نشأ الحاج محمد الهادي منذ نعومة أظافره على عادة الاحتفال برأس السنة الهجرية، وخاصة تزيين “مثرد الكسكسي” بالحلوى والتمر، لتتصدره عروس السكر وتكون محل انتباه الكبار والصغار ونجمة السنة الهجرية.

يقول الحاج محمد: “ظهرت عرائس السكر لأول مرة في عام 1859، وصاحب الفكرة هو رجل إيطالي. ثم أصبحت تقليداً سنوياً توارثته الأجيال فيما بعد، خاصة الحرفيون من أهالي مدينة نابل (شمال تونس)”.

في منتصف القرن التاسع عشر فر إيطاليون من بلادهم هرباً من أحكام قضائية أو معارك بين عائلات نتج عنها أحكام ثأر. وقد جلب الذين استقروا بالشمال التونسي معهم فنون الزراعة والطبخ.

نشأ الحاج محمد الهادي منذ نعومة أظافره على عادة الاحتفال برأس السنة الهجرية، وخاصة تزيين “مثرد الكسكسي” بالحلوى والتمر، لتتصدره عروس السكر وتكون محل انتباه الكبار والصغار ونجمة السنة الهجرية.

يقول الحاج محمد: “ظهرت عرائس السكر لأول مرة في عام 1859، وصاحب الفكرة هو رجل إيطالي. ثم أصبحت تقليداً سنوياً توارثته الأجيال فيما بعد، خاصة الحرفيون من أهالي مدينة نابل (شمال تونس)”.

في منتصف القرن التاسع عشر فر إيطاليون من بلادهم هرباً من أحكام قضائية أو معارك بين عائلات نتج عنها أحكام ثأر. وقد جلب الذين استقروا بالشمال التونسي معهم فنون الزراعة والطبخ.

ونتج عن الاختلاط بين العائلات التونسية والإيطالية إضافة عرائس السكر، التي كانت تصنع في أعياد الفصح المسيحي جنوب إيطاليا، إلى الكسكسي التونسي المحلى بالسكر في مناسبة هجرة الرسول محمد.

يتحدث الحاج محمد بفخر عن عروس السكر: “لا يعرف قيمتها سوى أهالي المدينة، إنها عادات الأجداد وسنورثها للأحفاد.” ويعتبر أن صناعتها تتجاوز كونها مجرد عادة سنوية بمناسبة حلول العام الهجري الجديد، لتتحول إلى حرفة ومورد رزق العائلات، كما أنها فن يتطلب الكثير من الصبر والإبداع.

عرائس السكر بدعة؟

خلال حديثه لـ”مراسلون”، ندد محمد الهادي بالمجموعات المتشددة دينياً التي دعت إلى إلغاء الاحتفالات بمهرجان عرائس السكر بنابل” باعتبارها بدعة منافية لتعاليم الدين الإسلامي وجب التخلص منها.”

لكن أهالي نابل رفضوا تلك الدعوات واعتبروها غريبة عنهم. وفي هذا الصدد تقول الخالة مريم (76 سنة): “هذه عادة تعودنا عليها منذ الطفولة ونشأنا على إحيائها، وليست بدعة كما يفسرها البعض، إنهم يفسرون الإسلام كما يحلو لهم؛ يحللون ويحرمون حسب أهوائهم، وهذا حسب رأيي ليس إلا ترويجاً لأفكار غريبة ومتعصبة، يقدمونها للأسف تحت عنوان الهوية الإسلامية الحقيقية.”

يتساءل أحد التجار في استغراب شديد “ما الحرام في بيع عروس السكر؟ نحن نبيعها ونسترزق منها، كذلك نحيي بها عاداتنا ولا نعبدها. لماذا يريدون تنغيص فرحتنا وعدم المحافظة على عاداتنا وتقاليدنا كما يحلو لنا. لماذا يحاولون قطع مورد رزقنا باسم الدين؟”

ويشاطر العم محمد الهادي تجار المدينة في شعورهم بالخوف مما يخبئه لهم المستقبل، وفي تحسرهم على ما آلت إليه الأوضاع في البلاد ومحاولة البعض وضع حد لاحتفالات العائلات وإحيائهم لعاداتهم وتقاليدهم.

عروس ترمز الى الشرك بالله

أبو عامر إمام محسوب على التيار السلفي في مدينة نابل، من أشد المعارضين لعروس السكر باعتبارها “منافية لتعاليم ديننا الاسلامي” على حد تعبيره.

أكد أبو عامر خلال حديثه لمراسلون أن “الاسلام وعلى عكس ما يقع تداوله لا يحارب عادات ولا تقاليد العائلات التونسية و تحديدا أهل نابل”، لكن شراء عروس السكر حسب قوله “ليست من عاداتنا العربية الاسلامية، وإذا ما عدنا إلى من علمها للحرفيين نجد أنه غير مسلم”.

و يرى أبو عامر أن “موقف بعض الجماعات التي حاولت ردع الأهالي عن اتباع بدعة خارجة عن ديننا الحنيف هو موقف شرعي لا غبار عليه”.

أبو عامر يعتبر ما حصل هذه السنة امرا طبيعيا كان يجب ان يحصل منذ سنوات، ” الشعب التونسي و للأسف الشديد اصبح ينساق وراء عادات وطقوس دخيلة علينا إذا بحثنا عن أصلها نجد انها غربية”.

وبرأيه “يجب التصدي لكل المظاهر والاحتفالات التي تتنافى وتتعارض مع هويتنا الاسلامية، كالاحتفال براس السنة الميلادية كذلك الشأن بعيد عروس السكر، والتي ترمز الى الشرك بالله عز و جل و ربما اشياء اخرى نجهلها”.

سنواصل الاحتفالات رغم كل شيء

غير أن شوارع المدينة زينت بعرائس السكر قبل أكثر من أسبوع على احتفالات رأس السنة الهجرية، وذلك بالرغم من محاولة بعض الأطراف المتشددة إفساد فرحة الأهالي والتنديد ببيع عرائس السكر والتي اعتبرتها أصناماً لا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا الاحتفال بها، حتى لا ينشأ الجيل الجديد على هذه البدعة.

هادية إحدى سكان مدينة نابل، أكدت لـ”مراسلون” أن أجواء هذه السنة كانت احتفالية بامتياز رغم كل محاولات إفسادها، وأن الإقبال على شراء العرائس كان مقبولاً إلى حد ما، مشيرة إلى أن المجموعات المنددة بهذه العادة لم تكن كبيرة العدد، وبالتالي لم يتسنَ لها إفساد الاحتفال.

وتضيف “إنهم لا يستطيعون إجبارنا على التخلي عن عاداتنا بالسهولة التي يتوقعونها، فنحن متشبثون بها ونفتخر بها، ومن يرفضها فهو غير مطالب بالاحتفال بها، ولكن ليس من حقه فرض أفكاره الخاطئة على جميع الاهالي.”

تظهر علامات الغضب والاستنكار على السيدة هادية “لا استغرب أن يعارضوا بيع عرائس السكر، خاصة وأنهم رفضوا في السابق مضامين لوحات عرضت في أروقة للفنون التشكيلية، ووصل بهم الأمر إلى حد تهديد أصحابها وحرق الأروقة التي تقام فيها العروض، كما اعتدوا على مقامات الأولياء الصالحين، وها هم اليوم يوجهون أنظارهم نحو العادات والتقاليد ليعتبروها بدعة تتعارض وتعاليم ديننا الإسلامي.”

الإسلام لا يحارب العادات

أستاذ التربية الإسلامية والإمام صالح لبيض علّق على الأفكار المتشددة، التي يحاول البعض الترويج لها بشتى الطرق سواء كان بالإقناع أو بسياسية الترهيب والتهديد، قائلاً “للأسف الشديد هناك بعض الأطراف التي تحاول غرس أفكار متطرفة وخاطئة باسم الدين، وبحجة الرغبة في إصلاح وهداية الشعب الذي حاد عن الدين الإسلامي الصحيح من وجهة نظرهم. هم يكفّرون الناس ويرون كل مخالف لهم خارج عن الدين الإسلامي وعن أمّة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.”

الإمام صالح لبيض أكد لـ”مراسلون” أن عرائس السكر غير منافية لتعاليم الدين الإسلامي، وهي في نظره “ليست سوى عادة من عادات أهالي مدينة نابل اختاروا منذ سنين الاحتفال بها، فأصبحت ميزة الجهة وهي عادة لا بدعة كما أطلق عليها البعض في محاولة لبث البلبلة في المنطقة.”

واستشهد بالقول: “خذ العفو وأمر بالعفو وأعرض عن الجاهلين”، و العرف حسب تفسيره هو ما اتفق عليه العلماء، وقصد بذلك علماء جامع الزيتونة المتشبعين بالمذهب المالكي الصحيح، “لا تلك الجماعات التي تّؤول وتفسر القرآن حسب الجهة التي تنتمي إليها والبعيدة كل البعد عن ديننا”.

ويختم الإمام كلامه قائلاً “الإسلام لا يحارب عادات الناس، فهو دين يسر لا دين عسر، ونحن نرفض تغيير المعنى الحقيقي للإسلام أو تحريفه أو تشويه صورته الحقيقية لدى المسلمين وغير المسلمين.”