عامٌ مر على انتخاب المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا، أول سلطة تشريعة جاءت بعد سقوط نظام العقيد، وأوكلت لها العديد من المهام، لعلَّ أهمها انتخاب هيئة تأسيسية لكتابة الدستور وطرحه للاستفتاء، وبذلك تحديد شكل الدولة وتسليم مقاليد الحكم لسلطة غير انتقالية، لكنه بحسب عديد من المراقبين، يصلح هذا العام لأن يسمى “عام إخفاق البرلمان”.

عام حافل

عامٌ مر على انتخاب المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا، أول سلطة تشريعة جاءت بعد سقوط نظام العقيد، وأوكلت لها العديد من المهام، لعلَّ أهمها انتخاب هيئة تأسيسية لكتابة الدستور وطرحه للاستفتاء، وبذلك تحديد شكل الدولة وتسليم مقاليد الحكم لسلطة غير انتقالية، لكنه بحسب عديد من المراقبين، يصلح هذا العام لأن يسمى “عام إخفاق البرلمان”.

عام حافل

بدأ البرلمان أولى جلساته في آب/ أغسطس الماضي في مناقشة لائحته الداخلية، التي أثارت بنود الرواتب والحوافز، حيث أقر أعضاء المؤتمر لأنفسهم رواتب عالية نسبة إلى دخل المواطن، أثارت غضب الشارع والإعلام الليبي

ولم تمضِ فترة وجيزة حتى بدأ التيار الإسلامي داخل المؤتمر بالدعوى إلى الخوف من غضب الله لوجود النساء بينهم.

وبين المصادقة على حكومة وإسقاط أخرى، قُبض على عضو برلماني في حالة سكر، وأحيل إلى سراي النيابة قبل أن يفرج عنه بدعوى أن الجهة التي قامت بإلقاء القبض عليه غير شرعية.

استقالات وعزل

تجاذبات وصراعات حالت دون إنجاز أي شيء يذكر، سوى القرار رقم 7 الذي دوهمت بسببه مدينة بني وليد، والذي اتُهم على إثره المؤتمر الوطني العام بالخضوع الفعلي لسلطة الميلشيات، والتي كانت تحرض على اقتحام المدينة لمطاردة “الأزلام”.

التجاذبات الحزبية التي بدأت تستخدم قوة المليشيات، وسيطرة الأخيرة على زمام الأمور، استدعت استقالة عضو برلماني بارز، كان قد عرف عنه مقارعته لنظام العقيد طوال حياته، وهو حسن الأمين ابن مدينة مصراتة، الذي أعلن في بيان استقالته في آذار/مارس الماضي أنه عائد إلى “أصقاع الأرض” حيث كان معارضاً، وأن مسيرته في المعارضة لم تنتهِ بعد. ليسافر بعدها محمد المقريف – الرئيس السابق للبرلمان – في رحلة طويلة في نيسان/أبريل، شُغل على إثرها المؤتمر بالقبض على أتباع القذافي، أمثال عبدالله السنوسي، ومساومات كانت من ضمن مهام السلطة التنفيذية.

وفي غفلة من الشارع أُقر مشروع قانون العزل السياسي، بعد أن حوصرت الوزارات ومقر البرلمان مرات متتالية، وهُدد النواب بالقتل وكذالك الوزراء.

تجميد عضويات

كل هذه الإخفاقات حالت دون استمرار رئيس المؤتمر الوطني العام في عمله، فمعارضة الرجل لنظام العقيد بكل ما أوتي من قوة طيلة عقود، لم تشفع له عند معارضيه الذين هددوه بالعزل بسبب ترأسه لديوان المحاسبة فترة السبعينات، فتقدم باستقالته في أيار/ مايو.

لم يمر شهر حتى انتخب المؤتمر رئيساً آخرَ له، هو الأمازيغي نوري أبو سهمين، ليبدأ المؤتمر في مباشرة عمله من جديد.

وبعد حوالي عام على انتخابه، أجاز المؤتمر الوطني العام في تموز/ يوليو 2013 قانون انتخاب الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور، وجاء التصويت عليه بعد فترة من ممارسة المؤتمر للسلطة. فترة وصفت على لسان العديد من المراقبين بالمتخبطة.

فقبل التصويت على هذا القانون كان المؤتمر يمر بأيام عصيبة شهدت استقالات نواب من مختلف التوجهات، وتهديدات متكررة لتجميد عضوية كتل بأكملها.

السُنة التي سنها تحالف القوى الوطنية المحسوب على التيار الليبرالي، والذي أعلن في بيان له عن تجميد عضوية كتلة التحالف بأكملها داخل البرلمان، والتي تبلغ حوالي 39 عضواً من أصل 200، سار عليها المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، الذي هدد وتوعد هو الآخر بانسحاب كافة النواب الأمازيغ إن لم تتم دسترة لغتهم، متجاهلاً أن مقعد رأس البرلمان يشغله أمازيغي.

يوم فاصل

وسط كل هذه الإشكالات كان على المؤتمر أن يصوت على قانون انتخاب هيئة كتابة الدستور، ما دفعه إلى نشر دعوة عبر صفحته على فيسبوك تحث النواب على حضور جلسة الثلاثاء 16 تموز/يوليو للأهمية، وطالبهم بعدم التخلف عن إنجاز هذا الاستحقاق.

صباح الثلاثاء حضر من حضر وتغيب من تغيب، وبدأ النهار باستقالة النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني، الدكتور جمعة عتيقة، الذي أكد في بيان استقالته أن قراره لا رجعة فيه، وأنه يَعتبر نفسه مستقيلاً من ساعته وتاريخه مستبقاً قبول أو رفض استقالته، وهذا الموقف لم يكن مفاجئاً من الرجل الذي اختار خروجاً مشرفاً على غرار المقريف، حيث كان سيطالهما قانون العزل السياسي عاجلاً أم آجلاً.

منتصف النهار أقر المؤتمر قانون انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، منجزاً بذلك مهمة رئيسية من صلب اختصاصه بعد فترة من الفوضى في الأداء، وقد حدد القانون شكل الهيئة واختصاصاتها، حيث تتكون من 60 مقعداً منها 10% للمرأة ومثلها للأقليات، معتمداً النظام الفردي في الانتخابات.

إلا أن هذا الإقرار أثار موجة من الاعتراضات على رأسها مطالب الأمازيغ، الذين لم يستجب المؤتمر لدسترة لغتهم، ما دفعهم للتصعيد في احتجاجهم وإعلانهم مقاطعة انتخابات الهيئة التأسيسية، ومطالبة الأعضاء الأمازيغ بتجميد عضوياتهم، بحسب بيان تنسيقية “توماست” لمؤسسات المجتمع المدني الأمازيغي الذي صدر عقب قرار المؤتمر الأخير.

ثغرات أمنية

في الوقت الذي كادت فيه مشكلة ترسيم اللغة الأمازيغية أن تعصف بوحدة التراب الوطني، سجل التاريخ اغتيال أول سياسي ليبي- فالاغتيالات المستمرة التي كان يشهدها شرق البلاد، كان يخفف من وقعها لدى الشارع إلحاق صفة ضابط سابق في الأمن الداخلي بأي شخصية يتم استهدافها- غير أن استهداف المحامي عبد السلام المسماري في وضح النهار أمام أصدقائه شكل الفصل فيه تحدياً جديداً أمام المؤتمر الذي لم ينجح في اجتياز جلّ التحديات السابقة.

ومع تطاول المدة التي أضحت غير محددة لهذه الفترة الانتقالية، سيكون على المؤتمر أن يحلحل عقد تراكمات ما يزيد على سنتين من الإهمال، وعدم إنجاز أي شيء يذكر على صعيد تسيير الحياة اليومية للمواطن، فمن مشاكل الكهرباء إلى مشاكل تصدير النفط وإقفال الموانئ الذي بات أسلوباً شائعاً لدى سكان المدن القريبة منها لفرض مطالبهم، فضلاً عن الثغرات الأمنية والاشتباكات التي تتوقف في مكان لتندلع في آخر.

ربما لم ولن تصل ليبيا مرحلة يترحم فيها المواطنون على أيام القذافي، ولكنها وصلت بلا شك مرحلة التذمر الشديد من الوضع السياسي القائم، والقبول بكل ما من شأنه تغيير هذا الوضع، عل التغيير يقود إلى حال أفضل.