تعرضت رضوى مطول، طبيبة الباطني بمركز طبرق الطبي مطلع حزيران/يونيو الماضي للاعتداء اللفظي والجسدي من قبل عائلة إحدى المريضات، التي وصلت إلى المستشفى في مرحلة متأخرة من المرض أدت لمفارقتها الحياة بعد ساعات من دخولها المستشفى.

حالة حرجة

تعرضت رضوى مطول، طبيبة الباطني بمركز طبرق الطبي مطلع حزيران/يونيو الماضي للاعتداء اللفظي والجسدي من قبل عائلة إحدى المريضات، التي وصلت إلى المستشفى في مرحلة متأخرة من المرض أدت لمفارقتها الحياة بعد ساعات من دخولها المستشفى.

حالة حرجة

خلال مناوبة رضوى استقبلت مريضة بقسم العناية المركزة عمرها 85 عاماً، ومعها كل أفراد أسرتها. “كانت السيدة العجوز تعاني من قصور في القلب منذ سنوات، وفشل كلوي، بالإضافة إلى مرض السكري، كما أنها كانت فاقدة للوعي بسبب ارتفاع البولينا في الدم، ولم يكن هناك علاج لهذه المريضة غير الغسيل الكلوي” تقول رضوى لـ “مراسلون”.

قامت الطبيبة بإعطاء المريضة كل العلاجات الأولية، واستدعت أخصائي أمراض الكلى الذي أكد استحالة إجراء الغسيل الكلوي، ذلك أن ضغط المريضة منخفض جداً بسبب مشكلتها القلبية السابقة وأن عضلة قلبها ضعيفة، بحسب رواية الطبيبة المناوبة.

تروي طبيبة الباطني لموقع “مراسلون” أن ردود الفعل العنيفة من العائلة بدأت بمجرد أن حاولت شرح وضع والدتهم، وأنه لا بد من الانتظار حتى يتحسن ضغطها كي تبدأ في تلقي أي نوع من العلاج، فتهجم بعض مرافقي المريضة على الطبيبة بالكلام في نفس اللحظة التي جاءت  فيها ممرضة لتخبرها بوجود حالة أخرى حرجة عليها التوجه إليها بسرعة.

حقوق الآخرين

تركت الطبيبة المرافقين لتتابع عملها، فتلقت اتصالاً من تمريض قسم العناية بعد دقائق ليخبرها أن معدل نبض المريضة ينخفض وأنها تحتضر، تقول رضوى “عدت إلى العناية وعندما وصلت وجدت المرافقين جميعاً داخل الغرفة، حيث لا يفترض بهم الدخول حفاظاً على التعقيم وعلى حقوق المرضى الآخرين”.

وتتابع، “دفعني أحد المرافقين عند دخولي قسم العناية، وقامت ابنة المريضة بشتمي ودفعي على حافة السرير، ورغم ذلك حاولت إنعاش المريضة واستدعيت طبيب التخدير لوضعها على جهاز التنفس الاصطناعي، غير أنها فارقت الحياة، ولم يمنعني بعد ذلك من هجوم المرافقين الغاضبين غير بعض الشباب المتواجدين في قسم التمريض”.

تقول رضوى مطول لـ “مراسلون”، “تخيلت أن تصرفات الأسرة كانت تحت تأثير الصدمة، وأنها لحظة غضب عندما تزول سيأتون للاعتذار مني، فقد قمت بكل ما علي فعله، ولكن لا أحد منهم التفت إلي وكأن شيئا لم يكن، رغم أني التقيتهم في المستشفى عدة مرات بعد هذه الحادثة”.

حالات متكررة

وتقول أيضاً “لم تكن هذه أول حالة اعتداء على طبيب، فقد سبق واعتدت سيدة بالضرب على طبيبة نساء وولادة لأنها تأخرت في الكشف عليها، واعتُدي أيضا على طبيب نساء وولادة عندما حاول منع شخص من الدخول للقسم، لقد أصبح الاعتداء بالألفاظ النابية وتكسير زجاج المستشفى وتحطيم مرافقه من قبل المواطنين أمراً شائعا في الآونة الأخيرة”.

عبد الله الطايل، الطبيب المقيم بمركز طبرق الطبي تعرض هو الآخر للتهديد ببندقية كلاشنكوف، وذلك أثناء مناوبته بقسم الطوارئ من قبل شخص مخمور طلب منه علاج صديقه المصاب بجرح صغير في الرأس، بحسب ما روى لـ “مراسلون”.

ويؤكد الطايل “لم أتخلص منه بعد خروج كل الموجودين في الطوارئ خوفاً من السلاح الذي كان يلوح به، إلا عند انشغاله بالحديث مع صديقه المصاب”.

اجتماعات لاجدوى

واستطرد “لقد كنت حاضراً في تلك الاجتماعات التي عقدها المستشفى لإيجاد حل لمشكلة الاعتداء على الأطباء، والتي أدت إلى إضرابهم وتوقف العمل أكثر من مرة، وقد دُعي لهذه الاجتماعات شيوخ القبائل والمسؤولون بالمدينة، ولكنها لم تأتِ بجديد، ولم ينتج عنها شيء على أرض الواقع”، متأسفاً في ذات الوقت على كون “حالات الاعتداء هذه تنتهي بإسقاط الطبيب لحقه الشخصي، وتُحل القضية ودياً بالطرق القبلية”، ويقول إنه “في حال استمرار هذا الوضع فالاعتداءات لن تتوقف”.

هذه الاعتداءات المتكررة ليست مقتصرة على الأطباء، بل وقع ضحيتها جميع أفراد الطواقم الطبية والطبية المساعدة بالمستشفيات، حيث سبق وأن وقعت حادثة أثارت ضجة في المدينة عندما تلقى أحد الممرضين طعنة في ظهره من قبل مريض كان يقصد بها طبيباً سورياً يعمل في المركز.

وقد شهد المستشفى بعد هذه الحادثة التي سبقتها حوادث أخرى حالة استياء واسعة بين الأطباء والكادر التمريضي، دفعت بعضهم لتنظيم اعتصامات لمطالبة الأجهزة الأمنية بتوفير الحماية للأطباء والممرضين، ووقف حالات الاعتداء على المستشفيات.

مسألة ثقافة

يقول الدكتور محمد بشر شهاب الدين، أخصائي الباطنية والذي عمل في مجال التنمية البشرية في سوريا لعدة سنوات “إنها مسألة ثقافة، فمن الواضح أن النظام السابق مارس التجهيل المتعمد على الشعب الليبي لسنوات طوال، مما خلق مشكلة عند المواطن في تعامله الاجتماعي السوي وتعامله مع القانون”.

ويضيف “الشعب الليبي كريم وطيب بطبعه، لكن الوضع الحالي من غياب القانون وانتشار السلاح خلق بيئة تزيد من هذه الظاهرة، وبالرغم من ذلك فمن خلال خبرتي في باقي الدول العربية يمكن القول إن المريض الليبي مطيع وغير متعب، فهو لا يرفض العلاج ولا يناقش ولا يقترح بعكس ما قد تشاهده في دول عربية أخرى”.

ويوضح شهاب الدين “المستوى العلمي للأطباء الليبيين كذلك ممتاز جداً، ولقد تفاجأت لما رأيته منهم عند قدومي إلى ليبيا، ولكن الإهمال في المواعيد وعدم التزامهم بالعمل، بالإضافة إلى تراكم ثقافة فقدان الثقة بالمستشفيات والأطباء الليبيين، كان له الأثر البالغ في تنامي هذه الظاهرة”.

مراكز تأهيل

في ظل غياب الأجهزة الأمنية التي تمثل الدولة وتحمي كوادرها، يبقى الطبيب والقاضي والمدرس وغيرهم يعملون دون غطاء يشعرهم بالأمان، وتكون تكلفة أداء مهامهم على الوجه الأكمل مضاعفة، خاصة وأنهم لا يجدون عند وقوع الخطر من يلجؤون إليه.

توجه موقع “مراسلون” إلى مقر المجلس المحلي لمدينة طبرق حيث تحدث إلى رئيس المجلس فرج ياسين المبري، الذي أكد أنه لا بد من إيجاد “مراكز توعية وإعادة تأهيل للأشخاص الذين يقومون بمثل هذه الافعال المشينة على مستوى الدولة، وأيضاً تأهيل المجرمين وإعادتهم إلى الطريق المستقيم، والعمل على تغيير ثقافة العنف السائدة، ونشر ثقافة السلام والأمان، وتوظيفها في خدمة التنمية البشرية والمجتمعية”.

سجن كبير

المبري صرح لـ “مراسلون”، أن “هناك غرفة أمنية يتم إنشاؤها حالياً لتأمين مدينة طبرق، ستعمل على حفظ واستتباب الأمن في المدينة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية المعنية، ويمكن لإدارات المستشفيات والمراكز الطبية الاستعانة بها لدعم الأمن”.

ويقول أيضاً “نظراً لعدم توفر سجون كافية ومؤمنة فإن الدولة شرعت في إنشاء سجن كبير داخل المدينة لتتمكن من محاسبة وفرض العقوبة على كل من يرتكب أية تجاوزات قانونية مستقبلاً”.

يأتي هذا الكلام رداً على مطالب الأطباء التي تتلخص كحد أقصى في وجود عناصر أمن مؤهلين للتدخل عند اللزوم، ولمنع دخول الأهالي إلى غرف الفحص الطبي، وكذلك إضفاء شعور أن الأمن موجود، فضلاً عن ضرورة زيادة عدد الكوادر الطبية بالمستشفيات لتكون كافية وتستطيع التعامل مع الحالات المرضية وتصنيفها وعلاجها في الوقت المناسب.