تعددت المبادرات واختلطت الوساطات في الساحة السياسية التونسية، للخروج من الازمة التي تمر بها البلاد منذ أسابيع. وفي المقابل توسعت مظاهر الأزمة التي مست مفاصل المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ولم يسهم إعلان زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي القبول بمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، كمنطلق للحور الوطني، في تحريك المشهد التفاوضي كثيرا. بل إن المعارضة رأت في إعلان الغنوشي، مجرد مناورة لربح الوقت، لا تنم عن  قناعة ووعي الحزب الحاكم بقبول مطالب المعارضة التي تتوحد حولها المنظمات الوطنية وأغلب الأحزاب السياسية.

تعددت المبادرات واختلطت الوساطات في الساحة السياسية التونسية، للخروج من الازمة التي تمر بها البلاد منذ أسابيع. وفي المقابل توسعت مظاهر الأزمة التي مست مفاصل المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ولم يسهم إعلان زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي القبول بمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، كمنطلق للحور الوطني، في تحريك المشهد التفاوضي كثيرا. بل إن المعارضة رأت في إعلان الغنوشي، مجرد مناورة لربح الوقت، لا تنم عن  قناعة ووعي الحزب الحاكم بقبول مطالب المعارضة التي تتوحد حولها المنظمات الوطنية وأغلب الأحزاب السياسية.

الأطراف الكبرى المؤثرة

ثلاثة أطراف كبرى تؤثر الآن في المشهد العام في تونس؛

أولا: أحزاب الترويكا الحاكمة (حركة النهضة الإسلامية والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل) ومعها عدد من الأحزاب الصغيرة والجمعيات التي برزت بعد ثورة 14 جانفي. هذا التحالف هو الذي يسيطر على السلطة التنفيذية (الحكومة ورئاسة الجمهورية) وله أغلبية في المجلس الوطني التأسيسي.

ثانيا: المعارضة التي تشكلت في “جبهة الإنقاذ” وهي تحالف بين “الجبهة الشعبية” (تحالف يساري وقومي عربي) والاتحاد من أجل تونس (تحالف بين أحزاب وسطية).

ثالثا: المنظمات الوطنية وهي الاتحاد العام التونسي للشغل ( نقابة العمال) واتحاد الصناعة والتجارة (نقابة الأعراف) والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والهيئة الوطنية للمحامين.

ويعتقد مراقبون أن أي مخرج من الأزمة الراهنة لن يمر غلا من من خلال التوافق بين هذه الأطراف الثلاثة حول خريطة طريق واضحة تحدد المواعيد (الانتخابات) و تضبط الآليات. لكن هذا التوافق مازال الى اللحظة غائبا ولم تنجح سلسلة المفاوضات في تحريكه، رغم أن الجميع يرفع شعار الوفاق والحوار.

التباين في المبادرات

التباين البارز بين الأطراف المؤثرة في العملية السياسية هو حول البدائل للخروج من هذه الأزمة. حركة النهضة (العمود الفقري للترويكا الحاكمة) تعتقد ان انتخابات 23 تشرين أول/ أكتوبر 2011 منحتها شرعية انتخابية، وان الحلقة الأساسية في أي مفاوضات هي الموقف من الشرعية، لذلك ترفض دعوات حل المجلس الوطني التأسيسي، مُعتبرة أن المخرج هو عدم المساس بالمؤسستين التشريعية والتنفيذية. وتذهب إلى أبعد من ذلك من خلال التأكيد أن أي مس بالمؤسسات التي أفرزتها انتخابات أكتوبر هو انقلاب على الشرعية.

أما تحالف المعارضة “جبهة الانقاذ” فبديله هو حل المجلس الوطني التأسيسي وكل المؤسسات المنبثقة عنه أي رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، ثم تشكيل حكومة كفاءات وطنية غير متحزبة ومحدودة العدد تسير البلاد فيما تبقى من المرحلة الانتقالية وتعد للانتخابات المقبلة الى جانب تكليف هيئة خبراء تتكفل بإتمام صياغة الدستور .

ويستند تحالف المعارضة في رؤيته هذه على ان شرعية المجلس الوطني التأسيس 2011) ولكونه اصبح جزء من المشكلة لبطئه وتحوله الى سلطة تشريعية على حساب مهمته التأسيسية ي سقطت لتجاوزه المدة المحددة له (سنة واحدة حسب المرسوم المنظم لانتخابات 23 اكتوبر وهي المهمة الاصلية.

وتعتبر أيضا أن الشرعية سقطت عن حكومة الترويكا بعد الاغتيال السياسي الذي استهدف محمد البراهمي وتوسع رقعة الخطر الارهابي في تونس الى جانب عجز الحكومة عن تحقيق تقدم في الملفات الاقتصادية والاجتماعية و الامنية.

فيما تعتبر المنظمات الوطنية (تُعرف بالمنظمات الراعية للحوار الوطني) وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل أن المخرج هو الحفاظ على المجلس الوطني التأسيسي باعتباره سلطة شرعية منتخبة، لكن مع تحديد مهامه في اتمام صياغة الدستور واتمام انتخاب الهيئة المستقلة للانتخابات واعداد المجلة الانتخابية وبقية النصوص التأسيسية في وقت مضبوط، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية تحل مكان الحكومة السياسية الحالية التي يرأسها السيد علي العريض.

هذه هي التباينات البارزة بين أهم المبادرات المطروحة للخروج بتونس من عنق الأزمة وحولها تدور سلسلة المفاوضات دون تسجيل تقديم ملحوظ باستثناء التصريحات المتفائلة حينا و”المتشائلة” في أحيان أخرى.

الصعوبات في المفاوضات

السؤال الذي يطرح: ماهي الصعوبات التي تعيق الوصول الى توافق بين هذه الأطراف وخاصة بين حركة النهضة الاسلامية من جهة وبين تحالف المعارضة والمنظمات الوطنية من جهة أخرى باعتبار التقاطع الواضح بين مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل و تحالف أحزاب المعارضة ( الخلاف حول نقطة حل المجلس التأسيسي من عدمه).؟

ثمة عدة صعوبات حزبية وأخرى موضوعية مازالت تقف حجرة عثرة أمام الخروج بخطوة توافقية من هذه الصعوبات :

أولا:التباين الكبير في تقييم خطورة الأزمة وتداعياتها، حركة النهضة تُصرّ أن لا تعيش أزمة إنما فقط بعض الصعوبات مردها أداء المعارضة والنقابات التي تعرقل الإنتاج والدورة الاقتصادية، والإعلام غير المحايد، والثورة المضادة المتحالفة مع الإرهاب الذي يربك الوضع العام في البلاد.

وتؤكد الحكومة أنها حققت تقدما في انجاز أهداف الثورة مستندة في ذلك إلى أرقام المعهد الوطني (تونسي) للإحصاء الذي نشر مؤخرا ان نسبة النمو المحققة خلال السداسية الأولى من سنة 2013 بلغت نحو 3 بالمائة، وبالتالي (من وجهة نظر حركة النهضة) ليس هناك من داع لحل الحكومة الحالية، أما المجلس الوطني التأسيسي فترى أنه تقدم في أشغاله بنسبة 90 بالمائة ولم تبق له إلا بعض الملفات المحدودة، فلماذا (من وجهة نظر النهضة) العودة الى النقطة صفر .

هذا التقييم ترفضه المعارضة والمنظمات الوطنية وتعتبر أن الأزمة في تونس عميقة مستندة إلى تقارير المنظمات والهيئات الدولية والى أراء الخبراء المحليين إلى جانب تقديرات منظمة الأعراف ومنظمة العمال حول عمق الازمة الاقتصادية والاجتماعية، وتعتبر أن حركة النهضة والحكومة بصدد مغالطة التونسيين من خلال أرقام غير واقعية .

ثانيا: حركة النهضة تنظر الى معارضيها الذين يعتبرون ان حكومة الترويكا فشلت في ادارة البلاد على انهم انقلابيون يخططون “سرا وعلانية” للانقلاب عليها وعلى الشرعية الانتخابية. فيما تعتبر المعارضة أن الشرعية الانتخابية هي تفويض شعبي لانجاز مهام محددة فشلت فيها حركة النهضة والحكومة، وأن حركة النهضة بتمسكها  برمزية نتائج انتخابات 23 اكتوبر 2011 هي تحاول أن تلغي نحو سنتين من ادارتها للبلاد وما يفرضه من تقييم، سنتان (حسب المعارضة) من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية  تكاد تلحق تونس بالدول الفاشلة.

والى جانب هذين العاملين فإن حركة النهضة تعتقد انها مستهدفة لإخراجها من الحكم من طرف “التيارات العلمانية المعادية للإسلام” وهذا العنوان تحاول في عديد المناسبات ابرازه لكسب عطف الفئات الشعبية  لكن يبدو أنه لم يعد يلق الصدى بسبب رفض التونسيين تقسيمهم بين “مؤمنين وكفار”.

مناورات المفاوضات

المفاوضات غير الحوار، فهي لا تستند الى قوة الحجة بل الى موازين القوى والقدرة على استغلال ثغرات الطرف المقابل وخاصة الى المناورة، وهو ما تحاول الاطراف المتدخلة في العملية التفاوضية ممارسته  خاصة حركة النهضة التي يذهب عديد المراقبين في تونس أنها أكثر الأطراف مناورة لتحقيق أهدافها. فهي التي ناورت لإجهاض مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل حول الحوار الوطني (مبادرة 16 أكتوبر 2012) وهي التي ناورت لإجهاض مبادرة حكومة كفاءات وطنية الي طرحها رئيس الحكومة الأسبق وأمينها العام حمادي الجبالي بعد اغتيال شكري بلعيد يوم 6 شباط/ فيفري 2013 ، وهي مبادرات كان يمكن أن تجنب تونس ما تعيشه اليوم من تجاذبات ومصاعب وأزمات.

ناورت حركة النهضة بعد اغتيال محمد البراهمي (25 تموز/ جويلية 2013) وتوسُّع رقعة المنادين بحل الحكومة، فاتجهت الى تجييش الشارع يوم  2 آب/ أوت 2013  لتقول إن شرعيتها الانتخابية مسنودة بشرعية شعبية، فتم الرد عليها من طرف المعارضة يومي 6 و13 من الشهر نفسه بمسيرتين ضخمتين شارك فيهما مئات الآلاف، مما دفع حركة النهضة للتراجع عن خيار الشارع، بل وطالب قياديوها بإبعاد الشارع عن أي تجاذب سياسي .

وناورت حركة النهضة بالتلويح أن خروجها من الحكم وحل الحكومة الحالية يعني الفراغ والفوضى والدخول في أزمة جديدة، فتم الرد أن خريطة الطريقة مضبوطة من ناحية المهام والتوقيت، فاختارت المناورة لاختراق جبهة المعارضة والمنظمات الوطنية (اللقاء الذي جمع مؤخرا السيد راشد الغنوشي بالسيد الباجي قائد السبسي) اعتقادا منها أن من شأن ذلك أن يُضعف ويربك خصومها، لكن يبدو ان محاولة الاختراق لم تنجح ويظهر ذلك على الاقل من خلال تمسك جبهة الانقاذ و المنظمات الوطنية بأهدافها.

وناورت أيضا بالإعلان عن قبولها بمبادرة الاتحاد التونسي للشغل كمنطلق للحوار الوطني مقدمة هذا القبول بأنه تنازل من ناحيتها، لكن تم رفض هذه الخطوة ومطالبتها بضرورة الإعلان عن حل الحكومة الحالية كشرط أساسي لانطلاق الحوار الوطني.

المراقبون في تونس يفسرون فشل النهضة في مناوراتها في التعاطي مع الأزمة الراهنة إلى  أن النهضة فقدت أغلب الأوراق إلي تناور بها وفقدت ثقة المجتمع السياسي و المدني لاعتمادها دائما اسلوب الالتفاف و افراغ المبادرات من محتواها الحقيقي بما يخدم أهدافها وأيضا الى الخبرة التي اكتسبتها  المعارضة منذ اغتيال شكري بلعيد، وهو ما سيدفع حركة النهضة لتقديم تنازلات تُسقط خطوطها الحمراء في التفاوض.

وما يؤكد هذا الاعتقاد ان انشغال حركة النهضة بالمناورة ضد جبهة المعارضة جعل شريكاها في الحكم أي حزبي التكتل و المؤتمر من أجل الجمهورية يبتعدان عنها نسبيا، يظهر ذلك من خلال عديد المؤشرات منها دعوة المجلس الوطني لحزب التكتل المنعقد يوم 18 آب/ أوت الى تشكيل حكومة غير حزبية، وأيضا عدم توقيع الحزبين على بيان 13 أوت الذي اصدرته حركة النهضة مع عدد من الأحزاب ويتضمن رؤية هذه الاحزاب للمخرج من الازمة.

ويرى المراقبون ان هذه الأزمة عمقت من عزلة حركة النهضة السياسية و الاجتماعية و هو ما قد يدفعها لتقديم تنازلات في الفترة المقبلة ربما هي الآن بصدد البحث عن الغطاء لها ما يحفظ لها ما الوجه.