قبل فض اعتصام رابعة العدوية، لم تكن قرية قراموص بالشرقية تعرف شيء سوى العمل، ألف بيت بألف مصنع، لم يتبق منهم سوى بيتين فقط يعملان في تصنيع البردي، بينما تنتظر بقية البيوت قرب “كشف الغمة”وعودة السياحة.

القرى المجاورة لقرية قراموص، بمحافظة الشرقية، تسميها قرية “كهنة الفراعنة”، القرية تخصصت بالكامل في صناعة البردي، لم تنجح قرية حولها في استنساخ الزراعة الرابحة، لذا هم “كهنة” يملكون سرا مقدسا وغامضا لا يعرفه سواهم. لم يميز الكهنة سوى بالعلم، علم صار يملكه أهل القرية التي كانت نسيا منسيا، فصارت مميزة عن سواها.

قبل فض اعتصام رابعة العدوية، لم تكن قرية قراموص بالشرقية تعرف شيء سوى العمل، ألف بيت بألف مصنع، لم يتبق منهم سوى بيتين فقط يعملان في تصنيع البردي، بينما تنتظر بقية البيوت قرب “كشف الغمة”وعودة السياحة.

القرى المجاورة لقرية قراموص، بمحافظة الشرقية، تسميها قرية “كهنة الفراعنة”، القرية تخصصت بالكامل في صناعة البردي، لم تنجح قرية حولها في استنساخ الزراعة الرابحة، لذا هم “كهنة” يملكون سرا مقدسا وغامضا لا يعرفه سواهم. لم يميز الكهنة سوى بالعلم، علم صار يملكه أهل القرية التي كانت نسيا منسيا، فصارت مميزة عن سواها.

ذلك التميز، ربما هو ما يدفع عبد الرحمن السيد (40عاما)، أن يقول “المفترض أن نصبح مشهورين كشركة نوكيا، البردي ماركة تميز مصر، يبحث عنها السائح بلهفة عند زيارته لها، تماما كما يحرص الحجاج على شراء السبح والطواقي من السعودية، رغم توفرها في مصر، فما بالك في نبتة لا تزرع سوى هنا”

هنا في قرية بيوتها من الطوب اللبن، في كل بيت مصنع صغير، من لا يصنع البردي، يتاجر به مع التجار الكبار في القاهرة، من لا يزرع أو يصنع أو يتاجر يعمل في نقله من القرية إلى القاهرة، أو في نقل مستلزماته إلى القرية، حتى الفقراء يجدون طريقة لجلب الرزق من تلك الصناعة “في الأوقات التي يزيد فيها الطلب على البردي، تشعر بذلك فورا في وجوه أهلها”.

يقول عبد الرحمن، “نصبح أكثر ميلا للمرح، وتزدهر حركة البيع والشراء، أما في أيام الضيق، ستعرف ذلك أيضا من طريقة القاءنا للسلام على بعضنا البعض”، لكن الآن لا شيء سوى الكآبة.

“النبتة المنسية”

حتى العام 1978، كانت تلك القرية مجرد اسم لا يسترعي الانتباه، كانت بعض الأثار القليلة والعثور على ذهب وآواني وبرديات تعود إلى العصر الفرعوني، تذكر أنه كان لتلك القرية التي تقع في مركز أبو كبير، شأن ذات يوم، لكن تلك المكانة دفنت ونسيت مع الأيام، تماما كورقة البردي، التي اشتهرت مصر القديمة بزراعتها، ثم انقرضت تماما، وسيحتاج اكتشاف طريقة زراعتها بعد قرون، إلى كاهن مصري، يبعث من جديد، إرادة عرفت قوتها من الصبر والأمل، الدكتور المصري حسن رجب.

“السر”

ذات يوم، عاد الدكتور أنس مصطفى إلى قريته قراموص، ومعه شتلات من نبات غريب، يقول عبد المنعم العسكري، 57 عاما أحد اللذين عملوا معه “لم نعرف في البداية، ما هو ذلك النبات الغريب، الذي طالبنا بزراعته، لمدة عامين والطلبات تزداد على هذا النبات والمساحة المزروعة أيضا.. شاهد أحد المزارعين النبتة في التلفاز، وعرف إنها نبات البردي، ثم بدأ في زراعتها بدوره، حتى توقفت القرية كلها عن زراعة أى شىء آخر سوي البردي، لتبلغ مساحة الأرض المزروعة 500 فدان، في كل بيت مصنع صغير أو كبير حسب قدرة القرية”.

كان الدكتور أنس مصطفى الذي توفى في 2012، يعمل مع المخترع المصري حسن رجب الذي أنشأ القرية الفرعونية وزرع بها نبات البردي في البداية، الذى أعاد اكتشاف النبتة بعد ألف عام من اختفاؤها.

أما الدكتور حسن رجب، الذي ولد عام 1911، فكان رجلا متعدد المواهب، يملؤه الشغف ويؤمن بالعلم. وأثناء توليه منصب السفير في الصين، رأى نبتة هي الأقرب إلى صورة نبات البردي الموجودة في المتحف المصري، والمنقوشة على المعابد. عندها قرر التفرغ لأبحاثه، والعودة إلى مصر، ليكتشف بذور مشابهة أيضا في وادي النطرون، قام بالأبحاث عليها بمزرعته بجزيرة يعقوب، حتى استطاع بعد جهد بالغ دام 16 عاما أن ينتج نبتة تشابه تلك الموجودة بالرسوم المنقوشة، في عام 1977، وبدأ في زراعتها في القرية الفرعونية، قبل أن تنتقل إلى قراموص على يد الدكتور أنس مصطفى.

ينقل عبد الرحمن السيد رواية أخرى “في البداية، لم يكن أصحاب البازارات السياحية في الحسين والهرم يعرفون شيئا عن البردي، فعرض دكتور أنس غليهم أن يعرضها في محالهم دون مقدم مالي، ليتهافت عليه الأجانب فيما بعد، ويبدأ أصحاب المحلات في طلب أوراق البردي، بكميات كبيرة، الأمر كله بدأ بتدريب 15 فتاة على يد الدكتور لتصنيعه، بعد 33 عاما، صاروا خمسائة فدانا”.

“جنيه لمدة 30 عاما”

علي حسين، 25 عاما، كان طفلا عندما تعلم تلك المهنة، في التاسعة من عمره، كان يقسم عمله على فترتين، بدأ في تقطيع البردي، وعندما كبر استقل مع أصدقائه في صناعة البردي بأساليب أسهل وأرخص، بجانب مساندة والده.

يعمل علي على نوعية أوراق لا تحتاج إلى كيماويات لصناعتها، تسمى الأوراق المطبوخة، وتنتج بردي بني اللون، المشروع الأسهل للشباب هنا.

لدى سعدة علي صالح 3 أطفال،، كانت تعمل مع والدها في معمله، في تشريخ ورص أوراق البردي، ولما تزوجت، لم يتغير شىء سوى مكان المعمل، فظلت تساعده، بينما يتفرغ هو لزراعة الأرض، وللتجارة في المنتج، تلك هى قسمة المكان، الفتيات للمهام الآلية والمتكررة، لأنها مهنة داخل البيت.

تحمد الرب على شيء مهم بالنسبة لها “الدخل الذي يحققه البردي، عفى زوجي ووالدي من قبل من السفر إلى خارج مصر للعمل، أقاربي في القرى الأخرى، كانوا يبحثون عن تلك الفرص، وأغلبهم سافر، لكن تلك الأيام لا أعلم، ربما لو جاءته فرصة لوافق، فالصناعة صارت مكلفة”.

تنتج سعدة ما يقارب من 40 ورقة يوميا بمعدل 280 ورقة أسبوعيا، بجنيه للورقة، لكن المعمل كله عندما يصبح مليئا بفتيات يعملن بالأجرة، قد ينتج ما يقارب من 3 إلى 4 آلاف ورقة على الأقل.

لا تشكو سعدة من أشياء جوهرية، سوى أثر الكلور والبوطاس على يدها، تريك أصابعها المحترقة بأثر البوطاس، ورغم ذلك تعرف بفطرتها، إن لكل مهنة مخاطرها.

العبارة المتكررة على لسان أغلب أهل القرية “فى 1980 كنا نبيع ورقة البردي بجنيه، في 2013 نبيعها بالجنيه ذاته”، يقول سعيد عبد السلام مدرس التاريخ، الذي يعتمد في دخله الأساسي على تجارة البردي لا على عمله كمدرس.

يواصل سعيد: “أسعار المواد الخام، تتضاعف عشرات المرات وورقة البردي لازالت بنفس السعر، ولا نجد دعما للمواد الخام، رغم أهمية البردي للسياحة ورمزيته في التعبير عن مصر، وأهمية الحرف اليدوية، ثمة حرفة نستطيع أن ننافس فيها العالم، ونملك بها الخبرة، في الصين على ما أعرف، كل ما يباع لدينا هنا في مصر، تصنعه أسر منتجة في البيوت، مثلنا تماما، والدولة تتولى تسويق تلك المنتجات، خبرتنا جعلت القرية الفرعونية نفسها والتي كان يزرع فيها، تفضل شراؤه منا على زراعته، لأنه أرخص، ولازالت الأفواج السياحية تأتي إلى القرية لمعرفة كيف نستطيع استحضار سر الفراعنة، على الأقل تطوير وتسويق القرية سياحيا”.

“الرسم على البردي”

في القرية، اختفى الرسم اليدوي، لتحل محله الماكينة، حتى في القاهرة والبازارت.  الرسوم غالبا فرعونية أو آيات قرآنية “وهو ما يواجه مشاكل في حال فكر تاجر البردي في تصديره، لضرورة حصوله على موافقة من الأزهر لضمان عدم تحريف الآيات”، كما يقول سعيد عبد السلام. ويستخدم البردي في مصر حاليا في بطاقات الأفراح على المستوى الشعبي، أما الأوراق المرسومة فيفضلها السياح.

لكن دميانة عادل، الطالبة بمركز التدريب المتميز بالمؤسسة العالمية للتنمية الثقافية، لازالت ترسم أوراق البردي، بتشجيع من كنيسة مارجرجس، التي يدعمها بالمواد الخام وتسويق منتجها “كل ما أحتاجه أوراق بردي وألوان جواش مركبة”.

في البداية كانت دميانة ترسم القطعة الواحدة في ساعة، أي 8 ورقات فقط خلال فترة عملها، لكن مع الخبرة تستطيع الآن أن تنتج 30 ورقة مرسومة خلال 8 ساعات.