على خلاف أساليب التفجير التي اعتمدتها الجماعات الإسلامية المصرية في مواجهتها ضد السلطات في تسعينيات القرن الماضي، والتي اعتمدت آنذاك على زرع قنبلة في مقهى أو بجوار سور مبنى أثناء مرور مسؤول ما، فإن المواجهة الآنية، تشهد استخداما متزايدا لأسلوب “السيارة المفخخة”، الجديد على مصر، لكنه ليس جديدا على الإطلاق في الشرق الأوسط، فمنه بدأ، وإليه ينتهي.

على خلاف أساليب التفجير التي اعتمدتها الجماعات الإسلامية المصرية في مواجهتها ضد السلطات في تسعينيات القرن الماضي، والتي اعتمدت آنذاك على زرع قنبلة في مقهى أو بجوار سور مبنى أثناء مرور مسؤول ما، فإن المواجهة الآنية، تشهد استخداما متزايدا لأسلوب “السيارة المفخخة”، الجديد على مصر، لكنه ليس جديدا على الإطلاق في الشرق الأوسط، فمنه بدأ، وإليه ينتهي.

غير أن أول مركبة مفخخة لم تكن سيارة أو شاحنة أو حتى دراجة نارية، كانت شيئا اضخم كثيرا، وكانت بعيدا نسبيا عن الشرق الأوسط، وبعيدا في التاريخ أيضا، في القرن 16، حوصر الهولنديون من قبل الأسبان في أنتويرب (التي صارت بلجيكية فيما بعد)، كانت تلك حرب الثمانين عاما بين الأسبان والهولنديين، ولم يعرف الأسبان أن تلك السفن المقبلة عليهم قد تم “تفخيخها” بالبارود، لم يعرفوا حتى انفجرت فيهم.

غير أن الاستخدام التالي، تأخر كثيرا وابتعد في المكان، السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، بعد أكثر من عشر سنوات على تنفيذه “المجازر الحميدية” ضد الأرمن، وقبل عشر سنوات أخرى من تكرارها على يد شقيقه محمد الخامس، كان خارجا من أحد مساجد اسطنبول، حين انفجرت سيارة ضد موكبه، لكن المحاولة الأرمنيّة اليائسة، والسيارة المفخخة الأولى في التاريخ ( 1905)، لم تنجح في اغتيال السلطان.

“ازدهر” تفخيخ السيارات مع تقدم صناعتها، انتقل إلى كل مكان في العالم، وعرفت أميركا أول “التفخيخات الانتحارية” مع “كارثة مدرسة باث”، في 18 مايو 1927، حين فجّر أندرو كيهو شاحنته المفخخة في ساحة المدرسة، قاتلا نفسه و38 تلميذا و6 من البالغين، غير أنه لم يستخدم البارود كالهولنديين القدامى، وإنما استخدم الديناميت، إذ لم يكن بعد قد برز   البطل الرئيسي لعالم السيارات المفخخة، الـ “تي إن تي”.

في مفارقة غريبة، يعيدنا لفط “تي إن تي” إلى هولندا مرة أخرى، لكن لا سفن مفخخة هذه المرة، بل المقر الرئيسي لشركة البريد السريع العالمية “تي إن تي إكسبريس”، المؤسسة في منتصف القرن الثامن عشر، أي قبل قرن تقريبا، من اكتشاف “تي إن تي” الآخر، ويجمع بينهما أيضا، بين شعار الشركة، والمفجّر، اللون الأصفر.

T.N.T أو “ثالث نتريت التولوين”، مركب كيميائي مثل أشقائه العديدين الذين اكتُشفوا  ببراءة، قبل أن تأخذهم صراعات البشر إلى نواح أخرى.

اكتشفه الكيميائي الألماني يوليوس ويلبراد كنوع من الصبغة الصفراء، ثم استخدم ككاشف للعناصر الكيميائية، وظل في مظهره البريء لدرجة أن الأميركيين أعفوه من “قانون المتفجرات” في 1875، واستخدم في أعمال البناء (ولا زال يستخدم فيها حتى اليوم)، غير أن  الصراعات الدموية في بدايات القرن العشرين، كانت تستكشف قوة التدمير في كل شيء، ووجدته في الـ T.N.T، الذي كان الأكثر أمانا في الاستعمال وآمنا تماما في الحالة السائلة، إضافة إلى أنه اقل في قوة التفجير، إلا أن الألمان اكتشفوا فيه العديد من “المزايا” التي تمنح تفوقا في الحرب، عبئوا به قذائف مدفعيتهم، لينفجر بعد اختراقها الدروع، على عكس البريطانيين الذين كانت قذائفهم تنفجر عند اصطدامها بالدروع، ما يضيع معه الكثير من الطاقة التدميرية.

لقد اكتُشف أن “قلة حساسية” التي إن تي، مقارنة مع المتفجرات التقليدية، تحقق ميزتين، فهو لا ينفجر عرضا عند أقل ملامسة كما كانت تفعل الألغام فتقتل أصحابها أحيانا أو تقتل المارة بدلا من المدرعات المستهدفة، وهو أيضا يمكن خلطه، و”التحريض” على تفجيره بالصدمات القوية، بواسطة  اقتحام مبنى أو موكب أو بوابة، فتتحقق مع الصدمة أقصى قوة تي إن تي، وباختصار، لقد كان العنصر المناسب جدا للسيارات المفخخة، على الرغم من أن طاقته الانفجارية ( 2.8 ميجا جول لكل كجم)، تقل بدرجة طفيفة عن البارود(3 ميجا جول)، وبأكثر من النصف عن الديناميت (7.5 ميجا جول)، غير أن هذا الفارق يعوّضه كون الـ تي إن تي  مناسبا للسيارة، فوقود السيارة يحتوي على طاقة انفجارية تصل إلى أضعاف كل ذلك 47.2ميجا جول)، تصوّر ذلك مع 50 كيلوجراما من تي إن تي، لتحصل على الخبر اليومي في نشرات الأخبار.

في العراق، في ثلاث سنوات فقط بين مارس  2003 ويونية 2006، تم رصد انفجار 578 سيارة مفخخة، والسيء في تلك المعلومة أن هذا الاستخدام ازداد في السنوات التالية، وازداد أكثر بعد خروج الأمريكيين ليُستخدم في الصراع الطائفي، غير أن العراق مجرد أحد نماذج الشرق الأوسط، فقد استخدمت السيارة المفخخة على نطاق واسع في الحرب الأهلية اللبنانية 1975- 1990 وعادت للظهور في لبنان مجددا ارتباطا بالصراع في سوريا، التي تنفجر في مدنها وضواحيها المفخخات وإن بوتيرة أقل من العراق، في مصر لازال الاستخدام “خجولا”، أبرز العمليات كانت محاولة اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم الشهر الماضي، ثم التفجير – قبل أيام- بالقرب من مبنى المخابرات الحربية في الإسماعيلية، غير أن الفارق – في المفخخات- يعد نسبيا فقط بين بلدان الشرق الأوسط، فمن تركيا إلى الجزائر، يمكن بسهولة وصفه بالشرق المفخخ.