تواجه جماعة الإخوان الضربة الأعنف فى تاريخها، ليس على مستوى الرغبة الأمنية فى اجتثاث تنظيم تعود جذوره إلى عام 1928،لكن أيضا فى غياب تمكينها الاجتماعى،ودخولها فى حالة خصومة مع قطاعات واسعة من الشعب المصرى جعلها تدعم تلك الضربة رغم أنهاكانت فى الماضى القريب بمثابة حاضنة طبيعية لهيمنتها وانتشارها، مما يطرح مجموعة من التساؤلات، عن مستقبل الجماعة من ناحية ومستقبل الاسلام السياسى ككل، وهل تملك القدرة على استعادة حضورها فى المشهد، والأهم استعادة القبول المجتمعى مرة أخرى.

خصومة مجتمعية

تواجه جماعة الإخوان الضربة الأعنف فى تاريخها، ليس على مستوى الرغبة الأمنية فى اجتثاث تنظيم تعود جذوره إلى عام 1928،لكن أيضا فى غياب تمكينها الاجتماعى،ودخولها فى حالة خصومة مع قطاعات واسعة من الشعب المصرى جعلها تدعم تلك الضربة رغم أنهاكانت فى الماضى القريب بمثابة حاضنة طبيعية لهيمنتها وانتشارها، مما يطرح مجموعة من التساؤلات، عن مستقبل الجماعة من ناحية ومستقبل الاسلام السياسى ككل، وهل تملك القدرة على استعادة حضورها فى المشهد، والأهم استعادة القبول المجتمعى مرة أخرى.

خصومة مجتمعية

أشرف الشريف، الباحث فى شئون الإسلام السياسى، يفرق فى البداية بين الحركة الإسلامية، ككل وبين الجماعة كأحد أطيافها، ويرى أن الحركة الإسلامية تتعرض لسابقة تاريخية لم تواجهها من قبل، تتمثل فى دخولها مع خصومة مجتمعية، تتجلى حتى عبر الهجوم على المظاهر الإسلامية، التى استطاعت تلك الحركة فرضها خلال تمكينها الاجتماعى منذ سبيعنات القرن الماضى، كما تتكرر حالات انزال الخطيب من على المنبر، إذا ما حاول توجيه المصلين سياسا، أو هاجم وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى”. تلك الخصومة، مرتبطة فى الأساس بالأداء السياسى الهزيل، للتيار الإسلامى،أثناء توليه السلطة، حسب قول الشريف.

الحركة الإسلامية ككل، فى رأى الشريف، عليها إعادة إنتاج نفسها بأشكال مختلفة، والابتكار  في طرق مخاطبة الشارع المصرى، وهي تملك الفرصة، عبر التغيير والتجديد الفكرى لاستعادة الشارع مرة أخرى، ففي النهاية هذا التيار، لديه قاعدة تأييد قوية، وجذور فى الثقافة والتقاليد المصرية، وله أصالته التاريخية، وقادر على التطور بأشكال مختلفة.

الهيكل التنظيمي مصدر قوة وضعف

ويتابع الشريف قائلا “الذى انتهى بشكل حاسم، ليس الإسلام السياسى، وإنما هيمنته الطاغية اجتماعيا وثقافيا، ولن يعود إلى سابق عهده كتيار يستطيع فرض رؤيته بشكل كاسح عبر دعم شعبى”.

أما جماعة الإخوان المسلمين،كحالة محددة داخل تيار الإسلام السياسى، كما يرى الشريف، فقد كشفت الأحداث الأخيرة، أن نقطة ضعفه الأساسية، كانت هى تحديدا سبب قوته عبر 80 عاما وهى هيكله التنظيمى، الذي لم يتعرض لتغييرات تذكر خلال تلك الفترة، وهو ما تحول إلى عبء على الجماعة،تبدى فى بطء اتخاذ القرار، والتفاعل مع المتغيرات.

ويعتقد أشرف الشريف أن الأمور لو تركت للتفاعل الايجابى فقط، ستحدث مراجعات قد تطور من الجماعة، وتجدد أفكارها، لكن الوضع الآن ليس كذلك، فالعامل السلبى هو المسيطر، فحالة الأزمة، تحيل أفراد الجماعة وحلفائهم من التيار  الإسلامى إلى وضع الاصطفاف، فهم يرون أنهم فى صراع وجودي مع الدولة والشعب، مما يجعل أي مراجعات أو ظهور للخلافات، أمر مؤجل، فعقب ثورة 25 يناير، ظهرت تلك الأصوات التى تستطيع النقاش والجدال داخل الجماعة.

تغيير الإخوان مرهون بمراجعة الهيكل التنظيمي

لكن الآن، تخفت تلك الأصوات، خاصة أن القيادات الإخوانية، كلما شعرت أنهم على وشك اعلان هزيمتها، تلجأ إلى اشعال الموقف أكثر هربا من المسائلة أمام جماهيرها، يقول الشريف.

التغييرات الواسعة فى جماعة الإخوان وبقائها مرهون بهم ومراجعة هيكلهم التنظيمى،فوجه متشدد فى إدارة الصراع  كخيرت الشاطر، ليس مجرد شخص، وانما وظيفة، سيظهر من يحل محله إذا ما اختفى.

لا يرى أشرف أن الإخوان كجماعة قادرة على اللجوء على العنف، بسبب طبيعتها كتيار اصلاحى، يتبنى طريقة تغيير المجتمع ببطء، وسيعودون إلى تلك الحالة، وإن خطابات العنف ما هي إلا خطابات معركة، لكنه كتنظيم لا يلجأ إلى المناطحة، وسيحرصون على عكس التيارات الإسلامية الأخرى، على وجود الآلية الديمقراطية، لأنها الآلية الوحيدة التى ستمكنهم مرة أخرى للعودة إلى السلطة.

الاخوان ستعود إلى الجامعات والمدارس

أحمد سمير، صحفى مهتم بشئون الاسلام السياسى وعضو سابق فى حملة عبد المنعم أبو الفتوح للرئاسة، يرى أن الضربات الأمنية، لن تؤثر على بقاء التنظيم من عدمه، فالهيكل التنظيمى، يتيح تصعيد مباشر للقيادات، في حالة القبض على أحدهم، كما انه تنظيم لا مركزي، له شعبة فى كل شارع، وأعضاؤه يجتمعون في المساجد والبيوت، وهو شىء لا يمكن حصاره، وأن ما تأثر فقط قد يكون سهولة اتخاذ القرار وسرعته.

وتابع سمير “كما أن وضع الإخوان فى العمل خارج إطار الدولة، هو وضع معتاد بالنسبة له، حتى عندما وصلت إلى السلطة، كانت المطالبات الأساسية التى رفضتها هو العمل من خلال الدولة”.

ويرى سمير أن الجماعة، في ظل العداء المجتمعى، ستعود إلى مناطق الاحتضان الطبيعى، كالجامعات والمدارس. يبني سمير ملاحظته، أن على الرغم من خسارة جماعة الإخوان المسلمين لانتخابات اتحاد الطلبة الأخيرة، إلا أنها حظيت بنسب تصويت عالية، مقارنة بباقى التيارات والأحزاب منفصلة، كما أنهم سيتحركون فى دوائر المتدنيين، ويضيف “يكفي أن تذكر أن من انتخبوا مرسى من الإسلاميين فى الجولة الأولى،هم 5 مليون ونصف صوت”.

شباب الإخوان في مأزق

الضربة الاجتماعية،هي الأصعب من الضربة الأمنية فى رأى سمير، وهي الخطر الحقيقى الذى يواجه الإخوان، خصوصا مع فقدانهم الطبقة الوسطى التى كانت على استعداد للتصويت لهم، في انتخابات النقابات ومجلسى الشعب والشورى.

الخطورة الآن، في رأي سمير، ليست فى ردايكالية قيادات الإخوان، بل فى شبابه، الذي عرف منذ 2005 و2011 بأن صوته داخل الجماعة، يرغب فى التطوير، لكن الضغوط لا تسمح بأى نوع من أنواع المراجعات الآن من وجهة نظرهم. ويقول سمير “التشفِ المجتمعي الذي شاهده شباب الإخوان في سقوطهم والخصومة واضحة المعالم، ورؤية لأقارب واصدقاء يسقطون قتلى، وأسرى فى يد الأمن، كما أن هناك عدد من الوجوه المدنية غير المحسوبة على التيار الإسلامى، وساندتهم قبل الوصول إلى الحكم، رأوها تنقلب عليهم عقب توليهم للسلطة، جعلت خطابهم أكثر عنفا من خطاب القيادات العجوزة، وأوصلتهم إلى حالة من فقدان الثقة فى سواهم، يتحدثون الآن عن حمل السلاح ورفض الاندماج فى السياسة، والقيادات هى من تحاول احتوائهم”.

الضربات الأمنية تصعّد قيادات جديدة

أنس حسن، مؤسس شبكة رصد، وأحد المنظرين المحسوبين على التيار الإسلامى، فيما يخص الاعلام، يؤكد عدم استطاعة الإخوان على التصعيد فى اتجاه العنف، بسبب تربيتهم السلوكية القائمة على السمع والطاعة، وتقليم الأظافر، وأن الأسهل له أن يموت كضحية، على حمل السلاح، وإن لم يستبعد استعمال العنف من قبل أطياف أخرى داخل التيار الإسلامى.

ويرى حسن أن الكره نتيجة حرب نفسية واعلامية، ما أن تعتقد أنها انتصرت، حتى تهدأ جذوتها، ويزول أثرها النفسى على القطاعات الواسعة من الشعب، يدلل أنس بذلك على التحولات فى صورة الداخلية خلال الأعوام الماضية، من عدو حقيقى إلى طرف تم تلميع صورته.

ورغم اعترف حسن، بأثر الضربات الأمنية والحصار المجتمعى على التنظيم،الا أنه يرى أنها “خلقت بعدا اجتماعيا، متمركز حول تنظيم الإخوان المسلمين، وقلصت من الهوة الخلافية العقائدية بين الجماعة والتيارات السلفية الإسلامية، لصالح تيار اسلامى موحد”.

“تنظيم الإخوان بشكله الحالي انتهى”

ولا يجزم حسن بشىء، في ظل سيولة اللحظة، لكنه يعتقد أن المراجعة المثيرة للاهتمام، هي ما يدور من نقاشات بين أبناء التيار الاسلامى من أن فكرة الديمقراطية ليست صالحة للتيار الاسلامى، وانها كانت لعبة، تم الانقلاب عليها بسهولة.

ويرى حسن أن تنظيم الإخوان بشكله الحالى قد انتهى، وفقد قياداته السيطرة الحقيقية على الأمور،كما أن القبض على قياداته الثانية والثالثة، أتاح حراكا أكبر، نتيجة تصعيد قيادات اصغر سنا، قد تستطيع أن تؤسس لما افتقده الإخوان خلال 80 عاما، فباستثناء كتابات سيد قطب وقواعد حسن البنا، لا توجد مرجعية وفلسفة اسلامية قوية تخص الإخوان، حسب رأي حسن.

كما أن الفرصة الأوسع لعودة الإخوان المسلمين، ستأتى من فشل خطاب الجيش نفسه، الذي لا يقدم سوى خطاب خليط مرتكز  على تقديم نفسه كحام للدولة، وعلى خطابات قومية قديمة، قد لا تنجح فى الاستمرار والنجاح، وهو ما قد يكون مبررا لعودة التيار الإسلامى بقوة، حسب حسن.

في النهاية يعبر حسن عن إيمانه بأن خيار التفاوض فشل بسبب عدم رغبة السلطة فى ذلك، فطبيعة الإخوان هي القبول بمائدة مفاوضات، متفقا مع أحمد سمير فى الوقت نفسه، في أن خطاب رفض التفاوض، أصبح متداولا بين شباب الإخوان على عكس قياداتها فى ظل خطاب الثأر والمظلومية، لما شهدوه من عنف، لكن القيادات قد تتعامل مع خيار العودة إلى وضع ما قبل مبارك كمكسب، يتيح لها مجالا للتنفس والتوغل في المجتمع مرة أخرى، وأن خلق تيار علمانى قوى تهندسه الدولة، يعنى بالضرورة احتداد قوة التيار الإسلامى.