تعد قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس محافظة المنيا (250 كلم جنوب القاهرة)، واحدة من أكبر القرى المصرية، يعيش فيها أكثر من 120 ألف نسمة، بينهم 25 % أقباط، وتبعد عن محافظة المنيا حوالي 75 كيلو متر. لكنها تبعد عن فكر التنمية مئات وآلاف السنين، فنسبة الأمية فيها تزيد عن 70%، كما تنعدم فيها مشاريع التنمية الحكومية.

تعد قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس محافظة المنيا (250 كلم جنوب القاهرة)، واحدة من أكبر القرى المصرية، يعيش فيها أكثر من 120 ألف نسمة، بينهم 25 % أقباط، وتبعد عن محافظة المنيا حوالي 75 كيلو متر. لكنها تبعد عن فكر التنمية مئات وآلاف السنين، فنسبة الأمية فيها تزيد عن 70%، كما تنعدم فيها مشاريع التنمية الحكومية.

عاشت دلجا فترة عصيبة وصلت إلى 80 يوما منذ فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، واشتعلت النيران في كنائسها وأقسام الشرطة فيها خلال أحداث 14 و 16 آب/ أغسطس. وتحولت نقطة الشرطة إلى منصة لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، وحاول الامن اقتحامها مرات سابقة إلا انه فشل وعاد لاقتحامها منتصف شهر أيلول/ سبتمبر ونجح بمساعدة طائرات الاباتشي والجيش والأمن الوطني.

وضع أمني متدهور

مينا سامي، 45 سنة، تاجر، يقول إن جميع الأقباط فى القرية يعيشون فى جحيم منذ أحداث ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، حيث غاب الأمن وانتشرت البلطجة والإتاوات، وأصبح على كل مواطن حماية نفسه بنفسه. ويتابع “ونظرا لانتشار الفقر والجهل والغياب الأمني الواضح في القرية والتي لم ترَ عسكري يمر بها منذ سنوات، اضطررنا للميل لدفع مبالغ مالية مقابل الحماية، والمشكلة أن هناك من لا يملك المال لدفع مبالغ الحماية والتي وصلت إلى مرتبات شهرية للبلطجية علينا”.

الأقباط تعرضوا أيضا للخطف من أجل الحصول على فدية. حيث يقول سامي “حدث هذا مع ابن أخت القس يوأنس الطفل “كيرلس يوسف سعد” والذي تم خطفة وطلب فدية نصف مليون جنيه، وتم دفعها ثم قتل الطفل. وكذلك الشاب حنين، والذي تم دفع فدية لإعادته بلغت 180 ألف جنيه بعد طلب فدية مليون جنيه”.

وأضاف عيد راوس داود ،35 سنه، بائع خرده، أن شرارة 30 حزيران/ يونيو وخطاب عزل الرئيس مرسى جاءا بمثابة إعلان حرب على الأقباط، وكأنهم هم من أسقطوا مرسي. ويقول “أصبحنا لا نستطيع الخروج من منازلنا واستُهدفت كنائسنا من صبيه مجهولين، ثم تطور الأمر لحرائق وقتل ونهب وسرقة، بل وتنقيب على آثار داخل منازلنا وتحت كنيسة السيدة العذراء والتي يمتد عمرها لأكثر من 1600 عام، واضطر أكثر من 150 قبطي لهجرة منازلهم وترك القرية حتى تهدأ الأمور”.

الجهل والتطرف

من هو إذن الطرف الذي يستهدف الأقباط؟ عمرو الريس، كبير مذيعين بإذاعة شمال الصعيد، وابن قرية دلجا، يتهم التيارات المتطرفة وينحي باللائمة على الجهل، قائلا “دلجا من القرى المظلومة، فهي قرية تنتشر بها الأمية والجهل والفقر، أي تعاني من مثلث الموت، ومثلها مثل محافظة المنيا فهي قرية منسية من جميع الخدمات، فحتى مشروع الألف قرية القديم والذي استهدفته الدولة لتنمية هذه القرى الأكثر فقرا وتجاهل هذه القرية. هؤلاء هم مؤيدو وأحباب عاصم عبد الماجد (قيادي في الجماعة الإسلامية)، وأتباعه والذين زارهم علنا أكثر من مرة هنا، وبمعرفة قيادات كبيرة من الأمن نقلوا من المنيا، ومن بين هؤلاء تجار السلاح. ولا تستطيع فصل القرية عن توابعها مثل قرية “زعبرة” والتي كان من مصلحتها انتشار الجرائم والرعب حتى يجدوا سوقا لترويج السلاح الذي أصبح في كل منزل بالقرية بقصد الحماية مما يشاع من قتل وحرق وتدمير”.

تجار السلاح والبلطجية هم المتهمون من وجهة نظر نادي عاطف شكر، الذي يقول إن قرية دلجا مرتبطة ارتباطا وثيقا بمركز ملوي، واستغلها تجار الأسلحة هناك في الترويج لتجارتهم وجعلها مسرحا لتوزيع الأسلحة على الصعيد. ويضيف “نستطيع أن نقول إن دلجا أصبحت بالفعل مزرعة أسلحة، حتى أن تجار الأسلحة أصبحوا يقولون هذا سلاح دلجاوى أصيل، أي أن موطنه الاصلى دلجا، وذاع صيتها في هذه التجارة. وكثيرا ما نبهنا أن غياب الأمن والخدمات عن هذه القرية حولها إلى جزيرة إجرام، فالبسطاء الأميون أخطر على الوضع الأمني من معتادي الإجرام، لأن هؤلاء يساقون وراء عاطفتهم ولا يعملون بعقل لان ثقافتهم محدودة”.

“البلطجية هم الجناة”

لكن حسين محمد علي، عضو جماعة الإخوان المسلمين بالقرية، رفض إلقاء الاتهامات جزافا على التيار الإسلامي، وقال إن المسلمين البسطاء ممن لا يتعصبون رفضوا هذا التعدي على الأقباط، بل وتصدى بعضهم لهؤلاء البلطجية، وأضاف “القرية على الرغم عما أشيع عنها من فعاليات ضد الجيش والشرطة إلا أنها تخلو من القيادات سواء الاخوانية أو التنظيمية أو حتى الجماعة الإسلامية، وان كل ما شهدته من حشود تلقائية بسبب مشاهد فض اعتصامي رابعة والنهضة ومشاهد القتل للعزّل، التي تسببت في ازدياد الحشد اليومي وترديد العبارات المعادية للجيش والعسكر”.

وأضاف عضو جماعة الإخوان أن الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها القرية وكنائسها ومنازل الأقباط بها لم تكن من الإخوان. وهي الهجمات التي بدأت يوم 3 تموز/يوليو عقب خطاب العزل باقتحام كنائس مارى جرجس والعذراء وإبرام، ثم تم حرق  16 منزل مجاور للمجمع الكنسي.

ويمضي علي قائلا “ظلت القرية تشهد هجوم هؤلاء البلطجية والذين كتبوا أسماءهم على بيوت الأقباط المهاجرين، وهو ما يفسر أنهم ليسوا جميعا إخوان أو جماعة إسلامية، بل هم من وجد مصلحته في الفوضى ضد مصر وهم معروفون للأمن جيدا. وأتحدى أى قبطي يقول إن هذا الشيخ فلان أو شخص بعينة كان ضمن من هاجموهم، وكون أن تحدث هذه الأفعال وقت مظاهراتنا فهي أعمال إجرامية مدبرة لإلصاق التهم بنا”.

حوادث خطف وقتل

القس يوسف أيوب، راعي كنيسة مارى جرجس في قرية دلجا، يؤكد أن الأقباط تعرضوا لأكثر من 20 هجمة من قبل “أنصار المعزول وحلفاءهم من البلطجية وتجار السلاح، مما تسبب في اضطرار 150 أسرة لهجرة منازلهم والقرية كلها خوفا على أرواحهم عقب ظهور أحداث القتل والخطف، حيث قُتل راعى كنيسة وتم التمثيل بجثته وتركت الجثة أيام ملقاه ولم يتمكن أحد من دفنها إلا بعد 4 أيام من قتله وإلقاء جثته بجوار المقابر عقابا له على قيامه بإطلاق أعيرة نارية في الهواء لتفريق صبيه كانوا يقذفون الكنائس بالطوب وحاولوا اقتحام منزله”.

وتابع راعى كنيسة مارى جرجس قائلا إن من أعمال القتل البشعة أيضا التي شهدتها دلجا خطف الطفل كيرلس، 14 سنة، وطلب فدية ثم قتله، وكذلك خطف تاجر قبطى وأخذ فدية نصف مليون جنيه وإعادته بعد أسبوع، حيث وجد ملقى وسط المقابر في الصحراء. مضيفا “لقد طالبنا الأمن مرارا باقتحام القرية وتحرير أهلها من أسر هؤلاء”.

“لن نخرج قبل القبض على كل المجرمين”

لكن الحملة الأمنية الأخيرة، رغم أنها جاءت تحت عنوان استعادة الأمن، فهي تلقى بعض الانتقادات من الأهالي. فعقب اقتحام الأمن للقرية منذ أيام وقيام الأمن بإلقاء القبض على عشرات المطلوبين غضب الأهالي بسبب ما أسموه “القبض العشوائي”. وقاموا بعمل مسيرات اخترقت الحظر ونددت بما أسموه بالقبض العشوائي على الملتحين والأهالي. في هذا السياق أكد إكرام محمد إسماعيل أن الأمن منذ أن اقتحم القرية، ورغم هروب البلطجية، وهو يقبض عشوائيا على الأهالي، بل ويوسع في عمليات القتل، وظلت القرية على نار حيث تشتعل يوميا بسبب طلاب المدارس والمعاهد الأزهرية أيضا الرافضين للانقلاب، حسب قول إسماعيل.

من ناحيته قال اللواء متولى مدير أمن المنيا “على الرغم من دخولنا القرية منذ أسبوع تقريبا، إلا أن الأمور لم تستقر، خاصة أن هناك معلومات بأن عدد من الفارين والمطلوبين للنيابة العامة عادوا للقرية، وعمليات التمشيط مستمرة ولا يمر يوم إلا ونقبض على خارجين عن القانون، وعصابات متنوعة ما بين سرقة، وقتل وخطف، وأخيرا تم لقبض على تجار أثار بينهم 3 أجانب سودانيين وضبط بحوزتهم على عدد 16 قطعة آثار من الآثار المسروقة من متحف آثار ملوي أثناء أحداث العنف”.

وأضاف مدير الأمن أن الأمن لن يخرج من هذه القرية قبل القبض على جميع المطلوبين.