كل صباح يمتطي الطفل محمد المبروكي حماره الأليف من أمام منزله متجها نحو منطقة بعيدة لجلب الماء الصالح للشرب. في انتظار العودة إلى مقاعد الدراسة قريبا، في مدرسة القطع (بإضافة نقطة على القاف) التابعة لولاية قفصة بالجنوب التونسي حيث يواصل تعليمه الأساسي بصحبة شقيقته.

[ibimage==9349==Small_Image==none==self==null]

CAPTION TEXT

مدرسة بلا زملاء

كل صباح يمتطي الطفل محمد المبروكي حماره الأليف من أمام منزله متجها نحو منطقة بعيدة لجلب الماء الصالح للشرب. في انتظار العودة إلى مقاعد الدراسة قريبا، في مدرسة القطع (بإضافة نقطة على القاف) التابعة لولاية قفصة بالجنوب التونسي حيث يواصل تعليمه الأساسي بصحبة شقيقته.

[ibimage==9349==Small_Image==none==self==null]

CAPTION TEXT

مدرسة بلا زملاء

لم تبلغ مها بعد الثامنة من عمرها، وهي تدرس في الصف الثاني من التعليم الأساسي. لكن العودة المدرسية لا تعني لها الشيء الكثير، ففرحة لقاء الأصدقاء لم تعشها بعد. لا أصدقاء لها، بل إن صديقها الوحيد هو شقيقها محمد الذي أصبح في الفصل الخامس.

يقول محمد لـ “مراسلون”، “منذ سنتين ادرس فقط مع شقيقتي في مدرسة القطع ويشرف على تدريسنا إطار تربوي يتكوّن من مدرّسين اثنين وسيدي المدير”.

تقع المدرسة على الحدود التونسية الجزائرية وتتبع منطقة القطع إداريا معتمدية أم العرائس في محافظة قفصة. يقطنها حاليا قرابة  20 عائلة، بعد أن اضطر بقية سكانها إلى النزوح إلى مدينة أم العرائس المجاورة حتى يتمكن أبناؤهم من مواصلة الدراسة في مرحلة التعليم الثانوي.

محمد بن بلح بن علي مبروكي هو أحد سكان المنطقة الذي وجدناه هناك، أتى ليتفقد أشجار الزيتون القريبة من المدرسة والتي تركها مكرها، حيث غادرها في اتجاه مدينة أم العرائس بهدف تمكين أبنائه من متابعة تعليمهم الثانوي.

يقول محمد بن علي المبروكي،  ”منذ أكثر من خمس سنوات وعندما أنهى احد أبنائي مرحلة التعليم الابتدائي (الاساسي)، وجدت نفسي مضطرا لمغادرة هذه القرية ليواصل دراسته الثانوية”. ويضيف أنه قام بتسجيل أبنائه الصغار بإحدى المدارس الابتدائية بالمدينة، مثلما يفعل كل سكان القرية وهم مكرهون على ترك أراضيهم الفلاحية التي كانت تؤمن لهم على الأقل حاجياتهم المهنية.

قسم لا يتسع إلا لهما

رافق “مراسلون” الطفل محمد المبروكي وشقيقته مها إلى المدرسة الابتدائية وقد استقبلنا الحارس. ودون أن يترك لنا مجالا لطرح السؤال، وظنا منه أننا من الحكومة بادرنا بالقول “منذ التسعينات وأنا أعيش العوز والفقر، والأرض التي بنيت فوقها المدرسة  هي ملكي أنا. كنت آمل أن تقع تسوية وضعيتي المهنية، لكني مازلت أنتظر الى هذا اليوم”.

قاعة الدروس صغيرة جدا، مساحتها لا تتسع لأكثر من محمد ومها، كأنها بنيت خصيصا لهما. يقول الحارس “المدرسة في الحقيقة هي عبارة عن قاعة وحيدة وقع تقسيمها إلى ثلاث غرف “.

شارد الذهن تجوّل محمد ممسكا بيد شقيقته في ساحة المدرسة. ويتمنى مع بدء المدرسية ان يكون له أصدقاء يدرسون معه هذا العام لتكون بينه وبينهم منافسة.

 وما يزعج التلميد محمد أنه “مهما كان معدلي، فأنا الأول في القسم وكذلك الحال بالنسبة لشقيقتي مها، وهو أمر لا يشجّع على الدراسة”. ويأمل محمد أن يلتحق به زملاء له في الدراسة لان والده لا يقدر على مغادرة القرية لإكمال دراسته الثانوية.

يعمل والد محمد ومها، بإدارة الغابات، وهو أب لستة أولاد. يقول لـ “مراسلون”، “حتى لو توفّرت لي الإمكانيات المادية للانتقال إلى المدينة فإن مهنتي كحارس غابات، تفرض عليّ البقاء هنا في هذه المنطقة الحدودية، وهو ما يعني أن ابني سيكون مضطرا للانقطاع عن الدراسة للأسف”.

على الدولة توفير حافلة

الصادق المبروكي، أستاذ تاريخ ينحدر من المنطقة نفسها يرى أن الحل لمشكلة المدرسة والأهالي هو “أن توفّر الدولة وسيلة نقل جماعية تؤمن رحلة يومية بين هذه المنطقة ومدينة أم العرائس، ومع حفر آبار عميقة سيكون بالإمكان إعادة من نزحوا إلى المناطق المجاورة، وسيتمكن أطفال القرية من الالتقاء مجددا والدراسة معا في هذه المدرسة “.

يتمنى “محمد” أن تطول عطلة الصيف أكثر، ليس نفورا من الدراسة، بل هو يخشى أن يغادر أبناء عمومته وجيرانه القرية من جديد بعد أن عادوا إليها مع نهاية الموسم الدراسي الماضي لقضاء العطلة في الريف بعيدا عن صخب المدينة.

معتز مبروكي، غادر مدرسة القطع منذ سنتين، بعد أنهى دراسته الابتدائية، ليستقر في مدينة أم العرائس مع عائلته التي تسعى جاهدة لضمان ظروف ملائمة لدراسته. يقول لـ “مراسلون” انه لو كان الاختيار بيده لاختار حياة الريف فالمدينة لم تغريه. وبالنسبة اليه لا فرق بين مدينة أم العرائس أو ريفها، وانما الفرق يكمن في كثرة الضجيج في المدينة وخاصة صوت قطار الشحن الذي يعبر وسط المدينة محملا بالفسفاط .

تكلّف المدرسة الابتدائية بعين القطع ميزانية وزارة التربية قرابة 50 الف دينار سنويا (حوالي 32 ألف دولار)، كرواتب شهرية للإطار التربوي المتكوّن من ثلاثة يضاف إليهم حارس المدرسة.

[ibimage==9352==Small_Image==none==self==null]

CAPTIONS NEEDED !!!

إهدار للمال العام

علي مبروكي، موظف من هذه المنطقة ولكنه غير مستقر بها، يقول انه لا فائدة ترجى من تخصيص خمسين ألف دينار في السنة ويرى أن الحل الأفضل هو أن  تخصص الدولة هذا المبلغ لشراء حافلة تؤمّن رحلة تلاميذ القرية “بدل إهدار المال العام”، وفق تعبيره.

“مراسلون” اتصلت بالمندوب الجهوي، المساعد المكلف بالتعليم الأساسي بقفصة السيد، قليعي بلقاسم،  والذي أوضح  أن “وزارة التربية ليست الجهة الوحيدة المطالبة بحل مشكلة مدرسة القطع أو بتوفير حافلة نقل لتمكين تلامذة المنطقة من الدراسة في مدينة أم العرائس”. بل اعتبر أن هذه المسألة هي مسؤولية أكثر من وزارة أخرى. وأضاف، بدلا من اتهام وزارة التربية بالتقصر، فإن “المصاريف التي تخصص لمدرسة القطع  تحسب لها”.

يمنّي الطفل محمد نفسه بالنجاح في دراسته ويحلم بأن يكون أستاذ تعليم ثانوي. أما شقيقته “مها” فهي تأمل أن تكون طبيبة، وكأنها استشعرت أهمية هذه المهنة من المستوصف المجاور لمدرستها والمغلق منذ سنوات.