن الجسر بين المحافظين والأصوليين هو ساق امرأة، سيتحدثون بجرأة عن ما يعرفون أنهم يريدونه.

لكنك أنت وحدك، لازلت تخشى من طرح أحلامك..توقفها عند الخبز..تتحدث عن تقنين الرقابة وتخاف أن تخبرهم عن رغبتك فى مشاهدة المشهد كاملا وأنت تأكل الفشار وتشرب البيبسي في جمجمة الرقيب.

3

أثناء الموجة الأولى من الثورة، كنت أعمل فىى دار نشر تتبع مؤسسة كبرى، تملك المؤسسة سيدة تجمع تلك الصفات: تؤمن المعرفة وفقا لخطوط الدولة، تتبع القوة أينما حلت، ترضى الرب بالصلاة والحجاب وتعصر العبد  إلى عمل شاق بأقل كلفة، وتعريفها للسلطة هو أن لا يرد لها أمر…تملك كل ما ترغب فى السلطة: الحديث باسم الدولة والدين والمال.

الثورة أعطتني الشجاعة لأتوجه إلى مكتبها، وأكيل لها كلمات عمدت أن تكون قاسية عن سياستها السلطوية القاصرة والرجعية، مقدما استقالة مسببة، لكنها على عكس ما توقعت رفضت الاستقالة، وتفهمت أن كلماتي القاسية حد الإهانة بوصفها موجة غضب نابعة عن حماس حقيقي. وشأنها شأن الدولة كان تشعر أنها مهزومة أمام جيل آخر يملك شيئا غامضا اسمه: الشباب. قبل 25 يناير لم تكن لتتصرف هكذا، وشأن الدولة قررت “احتوائي” و ترقيتي ومنحي صلاحيات أكبر، بتحية تشبه تحية اللواء الفنجري وهو يحيي شهداءنا فنعتقد في النصر.

اعتقدت فى تلك اللحظة أني حققت نصرا، قبل أن أفيق على “وهم” الترقية الزائفة والصلاحيات المعدومة. تركت المؤسسة ولم أفهم حينها سوى أنها تصرفت كالسلطة. كان الأمر محض خدعة لامتصاص الغضب، ذلك التفسير لم يكن كافيا.

ربما الآن، أفهم، لم رغبت فى بقائي في المشهد رغم سلاطة لساني وجرأتي التى تسربت بين أفراد المؤسسة التي تخشاها وترتجف فى حضرتها.

كانت تظن أنها تستطيع الاستيلاء على السر الغامض: الشباب..امتصاصه، أن أكون عينها على جيل جديد يضمن لها نقودا أوفر. أدركت هي في تلك اللحظة أن سلطتها صارت قاصرة لأن هناك أشياء لم تفهمها. أرداتنى لتجاوز الشيخوخة، أن تمتص هذا السر، وتتركنى ميتا لتستعيد شبابها، لكن “بشروطها ولغتها وملعبها ومكاسبها الخاصة”.

هكذا فعلت الدولة، تحديدا فى 30 يونيو، هى تريدنا هنا، لكن دون مكاسب دون ضمانات، شرعية جديدة، تمنحها قبلة الحياة بعد أن أدركت وهم شرعية ثورة 1952 وأن شرعية حرب أكتوبر صارت مضحكة، الشرعية الآن للثورة؟ أى ثورة..ثورتنا!!

4

يخرج علاء عبد الفتاح من محبسه وهو يرفع علامة النصر، ترافقه قصة عاطفية عن ابنه الذي رأى النور كما حدث لوالد علاء نفسه لدى انجابه طفله، بينما والده فى ظلمة السجن، كما أنه برفضه للمثول أمام للتحقيق من جانب جهة عسكرية، يعطى أملا وطريقا للاستخدام المكثف للمحاكمات العسكرية ضد الثوار عقب 25 يناير.

علامة النصر، قصة عاطفية عن الابن الذى يكرر سيرة نضال عائلية، تحدى أكبر سلطة فى البلاد: العسكر.

تظن من مقعدك أمام الكمبيوتر، أن التعاطف سيل وأنه حقيقة كل شيء، تراجع أرقام المشاركات، الشير على فيس بوك، تظن أن العالم ملكك وأنك منتصر مع علاء، وأن غير المتعاطفين “فئة مندسة” على حلم الثورة كما تتحدث السلطة عن اعدائها أو “أغلبية جاهلة” يمكن تهميش رأيها أو ستشعرك بأنك بقرة مقدسة تملك سببا غامضا للتميز على الآخرين.

علاء عبد الفتاح، المناضل الشاب، رمز الثورة، يرسل له مع كل قضية :ماسبيرو، المقطم، بتهمة واحدة: حمل السلاح و التحريض على العنف، فى كل مرة يخرج دون حكم، هم لا يريدونه سجينا، يريدونه حاملا للتهمة.

لقد فعلوا ما أرادوا بالضبط، أن تكون الهزيمة في النصر، تماما عقب احتوائك بالتحية العسكرية للواء الفنجرى عندما أعلن انتصارك بتنحية مبارك مبطنة بهزيمتك بطلب تنحيتك من المشهد مكتفيا بانتشائك.

لم يكن الهدف اعتقاله، بل تحييد رأيه، و تحويل كل جملة منه إلى جملة عليه، الأب الروحي للمدونين كما يطلق على صاحب مدونة منال وعلاء لا يجب أن يغادر المشهد، لكن على حضوره أن يصير إشارة على تشوه الثورة، هكذا كان التمثيل بجثثنا يتم.

علاء بشعره المرسل، آراؤه الجريئة التى تنشد الحرية للجميع، وجهه الذى لا يشبه “المواطنون الشرفاء” وانما خيال جديد يطل على المشهد ويحطمه، “الشرفاء” هؤلاء تطوعوا ليكونوا حضانات طبيعية لتشويه صورة علاء، لقبول الاتهامات غير المنطقية له بالالحاد و الشذوذ لمجرد دفاعه عن الدولة التي يتمناها، دولة تساوى بين الجميع، وتقبل الملحد والشاذ (أقصى ما يكرهه المجتمع الحالى):على أساس من المساواة وليس كمنحة كرم حتى.

كان علاء الذى وجهت له اتهامات أثناء مبارك والمجلس العسكري والإخوان  يكسب نفسه، بينما تكسب السلطة الأرض. علاء عبد الفتاح عاد إلى موقعه فى الهامش، عدوا شعبيا، لأناس يتعاملون مع الانترنت وشبابه كأرض جديدة باندهاش، حتى أن بعضهم يكتفى لاثبات تهمة يلوكها: إنه قرأها على الانترنت.

الانترنت كان سلاحك، فصار سلاحهم أيضا، ثم ظهر أنهم يحققون الفائدة بعدم اجادة استخدامه، أنت قلت أنه الأرض التى خلقت ثورتك، وقبعت فيها..هم احتلوها ببساطة مع مواطنيهم الشرفاء، المواطنون الشرفاء أيضا لديهم حقائق يرغبون فى تصديقها: حقائق زائفة ومريحة تنشر على الانترنت.

هل أردتم شبابا: لقد منحونا محمود بدر، شاب بشعر مثالي، وجه يشبه ابن مطيع لمواطن شريف، حركة تمرد تمنح العسكر كل شيء، الامتثال، التقدير، العيون الخاوية، الفرح الطفولي بالسلطة، الخفة لا القوة التى يمثلها علاء عبد الفتاح، الموافقة “كممثلين زائفين عن الشباب” بأنهم سيقبلون حكم الرجل العجوز بعد أن ظن أن احتضانه لشاب سيمنحه الحيوية.

5

فى فيلم جادة سانسيتSunset Boulevardلبيلى وايدر، يدخل المؤلف الشاب إلى قصر عامر تملكه نورما الممثلة العجوز التي فاتتها سلطة الأضواء ولازالت تعتقد أنها نجمة كبيرة “لكن الأفلام هى التى صارت صغيرة” بانكار مسرحي بالغ. المؤلف لجأ إلى قصرها الذى يدل على ثراء فاحش وقدرة على ايجاد الحلول هربا من سلطة الدائنين، مفلس، هارب من دفع الإيجار، تمنحه وظيفة وهمية لصناعة سيناريو جيد من سيناريو سيء كتبته بنفسها للعودة به إلى الأضواء مرة أخرى. يقبل على أمل الحصول على الدفء والحماية، بينما هى تستحوذ عليه تدريجيا، فوجوده جانبها فرصتها الأخيرة لتشعر بالجاذبية، “الشرعية الأخيرة لها” هي شبابه.

يحاول الهرب إلى كاتبة شابة تحدثه عن المستقبل وتعيده إلى حياة أكثر حيوية، فرصته الأخيرة للنجاة واستعادة حياته، لكن ينتهي به الأمر مقتولا برصاصة نورما فى الظهر، ليسقط فى حوض السباحة بالقصر، بينما تصل نورما إلى الجنون، وهى تعتقد أن الشرطة وعدسات المصورين الصحفيين هي مشهد فى فيلمها الجديد.

هل تريد توضيحا؟ سأمنح لك حكمة: الأمل فى انزلاق نورما إلى الجنون الكامل بدلا من التأرجح بين الخبل والانكار، وغرق السيناريست الشاب فى حوض السباحة مقتولا برصاصة فى الظهر على يد المجنون بدلا من التأرجح بين الرغبة فى البقاء القصر والثورة خارجه.