في تونس البلد الذي عاش في ظل نظام علماني منذ الاستقلال، انحاز الجيش التونسي بشكل إيجابي إلى جانب المتظاهرين، وتصرف بمهنية عالية وهو يحميهم من قوات الأمن، ثم ابتعد عن الاستقطاب السياسي وانصرف لتنفيذ مهامه، وهي حماية التراب الوطني، وحماية السلم الاجتماعي، وحماية الدستور، لذلك تبدو الحالة في تونس أكثر صحية من جميع البلدان التي عصفت بها رياح التغيير العنيف.

في تونس البلد الذي عاش في ظل نظام علماني منذ الاستقلال، انحاز الجيش التونسي بشكل إيجابي إلى جانب المتظاهرين، وتصرف بمهنية عالية وهو يحميهم من قوات الأمن، ثم ابتعد عن الاستقطاب السياسي وانصرف لتنفيذ مهامه، وهي حماية التراب الوطني، وحماية السلم الاجتماعي، وحماية الدستور، لذلك تبدو الحالة في تونس أكثر صحية من جميع البلدان التي عصفت بها رياح التغيير العنيف.
في مصر انحاز الجيش إلى جانب المتظاهرين بشكل سلبي، فلم يبذل جهدا واضحا في حماية المتظاهرين من قوات الأمن ومن البلطجية، وعندما رأى أن النظام سينهار حتما أصدر بيانه الأول، وضغط على حسني مبارك من أجل التنحي، وكان الجيش يرى أنه من الأفضل التضحية بالرئيس من أجل إنقاذ النظام، وليس ذلك بمستغرب من جيش تورط في السياسة منذ عام 1952، ولم يتخل عن السلطة منذ ذلك الحين، وحتى إذا فصلنا بين مؤسسة الرئاسة التي يعتليها عسكري سابق، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي استلم السلطة بعد رحيل مبارك، فإن المصالح الاقتصادية والاستراتيجية المتراكمة، وخاصة منذ اتفاقية كامب ديفيد، وبداية المعونات العسكرية الأمريكية للجيش المصري، أصبح لهذا الجيش مصالح اقتصادية واستثمارية كبيرة جدا، تجعله أشبه بدولة داخل الدولة، وهي مصالح تجبره على التدخل في كل الشئون سواء كان يقوده محمد طنطاوي أو عبد الفتاح السيسي أو أي جنرال آخر.
في ليبيا لم يكن هناك جيش محترف ليتدخل بشكل إيجابي أو سلبي، منذ أن تعمد القذافي تدمير ذلك الجيش في تشاد، بعد سيل من المحاولات الانقلابية، وعندما تشكلت كتائب الثوار خلال التحرير أو بعده، حاولت كل التيارات السياسية في البلاد أن يكون لها اليد العليا على هذه الكتائب المسلحة، وأخيرا وصلت إلى حالة من توازن الرعب وخاصة في طرابلس.

أما في شرق ليبيا فقد تمكنت الجماعات الإسلامية من فرض سيطرتها، وجعلت التيارات المدنية التي أشعلت الثورة تحت رحمتها، وبالرغم من خسارة جماعة الإخوان المسلمين للانتخابات لصالح تحالف القوى الوطنية، إلا أن أذرعها العسكرية، وتحالفاتها مع المستقلين داخل المؤتمر جعلت من فوز تحالف القوى الوطنية مجرد فوز رمزي.
في مصر تصرف الإخوان بغباء شديد في أول فرصة لهم لحكم البلاد منذ ظهورهم المفارق عام 1928، فبدلا من العمل على طمأنة جميع القوى المناوئة، عملوا دون هوادة على إقصاء الجميع والاستئثار بكل مفاصل السلطة، وهم يعلمون أن الدولة العميقة التي تركها مبارك خلفه ستقاومهم بشدة. نسوا القوات المسلحة بكل جبروتها ومصالحها المتشابكة. نسوا قوات الأمن التي لم تنفذ أمرا واحدا أصدره الرئيس المنتخب محمد مرسي، ونسوا جهاز القضاء بتقاليده البيروقراطية العجيبة، وفي النهاية استعدوا جميع السلطات الحقيقية، واحتفظوا بسلطة رمزية ممثلة في رئيس منتخب، وحكومة غير فعالة لأن كل قراراتها تحولت إلى حبر على ورق.
كان الأفضل للإخوان أن يتخلوا عن الانتخابات الرئاسية، ويدعموا مرشحا من خارج صفوفهم حتى وإن كان قريبا لهم من الناحية الإيديولوجية، لكنهم كانوا أشبه بالصائم دهرا ينتظر أذان المغرب منذ عام 1928، كما أن الإخوان لم يتخلوا عن نظرة المؤسس حسن البنا، ولم يجروا أي تحديث في منظمتهم التي تحولت إلى ما يشبه المحفل الماسوني، أكثر من كونها منظمة سياسية لها رؤية محددة وبرنامج سياسي واضح.
ومع ذلك لن تستطيع القوات المسلحة إلغاء الإخوان، مثلما لم يستطع الجيش التركي إبعاد الإسلاميين بالكامل عن السياسة بالرغم من انقلاباته الثلاثة، وقد تكون نتيجة الانقلاب العسكري في مصر أشبه بآخر انقلاب في تركيا، يعجل بإبعاد العسكريين عن السياسة، ولكنه سيجبر أيضا التيارات الإسلامية على القبول بلعبة السلطة والديمقراطية، وقد تجبر هذه الضربة الموجعة شباب الإخوان عن الانشقاق عن شيوخهم، وتأسيس حزب يشبه حزب أردوغان في تركيا، الذي لا يكف عن تذكير الجميع بأنه حزب علماني، بينما يدفع العسكريين إلى الأبد نحو ثكناتهم.