في نهاية آذار/مارس عام 2010 أصدر القضاء الإداري حكما قضائيا ألزم فيه الحكومة المصرية بوضع حد أدنى لأجور العاملين بالدولة والقطاع الخاص. ست حكومات تعاقبت منذ هذا التاريخ تجاهلت الحكم القضائي بادعاءات مختلفة حتى أصدر حازم الببلاوي رئيس الوزراء الحالي قرارا في أيلول/سبتمبر الماضي حدد فيه مطلع الشهر الجاري موعدا لبدء تنفيذ قرار الحد الأدنى للأجور، إلا أن هذا القرار يواجه عقبات عدة في ظل تفاقم عجز الموازنة وارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، إذ تمت زيادة دخل الموظفين ولكن في المقابل جرى خفض القيمة الفعلية للدخل نتيجة لارتفاع الأسعار.

في نهاية آذار/مارس عام 2010 أصدر القضاء الإداري حكما قضائيا ألزم فيه الحكومة المصرية بوضع حد أدنى لأجور العاملين بالدولة والقطاع الخاص. ست حكومات تعاقبت منذ هذا التاريخ تجاهلت الحكم القضائي بادعاءات مختلفة حتى أصدر حازم الببلاوي رئيس الوزراء الحالي قرارا في أيلول/سبتمبر الماضي حدد فيه مطلع الشهر الجاري موعدا لبدء تنفيذ قرار الحد الأدنى للأجور، إلا أن هذا القرار يواجه عقبات عدة في ظل تفاقم عجز الموازنة وارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، إذ تمت زيادة دخل الموظفين ولكن في المقابل جرى خفض القيمة الفعلية للدخل نتيجة لارتفاع الأسعار.

ارتياح في صفوف الموظفين

أحمد إبراهيم موظف بوزارة الزراعة يقول إن مطلب زيادة الأجور كان من المطالب الأساسية لثورة الخامس والعشرين من يناير حينما ردد ملايين المصريين الهتاف الشهير “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”. لكن زيادة الأجور مع عدم مراقبة الأسعار ستكون بمثابة المسكن قصير المفعول ولن تؤتي الثمار المرجوة منها وعلى الحكومة أن تعي ذلك جيدا” بحسب إبراهيم.

كذلك يبدو الموظف حسن إبراهيم متحمسا للقرار ويقول “كان حلما يراودني منذ عينت موظفا بوزارة التنمية المحلية منذ ما يقارب الخمس سنوات”. مضيفا “لم أصدق ما سمعته عن بدء تطبيق الحد الأدني للأجور ولن أصدق حتى اتقاضى راتبي في نهاية الشهر الجاري”.

هل القرار صالح للتطبيق؟

رغم أن هذا القرار أسعد قطاع واسع من العاملين بالقطاع الحكومي إلا أن هناك خبراء اقتصاديين من بينهم رشاد عبده يرون أن هذا القرار فاشل من الناحية الإقتصادية، حيث سيزيد أعباء الحكومة مما قد يجعلها تطبع البنكنوت عند تطبيق الحد الأدني للأجور والذي سيكلف ميزانية الدولة 200 مليار جنيه في ظل استمرار تراجع حجم الاستثمارات الكلية.

ومن المتوقع أن يزيد هذا القرار معدل البطالة في مصر وفقا لبيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء بنسبة 13.4٪ من إجمالي قوة العمل وبزيادة قدرها 30 ألف متعطل بنسبة 0.8٪ رغم توجه 1.2 مليون مصري للعمل بالخارج وفقاً لإجمالي تصاريح العمل الصادرة للمصريين للعمل بالخارج من وزارة الداخلية، حسب قول عبده.

قطاعات أخرى خارج مظلة القرار

وإذا كان القرار يصب في صالح فئة العاملين في القطاع العام، فإن هناك قطاعات أخرى محدودة الدخل لن تستفيد منه. فالعمال والفلاحون غير المدرجين في وظائف حكومية والذين يشكلون نحو 30 % من القوى العاملة المصرية رأوا في هذا القرار تجنيا عليهم، حيث أن من المتوقع أن ترتفع أسعار السلع والخدمات كنتيجة لرفع المرتبات دونما مراعاة لدخولهم المتدنية.

كذلك لم يذكر القرار العاملين بالمصانع الخاصة والبالغ عددهم إجمالا نحو 18 مليون عامل بحسب الإحصائيات الرسمية.

محمد حسنين عامل ببازار سياحي بالأقصر ينتقد تجاهل الحكومة العاملين بالقطاع الحر مشيرا إلى أن قرار الحد الأدني للأجور سيزيد من أعبائهم المتفاقمة بالأساس. فما يتقاضاه حسنين هو 600 جنيه فقط (حوالي 85 دولار امريكي) كراتب شهري مقابل 10 ساعات عمل يوميا، إلى جانب أنه يعمل بدون أي عقود تضمن له حقوقه وتلزم صاحب البازار بتحسين وضعه مع مرور الزمن.

“القرار سينتهي بزيادة الأسعار”

يتراوح راتب العمال الزراعيين بين 700 و750 جنيه شهريا بحسب رشدي عرنوط نقيب الفلاحين بمحافظة الأقصر وهو ما يعني أن فروق الدخل بين هؤلاء والعاملين بالقطاعين الحكومي والخاص المنتظم ستتسع عقب تطبيق الحد الأدنى للأجور وهو ما سيؤدي الي زيادة الطلب على السلع في ظل ثبات المعروض الأمر الذي سينتهي بزيادة الأسعار على حساب الفئة الأقل دخلا وهم العمال والفلاحين.

ويطالب عرنوط في هذه الأثناء بأن تتحمل الدولة فروق الدخول بين موظفي الحكومة والعمال غير المنتظمين.

“الحد الأدنى أمر وهمي”

الدكتور أسامة غيث أستاذ الإقتصاد بجامعة القاهرة يقول إن القاعدة العريضة من العاملين في الدولة يقعون ضمن فئة العمالة غير المنتظمة وهم المزارعين وأصحاب الحرف والعاملين بالمشروعات متناهية الصغر الذين لا ينطبق عليهم أي قوانين لحماية العمال أو تحديد ساعات العمل وغيره، وبالتالي لن ينطبق عليهم قرار الحد الأدنى للأجور، مشيرا إلى أن هؤلاء يحصلون علي أجور متدنية للغاية في ظل عدم تمتعهم بتأمين صحي أو اجتماعي.

وفي هذا الإطار أيضا يحذر غيث من استمرار ارتفاع الأسعار خلال الشهور القليلة القادمة في ظل تزامن تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور مع تراجع الواردات بنسبة 21% خلال الشهر الماضي بحسب الإحصائيات الرسمية.

غيث يستدرك عند احتساب الأجر الشامل للعاملين بالدولة يجب مراعاة الراتب الأساسي و الأجور المتغيرة التي يحصل عليها العاملين بالدولة في شكل حوافز ومكافآت وبدلات الي جانب المزايا العينية والتأمينية التي تخصصها الحكومة للعاملين بالدولة وهو ما يعني أن إعلان الحد الأدني للأجور أمر وهمي الهدف منه خداع المواطنين.