في مجتمع يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر ووسط غياب كامل للدولة المصرية ومؤسساتها عن تقديم الخدمات للطبقات الاكثر فقرا بالمجتمع برزت جماعة الاخوان المسلمين بأنشطتها الاقتصادية والخدمية.

خلال أكثر من ستة عقود قدمت الجماعة نفسها للمجتمع كبديل عن الدولة واقتربت من الطبقات الفقيرة بأحياء مصر الشعبية وقراها ووفرت لهم الكثير من الخدمات مثل مشاريع إعالة الأيتام والأرامل وشوادر اللحوم بأسعار مخفضة، ومعارض للادوات المدرسية والمنزلية باسعار الجملة.

في مجتمع يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر ووسط غياب كامل للدولة المصرية ومؤسساتها عن تقديم الخدمات للطبقات الاكثر فقرا بالمجتمع برزت جماعة الاخوان المسلمين بأنشطتها الاقتصادية والخدمية.

خلال أكثر من ستة عقود قدمت الجماعة نفسها للمجتمع كبديل عن الدولة واقتربت من الطبقات الفقيرة بأحياء مصر الشعبية وقراها ووفرت لهم الكثير من الخدمات مثل مشاريع إعالة الأيتام والأرامل وشوادر اللحوم بأسعار مخفضة، ومعارض للادوات المدرسية والمنزلية باسعار الجملة.

وهو ما صنع للجماعة شعبية انعكست في شكل أصوات في صناديق الانتخاب، وهو ما جعل أيضا معارضي الجماعة يتهمونها باستغلال حاجة البسطاء الاقتصادية من أجل الحصول على أصواتهم.

خدمات بديلة

الشهور الستة الاخيرة شهدت تغييرا في استراتيجية الجماعة وانحرافا عن الخط الذي سارت عليه لعقود طويلة من توفير الخدمات الاقتصادية والمعيشية للفقراء. فاختفت الانشطة الخدمية للجماعة تماما وتوقفت المعونات الاقتصادية التي كانت تقدمها الجماعة للأيتام والأرامل والفقراء، وهو ما أثار تساؤلا كبيرا حول أسباب توقف الجماعة عن تقديم الخدمات المجتمعية، وهل هذا التوقف نوع من العقاب تقوم به الجماعة لمن خرج ضدها في 30 حزيران/يونيو مطالبا بإسقاط حكمها؟

دولت.ع سيدة أرملة وأم لأربعة أولاد من قرية تيرة في محافظة الدقهلية أكدت لمراسلون أنه ومنذ وفاة زوجها عام 2004 حاولت لشهور طويلة الحصول على معاش من الدولة يعينها على مصاعب الحياة إلا أنها فوجئت بعقبات كثيرة لأن زوجها كان مزارعا صغيرا يعمل باليومية، ولم يكن مؤمنا، وفي النهاية قامت الشئون الاجتماعية بصرف معاش لها ولأولادها قدره 150 جنيها لا يكفي حتى لشراء الخبز على حد قولها.

“عندما اسودت الدنيا أمامي فوجئت ببعض الرجال من أبناء قريتي والمعروف عنهم انتمائهم لجماعة الاخوان المسلمين يزورونني في بيتي ويؤكدون أن أحد أثرياء الجماعة قام بكفالتي مع أولادي الأربعة وخصص مرتبا شهريا لي للتغلب على أعباء الحياة”، تقول السيدة، مضيفة أن الاخوان كانوا وسطاء بينها وبين هذا الثري الذي أصر ألا يعرف اسمه.

وأضافت دولت أنها ومنذ انتخابات مجلس الشعب في 2005 وحتي انتخابات الرئاسة في 2012 وهي تحشد الأصوات للاخوان معتبرةً أن ذلك نوعا من رد الجميل لهم، مشيرة إلى أن الراتب ظل مستمرا حتي شهر حزيران/يونيو الماضي عندما فوجئت بتوقفه دون أن تعرف سببا لهذا التوقف. وعندما حاولت الاستفسار أكد لها الإخوان أن الظروف تغيرت الآن وأن عليها الاعتماد على نفسها لحين عوده الاوضاع إلى طبيعتها مرة أخرى.

وواصلت قائلة “أنا لم اهتم يوما بالسياسة وكل ما أعرفه أن الحكومة تخلت عني أنا واولادي وأن الاخوان هم من وقفوا بجانبي تقربا إلى الله كما قالوا لي عند أول راتب خصصوه لأولادي. وأنا الآن لا أجد ما أعيش به انا، معاش الحكومة اصبح الان 250 جنيه إلا أنه لا يكفي أي شئ، فإذا كان الإخوان ساعدوني تقربا إلى الله وأن هذا حقي عليهم كما أكدوا لي كثيرا فلماذا توقفوا الآن؟! وماذا أفعل أنا وأولادي؟”.

مسكنات

البعض يرى في توقف معونات الإخوان عقابا للشعب على خروجه في مظاهرات عريضة ضدهم. في هذا السياق أكد طارق البربري أمين حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بالدقهلية أن جماعة الاخوان المسلمين دائما ما كانت تستغل حاجة الفقراء وغياب دور الدولة ومؤسساتها عن دعم الطبقات الفقيرة والأكثر فقرا في المجتمع بعد أن غابت منظومة العدالة الاجتماعية منذ عقود مع بداية حكم الرئيس السادات.

ويرى البربري أن ابتعاد الدولة عن دورها والقوة الاقتصادية الكبيرة التي تملكها التيارات الدينية وبخاصة جماعة الاخوان المسلمين سمحت لها بالتمدد بين الطبقات الفقيرة وتقديم مساعدات عينية لهم مثل الزيت والسكر واللحوم، وتعمل هذه المساعدات عمل المسكنات التي لا تقضي على المرض وتجعل من يستفيدون من هذا المساعدات دائما في حاجة الى من يقدمها.

وأضاف البربري أن هذه المساعدات دائما ما كانت تترجم في شكل أصوات انتخابية لصالح الاخوان إلا أن الكثير من أبناء الشعب المصري “اكتشفوا الخدعة بعد وصول الاخوان للحكم وأدائهم السيئ في كافة المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية واهتمام الجماعة بتمكين اعضائها من مفاصل الدولة بهدف تحويل مصر الي دولة الاخوان”، حسب قوله.

وبحسب هذا السياسي، فإن استراتيجية الجماعة تغيرت بعد عزل الرئيس محمد مرسي وتحولت الي سياسة عقاب لمن خرج ضدها فتوقفت كافة الانشطة الخدمية والاجتماعية والاقتصادية، “فتحولت أموال الجماعة إلى دعم الحراك التي تقوده ضد ثورة 30 يونيو بهدف العودة مرة أخرى إلى الحكم وتحولت الأموال التي كانت تضخها الجماعة للفقراء لكسب أصواتهم إلى مجال آخر وهو ضخ الأموال للفقراء أيضا ولكن من أجل المشاركة في مظاهراتهم”، مشيرا إلى أن “زمن الاخوان انتهى الان والشعب بأكمله اكتشف حقيقتهم ولن يقع في فخهم مرة أخرى”.

“السبب بطش الأمن”

لكن أحمد عثمان حجازي القيادي بجماعة الاخوان المسلمين وأمين حزب الحرية والعدالة بالمنصورة كان له رأي مختلف حيث أكد أن الجماعة لم ولن تتوقف عن دعم الفقراء من أبناء الشعب المصري، مشيرا إلى أن ذلك ليس منحة من الجماعة بل هو حق لهؤلاء الناس الذين تقطعت بهم السبل وغابت عنهم الدولة وهو واجب ديني قبل أن يكون انساني واجتماعي، حسب قوله.

وأضاف حجازي أن توقف أنشطة الجماعة الخدمية خلال الشهور السته الماضية يعود إلى “بطش الأجهزة الأمنية والعنف المبالغ فيه الذي تقوم به هذه الاجهزة ضد أي نشاط خدمي للجماعة”.

فالأجهزة الأمنية بحسب قوله أصبحت لا تكتفي بانهاء شوادر اللحوم ومعارض السلع الغذائية و الادوات المدرسية وغيرها من الانشطة، بل إنها “تقتل وتعتقل من يقوم بها، حتى أن من يشارك في أي نشاط خدمي أو اجتماعي للجماعة أصبح إما مقتولا أو معتقلا أو مصابا او مطاردا”.

وبالتالي- يتابع حجازي- “كان لابد من تأثر كافة انشطة الجماعة والحزب أمام هذا البطش والغل الذي تستخدمه أجهزة أمن الانقلاب ضد الجماعة”. مشيرا إلى أن “مصر تمر الآن بمرحلة استثنائية لن تدوم طويلا وأن الجماعة ومنذ نشأتها عملت على خدمة المجتمع بكافة فئاته دون انتظار مقابل ولن تتوقف عن هذا الدور حاضرا ومستقبلا”.

وحتى تهدأ الأوضاع سيظل السؤال مطروحا، هل يعد انسحاب الاخوان من تقديم الخدمات للفقراء انسحابا تكتيكيا، أم أنه انسحاب اضطراري بسبب الضربات الأمنية التي تلقتها الجماعة؟