وهو في العاشرة من عمره أنهى سيد كيوان فصله الدراسي متوجها إلى ورشة والده بقرية غيط النصارى بدمياط(١٠٠ كلم شمال القاهرة)، ليخيره بين أمرين، أن يتركه لاستكمال تعليمه أو يتركه لتعلم مهنة الأويما أو النقش على الخشب، فهو لا يستطيع الجمع بين الإثنين.

كان «سيد» يعرف الإجابة مسبقا بل ويتمناها «لا أستطيع أن أجعلك تترك المهنة».

وهو في العاشرة من عمره أنهى سيد كيوان فصله الدراسي متوجها إلى ورشة والده بقرية غيط النصارى بدمياط(١٠٠ كلم شمال القاهرة)، ليخيره بين أمرين، أن يتركه لاستكمال تعليمه أو يتركه لتعلم مهنة الأويما أو النقش على الخشب، فهو لا يستطيع الجمع بين الإثنين.

كان «سيد» يعرف الإجابة مسبقا بل ويتمناها «لا أستطيع أن أجعلك تترك المهنة».

دمياط مدينة الخشب والحلوى، تعتبر  قرية غيط النصارى واحدة من روافدها لنقش خشب الأثاث، التي تعتمد عليها معارض دمياط الشهيرة،يعمل أغلب ابناء القرية فيما يتعلق بصناعة الخشب، أسفل كل بيت ورشة قد تكون للنجارة أو للأويما أو المهن المرتبطة بالصناعة.

«حرق الموهبة»

لم يتعلم سيد كيوان حرفة الحفر على الخشب، من والده الذي يعمل بالنجارة، أصابعه لم تحب النجارة، بل من التلصص على ورش الجيران القابعة تحت كل منزل في قرية غيط النصارى التي تطل على بحيرة المنزلة وتشاركها المصير: يأكلهما الفقر والتلوث، كل يوم، ويفقدان أهميتهما، فبحيرة المنزلة واحدة من أهم بحيرات مصر وأغناها ستفقد سمعتها قريبا بفضل التعديات والصرف الصحي، أما غيط النصارى، فكانت مركزا للأثرياء من اليهود والمسيحين قبل الثورة، اللذين خلفوا قصورا تعد تحف معمارية لكنها تحولت إلى خرابات.

قرية غيط النصارى، بلا يهود أو نصارى الآن، هاجروا منها أو هجروها، لتتلقف تيارات تغيير القرية إلى إسلام وهابي وجاف موهبة سيد كيوان، وتحيلها إلى عمل نمطي.

يملك «سيد»، ما لا يملكه الآخرون في القرية، موهبة تتخطى حدودها وتتخطى حدود النقش على الخشب، إلى نحته، «المادة الأصعب على الإطلاق في نحتها، هي الخشب مادة نبيلة، المادة الوحيدة التى لا تصب  كالمعادن، لا بد أن تطيعها لتطيعك، تدرك رغباتها، تحترمها لتصنع منها شيئا “، يقول سيد.

موهبته في النحت، جعلته يشارك في معارض في أوروبا، واتته أكثر من فرصة للسفر، لكن الشيوخ أقنوعه«بحرمانية التماثيل»، لذا جمع سيد تماثيله ذات يوم وأحرقها، واكتفى ببيع تصميمات الأويما التي لا تتعدى التنويعات بين الورود والأسماك، لكنه احتفظ بلقب الفنان، هكذا يعرف في القرية.

«من آن لآخر تجرني شهوتي للرسم، لا أستطيع أن أسيطر على ذلك، أجد نفسي مدفوعا بقوة قاهرة لا أستطيع ردها، أطبط نفسي متلبسا بالرسم دون أن أشعر، لكني على الأقل ابتعدت عن صناعة التماثيل».

يبيع كيوان تصميماته لعشرات الورش الصغيرة والكبيرة في القرية وفي دمياط نفسها والمعارض التي يملكها كبار التجار «نكسب قرش يكسبون مقابله عشرة، يسيطرون على كل شىء، الأسعار، الغرفة التجارية، ولا نمنح سوى الفتات».

«نداء التكرار»

يعتمد سيد كيوان في تصميماته التى يبيعها على « آلية التكرار و التبادل الجمالى بين الأشكال الطبيعية» .

تلك الآلية تستمد بعدها من الهوية الإسلامية للفن عبر العصور الذى يستلهم  فنه من أربع عناصر  أساسية :«الأشكال النباتية والهندسية والكتابية والآدمية والحيوانية، كتلبية لدعوة الله للتأمل فى مخلوقاته».

يستفيد كيوان من  تنوع و تفرع النبات و نموه لرسم سلاسل متصلة من الزخارف محورة عن أشكالها الأصلية كما تنص مدارس هذا الفن في مصر و الشام و تركيا منذ نشأتها، و ليس باستخدام شكلها الطبيعى فقط كمدرستى فارس و الهند.

أغلب أشكال النباتات التى استخدمها، يقول «كيوان»: «الورد البلدى و سعف النخيل و زهرة القرنفل،  مستغلين الفراغ الناتج عن الحفر على تأكيد ووضوح الزخرفة و الذى أصبح عنصرا من عناصر التصميم» .

يفضل الزبائن المصريون النقوش الإسلامية التى يجد كيوان متعته فيها، بينما يفضل الأجانب النقوش الفرعونية.

تعرف الأوميجى الجيد، يقول «كيوان» من « مستوى الانسيابية التى يصنع بها أشكاله و كلما انتظمت تلك الأشكال».

«العملة الرديئة»

هاني المغربي، حرفي أويما، 35 عاما، ورشته أسفل بيته، تعلم الحرفة وهو ابن عشر سنوات، يقول« المنتج الصيني السيء هزم بضاعتنا، رغم أنه لا يعيش أكثر من عام، رخص ثمنه تجذب الجميع، في ظل الظروف الاقتصادية السيئة، رغم إن ما تنتجه الورش الدمياطية، يصنع ليعيش، عندما جاء الإخوان، فتحوا الباب أمام الأثاث التركي، يمكن حماية الصناعة عبر الرقابة على الورادت التركية والصينية».

لا يثق هاني المغربي في أداء الغرفة التجارية «من المفترض أن تحمي تلك الغرفة الورش والمعارض الصغيرة، لكن ذلك لا يحدث، الغرفة التجارية تحمي فقط أصحاب  الورش والمعارض الكبيرة، فهم أعضاءها أيضا، فعن طريقها يحصلون وحدهم على الحصة التي تدعمها الدولة ولا تصل إلى ورشة صغيرة مثلي رغم حاجتي إليها، أشتري منهم في النهاية بأسعار يتحكمون بها».

يثق هاني في دقة يده، يقول«المكنة عمليا رفعت الانتاج، لكنها سلبت روح الصنعة، الابداع كان في زمن الصنايعية القدامى، خيال الصانع وروحه، هو ما كان يجعل للنقش على الخشب فنا».

«قتل العفاريت»

يستشهد «المغربي» بأطلال القصور التي تذكر أن كانت مكانا للغنى والفن، لا مكان أقصى مشاكله إدخال الصرف الصحي والكهرباء.

يشير إلى حائط قائلا« هذا الحائط بقايا قصر، لكن مازال يحمل آثارا من أثر الصنعة الحق، كانت هناك قصور كثيرة مهجورة، لكنها هدمت ونهبت، الأطفال ظنوا أن بها عفاريت، فهدمت طردا للعفاريت، بعضها تحول إلى مقالب قمامة، وقدمنا طلبا لتحويل إحداها إلى مدرسة».

«امتلاك الغابة»

محمد السويري، 54 عاما، نجار يقول « يحرمنا التجار الكبار من فرص أن نصير مثلهم، عندما ارتفع سعر الدولار، أثناء حكم محمد مرسي، كونا وفود للذهاب إلى يوغسلافيا لشراء الخشب بسعر أرخص، وجدنا التجار الكبار قد اشتروا خشب الغابات لأربع سنوات قادمة».

ولأن نفس التجار هم أعضاء الغرفة التجارية، يقول «السويري» :«يمنحون أنفسهم ميزة عرض منتجاتهم التي اشتروها منا بأسعار بخسة في معارض بأسعار مخفضة لا نملك ثمن نصف متر  بها، وعندما تذهب لتطالبه بمستحقاتك يعطيها لك كأنك تتسول منه».