لم يتعاطوا السياسة يوماً، فقد كانت صور المشانق التي عُلّقت لطلبة الجامعات أيام النظام السابق حاضرة دوماً في أذهانهم، ولكن المناخ السياسي الجديد في ليبيا بعد الثورة شجع الطلاب على أن يكون لهم صوت، يعملون على أن يكون مسموعاً لدى أعلى سلطة في البلاد.

في الخامس من آب/ أغسطس الماضي خرج طلاب جامعات طرابلس بقيادة “حركة سلم” الطلابية في مظاهرة تحت عنوان “من يحاصر الشرعية لايمكن أن يحميها”، اتجهت من جامعة طرابلس إلى مقـر المؤتمر الوطني العام، وشارك فيها العديد من النشطاء والمهتمين بالحراك السياسي.

لم يتعاطوا السياسة يوماً، فقد كانت صور المشانق التي عُلّقت لطلبة الجامعات أيام النظام السابق حاضرة دوماً في أذهانهم، ولكن المناخ السياسي الجديد في ليبيا بعد الثورة شجع الطلاب على أن يكون لهم صوت، يعملون على أن يكون مسموعاً لدى أعلى سلطة في البلاد.

في الخامس من آب/ أغسطس الماضي خرج طلاب جامعات طرابلس بقيادة “حركة سلم” الطلابية في مظاهرة تحت عنوان “من يحاصر الشرعية لايمكن أن يحميها”، اتجهت من جامعة طرابلس إلى مقـر المؤتمر الوطني العام، وشارك فيها العديد من النشطاء والمهتمين بالحراك السياسي.

أراد الطلاب من خلال هذا الحراك إيصال رسالة للمؤتمر والحكومة والأحزاب، مفادها أن الشباب أيضاً سيكون له دوره الفاعل في الحراك الوطني، وأنه يشكل قوة ضاغطة على الساحة السياسية، وذلك وفق ما صرح به الطالب أيمن بحيح أحد منظمي المظاهرة حين التقاه “مراسلون”.

جيش وطني

يضيف بحيح وهو المتحدث الإعلامي باسم حركة سلم “المظاهرة تدعم المطلب الأول والرئيسي للشعب الليبي وهو بناء جيش وطني وشرطة وطنية، وذلك وعياً منا بخطورة الوضع الأمني المتردي للبلاد، وإدراكاً لاحتياجات المرحلة الانتقالية من الثورة إلى الدولة”.

مظاهرة طلاب طرابلس جاءت ضمن طيف واسع من ردود أفعال الشارع الليبي على سوء الأوضاع الأمنية والسياسية في الفترة الأخيرة، وهي بالتحديد كانت رداً على قرار رئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبوسهمين تكليف المجلس الأعلى للثوار وما يتبعه من ميليشيات مسلحة بتأمين العاصمة، وهي ذات الميليشيات التي حاصرت الوزارات في السابق لفرض قانون العزل السياسي.

هذا القرار قوبل باستهجان كبير في الشارع الطرابلسي، ورد عليه الطلبة بالتظاهر السلمي للتعبير عن رفضهم تولي مسؤولية الأمن في مدينتهم جهات وصفوها بـ “غير شرعية” ولا تتبع الحكومة أو تمثل الدولة.

وليد لحظة

الحراك في طرابلس سبقه حراك طلابي آخر في جامعات بنغازي، بتنظيم من اتحاد الطلبة هناك. تقول علياء قرقوم أحد أعضاء اتحاد الطلبة في جامعة بنغازي لـ “مراسلون” إن الاتحاد في بدايته “كان وليد لحظة غضب”، ولم يكن مخططاً له مسبقاً.

توضح علياء “بعد الأحداث الأخيرة ﻓﻲ ﺑﻨﻐﺎﺯﻱ ﻛنت وﺯملائي ﻣﺴﺘﺎئين ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺿﻊ بشكل عام، واقترحت علينا إحدى الزميلات الخروج ﻓﻲ مظاهرة ﺳﻠﻤﻴﺔ ﺗﻨﺪﺩ بالوضع الذي وصلت إليه البلاد، من تفجيرات واغتيالات وانتهاكات لحقوق الإنسان، وﻓﻲ خلال أﺳﺒﻮﻉ ﻭﺍﺣﺪ نظمنا تجمعاً يحمل ﺍﺳﻢ “طلاب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺍﻟﻮﻃﻦ” قمنا تحت مظلته بتحديد ﻣﻮﻋﺪ وأهداف الحراك الذي قمنا به فيما بعد”.

مستقل ومؤثر

تبدي علياء استيائها من محاولات الأطراف السياسية أدلجة حراك الطلبة، “كنا ﻭﺍﺿﺤﻴﻦ بعدم تبعيتنا لأي جهة كانت، وﻟﻴﺲ لنا أﻱ ﺍﻧﺘﻤﺎﺀ آﺧﺮ ﻏﻴﺮ ﺍﻧﺘﻤﺎﺋﻨﺎ إلى ليبيا، كما ﻛﻨﺎ نتمنى أن ﻳﻜﻮﻥ هذا اﻟﺘﺠﻤﻊ ﺑﺪﺍية فعلية لمشاركة الطلبة ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺍﻟﺣﺮﺍﻙ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ككيان ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻭﻣﺆﺛﺮ، ﺻﻮﺗﻪ ﻣﺴﻤﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﻦ ﻭﺑﺎﻗﻲ شرائح ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ”.

اللقاء الأول لطلبة بنغازي خارج إطار الجامعة كان ضمن المظاهرات التي خرجت تنديداً بمقتل الناشط السياسي عبد السلام المسماري نهاية تموز/ يوليو الماضي، وخلال النقاشات التي دارت أثناء التجمع تم الاتفاق على الطريقة الأفضل لحشد التعبئة الشعبية بهدف “الضغط من أجل تلبية المطالب الأساسية وأولها الأمن”، تقول علياء.

طريق طويلة

الطريق التي بدأها الطلبة للمشاركة في المشهد السياسي ستكون طويلة بطول فترة عدم الاستقرار في ليبيا، والمهام التي تقع عليهم في التواصل مع عناصر الضغط الأخرى والتنسيق ضمن الأهداف المشتركة ليست بسيطة، خاصة وأنهم قليلو الخبرة في هذا المجال.

تروي علياء لـ “مراسلون”، “قمنا بالتواصل مع بعض ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ المجتمع المدني ﻭالقنوات الإعلامية، ﻭفعلاً ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺣﺎﺿﺮﻳﻦ ﻣﻌﻨﺎ، وساعدونا في إيصال رسالتنا، ﻭﺣﺘﻰ أن ﻋﺪﺩاً ﻣﻦ الإعلاميين شاركونا التظاهر ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺴﺘﻘﻞ كطلبة، وحققنا صدى طيباً ﻓﻲ ﺍلأوساط ﺍﻟﺴﻴﺎﺳية”.

وتضيف علياء “رغم ما تعرضنا له من اتهامات بالانتماء لتيار سياسي بعينه، إلا أننا لا نبالي ومستمرون في هذا الحراك، وستكون لنا وقفات أخرى وبشكل أكثر تنظيماً وأكثر فاعلية وصدى لدى الجهات المسؤولة”.

قدرات الشباب

أيمن بحيح بدوره يتفق مع علياء ويضيف “نحن نعول على قدرات الشباب، وخاصة أنه كان ممنوعاً سابقاً من العمل السياسي، وعقوبته حبل المشنقة، كما نسعى من خلال إقحام الشباب في الحراك السياسي لتشكيل عنصر ضغط سياسي”.

ولهذا يقول بحيح فإن حركة سلم “لن تتوقف طالما هناك مطالب لم تتحقق، وستستمر بطرح مطالبها العادلة إلى أن تتحقق مطالب الشارع، ونؤكد أننا حركة مستقلة لم تتلقَ دعماً مادياً من أية جهة، وجاءت نتاج أفكار الشباب بعد اجتماعات متكررة”.

الحركة بحسب بحيح تجد صدىً كبيراً لدى الشارع، وهذا يظهر من “حجم التواصل والتأييد الذي حظيت به، وكذلك الهجوم الكبير عليها بعد المظاهرة”، ولا يفوته الإشارة إلى أن الشباب والشابات داخل الحركة لديهم توجهات مختلفة، لكن ما جمعهم هو “المطلب الأول لأي مواطن ليبي يريد دولة ليبيا الديمقراطية المدنية الحديثة”، يقول أيمن.

طلابي لا حزبي

المحامي والناشط الحقوقي والسياسي سمير الشارف يبدي تفاؤلاً كبيراً بهذا الحراك، ويؤكد لـ “مراسلون” أهمية مشاركة الطلاب على صعيد السياسة فيقول “الحراك الطلابي المطلبي هو جزء من الحراك الشعبي، بل هو وقوده في مواجهة تعسف السلطة وفسادها، لما لشريحة الطلاب من أهمية ضمن مكوّنات المجتمع”.

ويضيف الشارف أن شريحة الطلاب هي “من المفترض أنها الشريحة الواعية التي تتسم بحيوية الشباب والتطلع نحو المستقبل، وهي مولودة من رحم الجسم الطلابي وليس من رحم الجسم الحزبي المشبع بالأهواء والمصالح الشخصية، ومن ثم فهي تعد من أهم مكوّنات المجتمع المدني الضاغط على السلطة بكونه جزء من الحركة النقابية عامة”.

وبالعودة إلى التاريخ يؤكد الشارف أن “الحركة الطلابية لعبت دوراً هاماً في ليبيا حين كانت تتقدم حركة الرفض والتمرد، وذلك في عهد المملكة وعهد القذافي من بعدها، وهنا تجدر الإشارة إلى ما فعله القذافي بالقضاء على الحراك الطلابي في طرابلس وبنغازي كي يتمكن من الانفراد بالسلطة، ولإدراكه أهمية وقوة هذا الحراك قام بإعدام الطلبة المتمردين على مدار سنوات أمام شاشات التلفاز، محاولاً قتل روح النضال وإفشال أي تحرك شبابي ضده”.

أما ما يحدث في هذه الأيام يقول الشارف من “تأسيس حركة سلم الطلابية وخروجها للتظاهر السلمي بمطالب هي جلها مطالب الشعب، أمر أراه في الاتجاه الصحيح نحو تشكل المجتمع المدني الضاغط والفاعل، ولأول مرة بعد الثورة نشهد بروز هذه الحركة النقابية من شريحة الطلاب، والتي نأمل تناميها وتحصّنها من الاختراقات الحزبية الضيقة أياً كان توجهها، لتحافظ على نقائها المطلبي بعيداً عن أهواء الساسة”.

هي إذاً بادرة نحو تشكل عنصر سياسي قد يكون له تأثيره الكبير في المشهد، فشريحة الطلاب بمميزاتها العمرية والعددية لا تشبهها أي شريحة أخرى مهما كانت منظمة، وإن كان العامل التعليمي التثقيفي يبقى عائقاً لا ينبغي تجاهله في مجتمع عاني سنوات من التجهيل والعزلة.