حمل عربته الصغيرة وبضع صناديق خضر ليحارب الجوع والفقر والخصاصة ويؤمّن لعائلته قوت يومها. كان يدرك أن تلك العربة التي يقف بها على رصيف الشارع طيلة يوم كامل لن تعود عليه بدرر إنما ببضع دنانير استطاع أن يجمعها من حرفاء يشاركونه مأساة الفقر والجوع.

بائع الخضر المتجول محمد البوعزيزي ابن محافظة سيدي بوزيد الواقعة في الوسط الغربي بالبلاد التونسية – وهي احدى المحافظات المهمشة والفقيرة والتي يشتكي سكانها نسبة بطالة مرتفعة- دخل التاريخ من أوسع أبوابه، دون أن يعلم أن تلك العربة الصغيرة التي تحمل بضع أرطال من الفلفل والطماطم والبصل والبطاطا ستصبح رمزا “للكرامة” في تونس.

حمل عربته الصغيرة وبضع صناديق خضر ليحارب الجوع والفقر والخصاصة ويؤمّن لعائلته قوت يومها. كان يدرك أن تلك العربة التي يقف بها على رصيف الشارع طيلة يوم كامل لن تعود عليه بدرر إنما ببضع دنانير استطاع أن يجمعها من حرفاء يشاركونه مأساة الفقر والجوع.

بائع الخضر المتجول محمد البوعزيزي ابن محافظة سيدي بوزيد الواقعة في الوسط الغربي بالبلاد التونسية – وهي احدى المحافظات المهمشة والفقيرة والتي يشتكي سكانها نسبة بطالة مرتفعة- دخل التاريخ من أوسع أبوابه، دون أن يعلم أن تلك العربة الصغيرة التي تحمل بضع أرطال من الفلفل والطماطم والبصل والبطاطا ستصبح رمزا “للكرامة” في تونس.

من تلك العربة امتلك البوعزيزي بعده الرمزي، سكب على جسده البنزين فأحرق آخر دعامات منصة القمع والتجويع والتهميش. احترق فاحترقت قلوب اغلب التونسيين، لأن الخبز والكرامة لا ينفصلان.

تلقّى البوعزيزي صفعة على وجهه من عون التراتيب (المكلفة بالمراقبة الاقتصادية). صفعة مثلت مرحلة فاصلة في تاريخ تونس، وقطعت مع واقع القهر والظلم، ليستيقظ التونسيون بعد برهة على مشترك جديد مع محمد البوعزيزي.

ينهش أجسادهم فقر مدقع وكرامة تداس فكان الشعار “شغل حرية.. كرامة وطنية” الكلمة السحرية التي أسقطت الرئيس السابق بن علي أو كما يحلو لجمهور الغاضبين وصفه بـ”الطاغية”.

ارتفع سقف الأحلام، بلاد لا يجوع الفقير فيها ولا يهان، بلاد تحترم فيها القدرة الشرائية للمواطن، وتوزع ثرواتها بعدل. بحلم بتونس تكون جنة لكل التونسيين يتقاسمون خيراتها بعدل واحسان.

أطلق التونسيون العنان لأحلامهم، حملتهم عربة محمد البوعزيزي إلى مرحلة زمنية مغايرة فبعد أن اقتلعوا نظام “طاغية” جثم فوق صدورهم لأكثر من عقدين من الزمن، أصبح المستحيل ممكنا وغدا الحلم أحلاما.

لم يعد الحلم مقتصرا على شغل وكرامة وحرية، بل أصبح طموح الشعب التونسي هو بناء دولة ديمقراطية وبناء جمهورية ثانية تؤسس لعلاقة جديدة بين الحاكم والمحكوم.

وكانت المطالبة بمجلس وطني تأسيسي يخط دستورا جديدا للبلاد وانتخابات تعددية وشفافة تساهم فيها جميع القوى الحية في البلاد من مختلف الحساسيات السياسية، وتؤمن الانتقال الديمقراطي بتونس “الثورة”، نحو بر الأمان حيث لا يضطر بائع خضار ولا عاطل عن العمل إلى حرق نفسه.

لم يتوقف الحلم، فقد عبرت العملية الانتخابية التي اجريت فعاليتها في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 عن رغبة جماهيرية عارمة في بناء الجمهورية التونسية الثانية على أسس وقواعد ديمقراطية تنبني على العدل والمساواة والتكافؤ في الفرص.

أمام هذا الحرص الجماهيري وضغط الشارع لم يكن للساسة خيار ثان سوى العمل في إطار التوافق السياسي، فقد عاشت تونس خلال المرحلة الانتخابية وما تلاها من مراحل تكوين المجلس التأسيسي أحداثا تعبر عن حالة ديمقراطية وليدة.

مرحلة ما بعد البوعزيزي أنتجت تحديات كبيرة على الساحة السياسية، فإثر اغتيال الشهيد شكري بلعيد في 6 فيفري/ فبراير 2013، واغتيال النائب الشهيد محمد البراهمي في عيد الجمهورية الموافق ليوم 25 جويلية/ يوليو الفارط. ظهرت تحديات جديدة ومطالب بوضع أمني أفضل ومقاومة الارهاب وافد.

في تلك الفترة انصب اهتمام السياسيين على الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد دون أن يعيروا اهتماما لعربات الباعة المتجولين التي أضحت خاوية نتيجة الارتفاع المتواصل للأسعار وعدم قدرة المواطن التونسي على شراء “كيلوغرام” واحد من الفلفل، ليكون قانون المالية لسنة 2014 القطرة التي أفاضت الكأس.

سرعان ما تحول استبشار التونسيين إلى تشاؤم ومنها إلى حيرة وعدم قدرة على التنبؤ بما سيحصل في الساعات القليلة القادمة. انفلات في الشوارع تشهدها أغلب المحافظات التونسية الداخلية، من تهشيم وحرق للمؤسسات العمومية وكأن بتونس على شفا ثورة ثانية.

إنها ثورة “الإتاوة” بعد إثقال كاهل التونسيين بجملة من الإتاوات والضرائب التي جاء بها قانون المالية 2014 والزيادات المجحفة في عديد المواد والمعاليم الجبائية.

اليوم بعد ثلاث سنوات من اندلاع الثورة، وتونس تحتفل بذكرى هذا التحرك الشعبي الكبير عادت الشعارات إلى مربعها الأول إلى تاريخ 14 جانفي/يناير 2011 ” شغل.. حرية.. كرامة وطنية”.

في الأثناء ظلت عربة محمد البوعزيزي الشاهد الأبرز للثورة، عربة أضحت محتوياتها مطلبا صعب المنال لكثير من التونسيين الذين يختصرون الثورة في وضع أفضل على سد الرمق.