البيضة لم تحط هذه المرة على بدلة الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي، الذي تعرض ذات صباح فرنسي جميل  للرشق بالبيض من قبل مجموعة من المحتجين اعتراضا على سياسته المنحازة للأغنياء على حساب الفقراء، أثناء جولته الانتخابية في شمال فرنسا.

نصر الدين السهيلي المخرج السينمائي التونسي، قرر أن تكون البيضة من نصيب وزير الثقافة مهدي مبروك في حركة أرادها أن تكون مليئة بالدلالات، فكانت بالتبعات والتتبعات أيضا.

المصور سجن لنشره أدلة تبرء السهيلي

البيضة لم تحط هذه المرة على بدلة الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي، الذي تعرض ذات صباح فرنسي جميل  للرشق بالبيض من قبل مجموعة من المحتجين اعتراضا على سياسته المنحازة للأغنياء على حساب الفقراء، أثناء جولته الانتخابية في شمال فرنسا.

نصر الدين السهيلي المخرج السينمائي التونسي، قرر أن تكون البيضة من نصيب وزير الثقافة مهدي مبروك في حركة أرادها أن تكون مليئة بالدلالات، فكانت بالتبعات والتتبعات أيضا.

المصور سجن لنشره أدلة تبرء السهيلي

يقول نجيب العبيدي شاهد على الحادثة أن وزير الثقافة حل ضيفا علي أربعينية المرحوم عزوز الشيناوي (فنان تونسي توفي مؤخرا) بدار الثقافة ابن خلدون بالعاصمة يوم 16 أوت/ أغسطس الماضي. وقد  حاول السهيلي الاقتراب منه لتبليغه احتجاجه علي تقصير الوزارة في الاهتمام بالفنانين، والذي كان أحد أسباب وفاة الشناوي كما يرى نصر الدين.

خاطب السهيلي الوزير محتجا هكذا “دعمكم للشناوي لم يعد ذا جدوى الآن” ، “لقد ناشدناكم مطولا التدخل لفائدته عندما كان في المستشفي تحت العلاج، ولم تفعلوا”. 

كان رد الوزير متشنجا، إذ رفض الحديث مع السهيلي وطلب من مرافقيه إبعاده عن المكان ودفعه بعيدا عن أنظاره.

يغادر نصر الدين المكان مسرعا، ليعود مزودا ببيضة، سرعان ما تستقر على بدلة الوزير.

في الأثناء كان المصور الصحفي مراد المحرزي يقوم بعمله المتمثل في تغطية الأربعينية. طبعا عدسة المصور لم تكن لتغفل حدثا بمثل هذه الأهمية. لكن المادة التي ألتقطها مراد سرعان ما أصبحت سبب للمتاعب له، والإحراج للوزير.

وسائل إعلام كثيرة تناقلت بعد وقت وجيز من الحادثة تصريحات الوزير التي تحدث فيها عن تعرضه لاعتداء بالعنف المادي، وتحدث عن لكمة تلقاها خصوصا وأن الوزير سارع للمستشفى. غير أن ظهور مقطع الفيديو الذي التقطته عدسة مراد والذي يظهر بدقة تفاصيل الحادثة سرعان ما صوب الخبر.

لم يمض يومين على الحادثة حتى طرق أعوان فرقة مقاومة الإجرام باب منزل المصور مراد المحرزي في أواخر اليل. يطلب مراد بضع دقائق لجلب أغراضه، فيستغلها الأعوان لمداهمة المنزل بشكل استعراضي وحجز آلة تصوير وحاسوب شخصي.

يقول الناشط السياسي نجيب العبيدي إن سجن مراد المحرزي كان بسبب تكذيبه بالدليل القاطع لتصريحات وزير الثقافة مهدي المبروك وهو ما تسبب له ولرئاسة الحكومة ولكل من سانده في حرج كبير وأغلق كل إمكانيات التشفي أمامهم وفق العبيدي.  

ثلاثة أيام أخرى كانت كافية لتضييق الخناق على الفاعل الأصلي في هذه الحادثة نصر الدين السهيلي الذي ظل في حالة فرار خصوصا بعد أن وجهت للمصور مراد تهمة التخطيط المسبق والاعتداء على وزير الثقافة مهدي المبروك، إذ حوصر السهيلي في منزل أحد زملائه الممثل إبراهيم رؤوف بالمدينة الساحلية سوسة، ليجد مراد قد سبقه للإقامة بالسجن المدني بالعاصمة تونس.  

يختم العبيدي قائلاً: “الحادثة سياسية بامتياز، هناك تراكمات دفعت بالأمور لهذا الحد. وزير الثقافة استفز منظوريه بالازدواجية، شاهدناه بالأمس القريب يقتني أحد لوحات معرض العبدلية، ليتحول بعد مهاجمة السلفيين له إلي منتقد حاد لمحتواه الفني، هذه المرة تجاهل الوزير كل نداءاتنا لإنقاذ الشناوي قبل موته، لنفاجأ به ضيفا علي أربعينيته. أظن أنه لو أتيحت لي فرصة قذف أحد أعضاء هذه الحكومة الفاشلة بالبيض لن أتردد”.  

العقوبة قد تصل إلى خمس سنوات سجن

يقول محامي السهيلي والمحرزي أيوب الغدامسي إن هناك دعوى قضائية بالحق الشخصي تقدم بها الوزير، يتهم فيها نصر الدين السهيلي بالاعتداء عليه بالعنف المادي واللفظي. وقد تم القبض على موكله من قبل فرقة مقاومة الإجرام بالقرجاني قبل أن توجه ضدهما النيابة العمومية بطاقة إيداع بالسجن بتهم “التعدي علي موظف عمومي بالعنف” و”إحداث الهرج والتشويش والإساءة للغير عبر الشبكة العمومية للاتصالات”.

يضيف أيوب الغدامسي أن الوزير تعمد تهويل الحادثة، إذ ادعى تعرضه للكم ووجود أثار عنف مرتكزا على وجود أثار البيض على ملابسه، غير أن فيديو المحرزي فند هذه الرواية بشكل قاطع، يجزم المحامي.

يذهب المحامي إلي أبعد من ذالك مؤكدا أن موكله السهيلي تعرض للعنف الشديد من قبل مرافقي الوزير، مستندا إلى أقوال موكّله والفيديو المنشور.

أيوب الغدامسي يعتبر أن إيقاف موكله المصور مراد المحرزي تم “خارج القانون ودون إذن وكيل الجمهورية وتسبب في إرعاب والديه المسنين”. فبالنسبة للغدامسي تدخل فرقة مقاومة الإجرام في القضية استعراضي ولا مبرر له.

يردف أيوب أن الأحكام  المنتظرة وفق لائحة الاتهام قد تبلغ السجن لمدة خمس سنوات، لكن ما يطمئنه أن أغلب الاتهامت لا يستند إلى أدلة مادية وأن نص القانون المتعلق بالاعتداء علي موظف عمومي لا ينطبق علي الواقعة.

يقول المحامي مستغربا “حضور موكلي مراد المحرزي كان في إطار عمله الصحفي والتغطية الاعتيادية، وفي ظل وجود وثيقة تكليف بمهمة من رؤسائه في العمل، إقحامه في القضية عمل انتقامي”. 

ويضيف “ما قام به موكلي ليس فعل إجرامي بل هو عمل احتجاجي عرفته أعرق الديمقراطيات طال أحيانا رؤساء، دون أي تبعات جزائية تذكر”.

سأعتذر عند سقوط الحكومة

محاولاتنا المتكررة للاتصال بالوزير أو بملحقه الإعلامي باءت بالفشل ولم تحظ برد. “مراسلون” تحدثت مطولا مع الممثل الكوميدي رؤوف بن يغلان الذي دخل على خط الوساطة بين الوزير ونصر الدين السهيلي للبحث عن حل توافقي ينأى بالقضية عن أروقة المحاكم.

بن يغلان زار المخرج والمنتج السينمائي نصر الدين السهيلي في السجن بعد أن تحصل على إذن من وكيل الجمهورية وتحدث مطولا  أيضا مع وزير الثقافة.

يقول بن يغلان لـ “مراسلون” أنه كفنان لا يوافق على العمل الذي قام به السهيلي، وأن ما أقدم عليه “غير مقبول خصوصا من فنان”.

ويتابع “زرت السهيلي أولا كزميل لي في إطار واجب التضامن بقطع النظر عن رفضي القطعي لما أقدم عليه اتجاه الوزير. السهيلي رحب بزيارتي وقدم اعتذاره من خلالي لكامل الأسرة الفنية لما قد يكون قد تسبب فيه من إحراج لها”.

يؤكد بن يغلان أن السهيلي أوضح له أن رشقه للوزير بالبيض لم يكن بصفته فنانا بل كمواطن يعبر بطريقته عن رغبته في حل الحكومة ورحيلها”.

“أعتذر لشخص مهدي مبروك ولا أعتذر لوزير الثقافة، فاعتذاري للوزير قد يفهم على أنه اعتذار لحكومة طالبت ولا زلت أطالب برحيلها، لذلك أنا مستعد للاعتذار الشخصي من مهدي مبروك حال مغادرته الحكومة”، يقول السجين نصر الدين السهيلي نقلا عن بن يغلان. 

الوزير مهدي مبروك وفق بن يغلان قبل وساطته، وشروطه لا تتعدى عدم المساس بكرامته والاعتذار الشخصي له.

 يبدو الممثل رؤوف بن يغلان متفائلا بخصوص قرب الوصول لاتفاق مادام الطرفان “يحكمان منطق العقل”، “فمن المخجل بالنسبة له أن يقبع بعد الثورة أحد وجوه الثورة الثقافية في السجن، أحد الذين أعطوا الفن قيمة نضالية أيام الثورة”، وفق تعبير بن يغلان.

بن يغلان لايخفي في نهاية الحديث معنا أنه يتفق مع السهيلي في ضرورة رحيل هذه الحكومة.

إفراج مؤقت واحتفاظ

في الأثناء، قرابة الشهر مضت على مثول المخرج السينمائي والممثل نصر الدين السهيلي  والمصور الصحفي مراد المحرزي أمام وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس للاستماع إلى أقوالهما حول حادثة الاعتداء على وزير الثقافة مهدي مبروك وسط تضامن واسع داخل أوساط الفنانين والمجتمع المدني.

المحكمة الابتدائية بالعاصمة قررت يوم 6 سبتمبر الجاري الإفراج المؤقت عن المصور التلفزي بقناة “اسطرلاب تي في” مراد المحرزي ورفض مطلب الإفراج بالنسبة للممثل والمخرج نصر الدين السهيلي.

محامو الدفاع عن المتهمين اعتبروا تواصل “احتجاز” السهيلي باطلا وخارج نطاق القانون إضافة لما وصفوه بـ “عدم حجية محضر استنطاق المحرزي من الناحية القانونية”.

أحمد أمين بن سعد المتحدث الرسمي باسم موقع “إسطرلاب” حيث يعمل مراد المحرزي أوقف مباشرة قبل إطلاق سراح زميله مراد إضراب جوع دام 16 يوما  للمطالبة بإطلاق سراح المصور الصحفي لإسطرلاب مراد محرزي والمخرج السينمائي نصر الدين السهيلي.

بن سعد اعتبر أن “من العار أن تتورط الحكومة في سجن إعلامي عقابا له عن تقديمه للحقائق عارية وإحراجه للوزير بالكشف عما حصل فعلا، بعد أن تورطت رئاسة الحكومة في دعمه استنادا علي شهود زور” كما يقول.

أحمد أمين بن سعد أعلن عن قراره إيقاف إضراب جوعه سويعات قليلة قبل الإفراج الظرفي عن مراد محرزي متوعدا بخوض  أشكال احتجاجية أخرى لغاية غلق ملف القضية.

في انتظار أن تسقط الحكومة أو أن يعتذر السهيلي يبقي المصور والفنان حبيس متغيرات سياسية وتراشق اتهامات بين الموالاة والمعارضة لا يزيدها التراشق بالبيض إلا تعقيدا، وسط تخوف مراقبين أن تتحول حادثة التراشق بالبيض إلى ظاهرة خاصة مع تهديد أنصار حزب النهضة الحاكم برد قريب.