حلمت كغيري ممن قدم من عبق الثورة التونسية، ونال ما نال من اعتداءات واختطافات وإيقافات ومحاكمات، أن أنعم ولو بجزء بسيط من الأمن والأمان.

أنا انتمي الى مهنة الصحافة، ومن فئة المعلقين منهم بين السماء والأرض الذين ينتظرون ورقة عزرائيل البشرية الصاعدة من أرض الفتاوى وليست  تلك الهابطة من السماء.

قبل يومين وفي ساعات الفجر الأولى استيقظ ابني المريض الذي لم يتجاوز سنه الثماني سنوات وطلب كوبا من الماء على وقع ألم في أضراسه سبب في ارتفاع حرارة جسمه.

حلمت كغيري ممن قدم من عبق الثورة التونسية، ونال ما نال من اعتداءات واختطافات وإيقافات ومحاكمات، أن أنعم ولو بجزء بسيط من الأمن والأمان.

أنا انتمي الى مهنة الصحافة، ومن فئة المعلقين منهم بين السماء والأرض الذين ينتظرون ورقة عزرائيل البشرية الصاعدة من أرض الفتاوى وليست  تلك الهابطة من السماء.

قبل يومين وفي ساعات الفجر الأولى استيقظ ابني المريض الذي لم يتجاوز سنه الثماني سنوات وطلب كوبا من الماء على وقع ألم في أضراسه سبب في ارتفاع حرارة جسمه.

قبلها بساعتين تقريبا كان جرس هاتفي يرنّ، وعلى الجهة المقابلة كان المتصل عناصر دورية امنية يسألون عن موقع تواجدي، وعما ان كنت بمنزلي أم خارجه، وطلبوا مني ضرورة الاتصال الفوري في حال مجرد الشعور بمكروه لا قدر الله.

أجبت ببرود شاكرا الاهتمام ولم أجد حيلة لإخفاء المكالمة عن أسرتي، فصدى الغرفة كان أقوى من قدرتي على الإخفاء وساهم في تمريرها بكل كلماتها ومعانيها إلى أذن زوجتي التي هرعت تمسك بذراعيّ بعد أن عرفت ان مصدر المكالمة وزارة الداخلية.

عدت للنوم وفي ساعات الفجر الأولى استفاق ابني يئن ويطلب ماء، ذهبت مسرعا الى المطبخ المطل على الشرفة اخذت كأسا لأملأه وإذ بالكأس الثاني المعلق إلى جانبه يسقط ارضا محدثا دويا أخطر من دوي ذاك الهاتف المشئوم بعد ان تحول الى شظايا، تبعه مباشرة دويّ لجسم اخر لا تسمع كسوره.

عدت مسرعا إلى غرفة النوم وإذ بزوجتي  تسقط من سريرها عندما حاولت الالتحاق بي لاستجلاء الامر بعد أن ظنت أن احد الذين سبق وأن هددني قد اطلق رصاصات في اتجاهي.

كيف لا ووزارة الداخلية كانت قد أعلمتني بأنني مدرج ضمن قائمة المهددين بالاغتيال. وأن مصدر التهديد من المنتمين إلى المجموعات الدينية المتطرفة.

سوف لن يغفروا لي تحقيقاتي التي أجريتها في مكامنهم الجبلية في القصرين وفي الروحية وفي الكاف وفي جندوبـة وسجنان وغيرها من البلدات التونسية.

كيف لا وزوجتي تعلم أن وزارة الداخلية قد وفرت لي مراقبة بعيدة أغلبها تتم عبر الهاتف؟ كيف لا وأنا الذي راسلت قبل أيام وزير الداخلية معلما إياه بأن المراقبة غير جدية وأن التهديدات لازالت قائمة بل وتأكدت بعد أحداث قبلاط (استهداف إرهابيين لأعوان أمن في الشمال التونسي في 06 اكتوبر الماضي).

المصادر الأمنية كانت قد أعلمتني أنني على رأس قائمة الشخصيات المبرمجة للاغتيال في محافظة جندوبة (حيث أسكن)، أما في القائمة الوطنية فقد حزت على الرقم 17 ، والحمد لله.

بدلا من جلب الماء لابني اصبحت ملزما بنقل الاثنين معا الى المشفى الاستعجالي، مرغما على ترك ابنتي النائمة ذات الست سنوات لتبدأ رحلة أخرى يتشتت فيها القلب والذهن معا، بين طفلة نائمة معلقة في الطابق الثالث وبين طفل مريض وزوجة على وشك الإغماء. وقد نسيت للحظات مخاطر الطريق والمسالك المظلمة التي تتهددني في مدينة تعد من المدن الاستراتيجية والآمنة لعمل المجموعات الارهابية.

عند المغادرة، كنت أطل من شرفة منزلي علني أطمئن على سلامة ابناي اللذان أقوم بإيصالهما كل صباح. أطل وفي ذهني اجسام غريبة، قد أكشفها،  كما تم تحذيري من الأصدقاء والمختصين وقد الحظ كمينا نصب.

التفت الى البيت لأجد زوجتي تطل هي الأخرى، تلاحقني وابنائي بنظرات الخوف الممزوجة بابتسامة تشجيع تحاول من خلالها طمأنتني، ونظرات الى السماء ودعوات تشق الحلق على أمل أن يحفظنا الله من كل مكروه.

ألم وخوف الليل لا يختلف عن معاناة النهار.  فقبيل دقائق من خروج الولدين، أتسلل أنا، أو زوجتي، بجوار المدرسة، دون ان ننسى تلك التوصيات المستمرة.

الدرس الأهم الذي لقناه للطفلين هو: حذار ان تخرجا من المدرسة قبل ان يأتيكما أحدنا، حذار أن تقبلا مرافقة أيا كان؟

كم هو مزعج هاتفي ففي كل ساعة يرنّ؟ أين انت؟ متى تعود ؟احذر أماكنهم ولا ترد على استفزازاتهم. مكالمات  قادمة من أفواه بعض أفراد عائلتي الموسعة وبعض الجهات الرسمية وبعض الأصدقاء.

السجن بديل عن الموت؟

تتحول كل الاسئلة الخائفة والقلقة إلى عبث، عندما يصبح التهديد بالسجن بديلا مؤقتا عن القتل. لا يهم فكل شيء في بلدنا مؤقت حتى الحكومة.

استدعاءات تتلوها أخرى للمثول أمام المحكمة في قضايا قديمة مفتعلة زمن الرئيس الدكتاتور بن علي.

أثيرت هذه القضايا مجددا لالتقاء نفس المصلحة بين النظامين السابق والحالي في الانزعاج إلى حد الرغبة بالانتقام من صحفي آمن دوما أن الحرية ممارسة يومية أو لا تكون.

قضايا مودعة في الرفوف ترتهن صحفيا، ذنبه أنه لم يقل غير الحقيقة. ذنبه أنه آمن بأن العمل الميداني والاستقصاء هما أعمدة الصحافة المحلية، وكشف المستور ورفض بطاقة العبور إلى ذلك الفضاء الآمن بمعايير الحاكم المدافع عن حصنه الملوث. تلك هي جرائم صحفي مهدد بالاغتيال حينا وبالسجن احيانا.   

قدري أن أعيش الملاحقات البوليسية في العهد السابق، وأن أواجه تهديدات الاغتيال في زمن الثورة. وقدري أيضا أن أحلم بأن غدا أفضل.