أدت موجة 30 يونيو/حزيران الثورية إلى أزمة سياسية بين مصر وتركيا على خلفية وصف الاخيرة لما حدث بأنه انقلاب عسكري. من ناحيتها ترى مصر أن تركيا اتخذت هذا الموقف نظراً لدعمها المستميت لجماعة الأخوان المسلمين. ولكن الأزمة لم تقف عند هذا الحد فحسب، بل أخذت بعداً فنياً وإقتصادياً، حيث تبنى عدد من صناع الدراما المصرية موقفاً ينادي بمقاطة الدراما التركية. وما لبث عدد من القنوات الفضائية المصرية أن استجاب لهذا القرار معلنين توقف بث لمسلسلات التركية علي الرغم من تكبدهم خسائر كبيرة، ليظل هذا القرار مثار اختلاف بين المهتمين بصناعة الفن في مصر.

أدت موجة 30 يونيو/حزيران الثورية إلى أزمة سياسية بين مصر وتركيا على خلفية وصف الاخيرة لما حدث بأنه انقلاب عسكري. من ناحيتها ترى مصر أن تركيا اتخذت هذا الموقف نظراً لدعمها المستميت لجماعة الأخوان المسلمين. ولكن الأزمة لم تقف عند هذا الحد فحسب، بل أخذت بعداً فنياً وإقتصادياً، حيث تبنى عدد من صناع الدراما المصرية موقفاً ينادي بمقاطة الدراما التركية. وما لبث عدد من القنوات الفضائية المصرية أن استجاب لهذا القرار معلنين توقف بث لمسلسلات التركية علي الرغم من تكبدهم خسائر كبيرة، ليظل هذا القرار مثار اختلاف بين المهتمين بصناعة الفن في مصر.

فنانو مصريون يؤيدون قرار المقاطعة

“أعلن تأييدي الكامل لقرار مقاطعة الفن التركي ومنع بث مسلسلاتها على شاشات القنوات المصرية، ليس فقط كرد فعل على موقف الرئيس اوردغان مما يحدث في مصر و إعلانه عن دعمه لجماعة الإخوان المسلمين الذين حاولوا تدمير مصر، وإنما لأن هذه المسلسلات لا تناقش قضايا جادة تمس مجتمعنا العربي”، هكذا يعبر الفنان القدير عزت العلايلي عن رأيه في قرار مقاطعة الدراما التركية.

ويوضح العلايلي أن الدراما التركية جعلت الجمهور العربي ينشغل بقصصها “التافهة” على حد وصفه، كما انها “تصدر ثقافة غريبة لا تتفق مع عادات المصرية وتقاليدهم” كما يقول.

ويضيف: “كل ما يمكنني قوله إن هذه المسلسلات لا تستحق منا البكاء عليها لأن صناعها استغلوا الجمهور العربي من خلال تقديم مسلسلات تخدع المشاهد ببعض المناظر الطبيعية من أجل تنشيط السياحة في تركيا. والهدف هو خدمة الاقتصاد التركي، و بالتالي مقاطعة هذه المسلسلات كرد سياسي على موقف اوردغان بمثابة ضربة للإقتصاد التركي”.

أما الفنانة إلهام شاهين فأكدت أنها كانت واحدة من عُشاق الدراما التركية. واعترفت أن هذه النوعية من المسلسلات احتلت مكانة خاصة لدى المصريين. إلا أنها شعرت بندم شديد لتأييدها لهذه المسلسلات يعد موقف أنقرة وتأييدها لجماعة الإخوان المسلمين التي وصفتها بالإرهابية، مؤكدة انها اتخذت قرارا بمقاطعة هذه الأعمال الفنية بل ومقاطعة كافة المنتجات التركية.

وتقول:”أعتقد أن قرار مقاطعة الدراما التركية يعد أقل واجب من الممكن ان يقدمه كل مصري يحب وطنه، خاصة وأن هذه المسلسلات كانت تجلب ملايين الدولارات لتركيا وتعد سببا رئيسيا وراء إنتعاش السياحة في هذه الدولة.” موضحةً أن مقاطعة الدراما التركية لن تؤثر على المشاهد لإن لديه حالة إشباع من المسلسلات المصرية والعربية والتي تناقش القضايا والمشاكل التي تمس مجتمعنا، ولكن الشعب التركي هو الذي سيتأثر بالمقاطعة وسيدفع ثمن موقف رئيس دولتهم”.

من ناحيتها عبرت الفنانة القديرة سميرة أحمد عن سعادتها بالنجاح الذي حققته الدراما التركية في مصر خلال السنوات الماضية، موضحة أن مصر تفتح أبوابها أمام كل ما هو ناجح، إلا أن موقف اوردغان دفعها للاتفاق مع الدعوات التي انطلقت بمقاطعة الدراما التركية، مؤكدةً أن هذه المقاطعة بمثابة واجب وطني. وتقول “أعلم جيداً أن الشعب المصري يعشق الدراما التركية و يحب مشاهدة مسلسلاتها باستمرار، ولكن ماحدث من الرئيس التركي وموقفه الغريب من الأحداث السياسية الأخيرة التي شهدتها مصر يدفعنا لقطع كافة العلاقات بيننا و بينهم، فمقاطعة هذه المسلسلات وسيلة قوية للضغط على تركيا للتراجع عن دعمها للإرهاب في مصر.” وتضيف: “كنت على وشك تصوير مسلسل جديد يجمعني بالنجم التركي إنجين اكيورك الشهير بكريم و ذلك لإيماني بضرورة التواصل الفني بين مصر و تركيا، إلا أن ما حدث جعلني أتراجع عن هذا القرار و قمت بإلغاء التعاقد معه كرد فعل على الموقف التركي وتدخله في شئون مصر بدون وجه حق”.

القنوات الفضائية قد تتعرض لخسائر كبيرة

لكن هذا القرار له العديد من النتائج الاقتصادية على القنوات الفضائية التي تعرض المسلسلات التركية، وقد يعرضها لخسائر فادحة. الدكتور محمد هاني رئيس تحرير شبكة قنوات سي بي سي، الذي استجابت شبكته لدعوات المقاطعة، يقول: “كان لابد لنا من الإستجابة لهذه المطالب التي نادى بها الشعب المصري بأكمله وليس النشطاء السياسيين والفنانين فقط، فحبنا لبلدنا مصر وشعورنا بالولاء لها دفعنا لاتخاذ هذا القرار رغم أن الدراما التركية كانت تجلب لنا أرباحا خيالية تصل إلى عشرات الملايين سنوياً و لكن كل هذه الخسائر لم تشغلنا و كان هدفنا الوحيد تنفيذ هذا المطلب الشعبي للضغط على موقف تركيا المستفز”.
ويرى هاني أن المسلسلات التركية لا تقدم أي جديد بالعكس فهي تنقل ثقافة تبتعد تماماً عن ثقافتنا، ولكن تركيزها على القصص الرومانسية المثيرة التي تفتقدها الدراما المصرية تعد السبب الوحيد وراء نجاحها و تحقيقها لهذه الشعبية الكبير في مصر و الوطن العربي، قائلاً “أصبحنا نشتري أكثر من عشر مسلسلات تركية في العام الواحد وأعتقد أن هذا رقما كبيرا ولم تنجح أي دولة أخرى في تحقيقه، أعتقد أن المسلسلات التركية لا يمكن أن يكون لديها بديل ولكني أرى أن قرار المقاطعة سوف يصب في صالح الدراما المصرية و سيعطي المسلسلات فرصة أكبر للعرض طوال السنة و ليس فقط خلال شهر رمضان”.

“الفن لا يعرف حدودا”

عشاق الدراما التركية يتحفظون علي قرار منع عرضها. نيرمين حكيم طالبة جامعية أعلنت في بداية حديثها عن عشقها للمسلسلات التركية ورفضها للمطالب التي نادت بمقاطعتها. وتساءلت: ما هي علاقة الفن بالسياسة؟ ولماذا لدينا إصرار دائم على خلط الأمور ببعضها؟ وتقول “الغريب أن البعض يظن ان المقاطعة واجب وطني. وبالطبع أنا لا أتفق مع هذه الآراء. وأرى أنه موقف لا يدل سوى على ضعف المصريين، فنحن بهذه الطريقة نعاقب نجوم تركيا وليس اوردغان أو السياسين الأتراك أصحاب الموقف المعادي لمصر وجيشنا. كما أنني تعجبت من أن هذه المطالب خرجت من الفنانين المصريين، وأعتقد انهم يدركون جيداً أن الفن لا يعرف حدودا وليس له علاقة بلعبة السياسة”.

وتمنت حكيم تراجع الفنانيين عن هذه المطالب، وعودة  بث المسلسلات التركية مرة أخرى، خاصة وأنها تقدم  العديد من الأشياء التي تفتقدها في الدراما المصرية، وأبرزها القصص الرومانسية الجميلة والمشوقة بالإضافة إلى المناظر الطبيعية والديكورات الرائعة التي تجعل المشاهد في انتظار كل حلقة بفارغ الصبر على عكس الدراما المصرية التي لم تركز سوى على العشوائيات وتشويه صورة مصر والإساء للمصريين، حسب قولها.

“الفن لا يعترف بمصطلح المقاطعة”

علي الرغم من اتخاذ عدد كبير من الفنانيين والقنوات الفضائية المصرية طريق المقاطعة، إلا أن الناقد الفني طارق الشناوي أراد أن يسبح برأية ضد التيار ليعلن  رفضه للمطالب التي نادت بمقاطعة الدراما التركية. معتبراً أن  الفن لا يعترف بمصطلح المقاطعة خاصة وأن الفن المصري صاحب تاريخ عريق ومؤثر ودائماً ما يفتح ابوابه دائماً امام كل أشكال وأنواع الفنون سواء الأوروبية او الأمريكية دون تمييز أو تعصب.

وأضاف الشناوى “الفن غير السياسية، لا يعرف معني الحدود والخلافات السياسية، وبالتالي أرفض هذه المطالب، بل أعتقد أن نجاح الدراما التركية يدفعنا للتمسك بإستمرار عرضها على شاشات قنواتنا الفضائية المصرية والعربية وليست مقاطعتها، فهذه المطالب لا تدل سوى على تخوف النجوم المصريين من نجاح  المسلسلات التركية، ولذلك أتمنى منهم التراجع عن هذا الموقف الغريب وفصل الفن عما يحدث على الساحة السياسية”.