“اللجان العرفية” اسم يكثر ترداده في محافظة المنيا مع كل وقوع لفتنة طائفية أو حادثة ثأر. إلا أن هذه اللجان وتشكيلاتها تثير زوبعة من الجدل، فهناك من يرى أنها تخمد النيران في مكان لتشعلها في آخر، وهناك من يقول إنها عودة لحياة البداوة ومضيعة للحقوق وإهدار لدولة القانون.

مجدى رسلان، وهو ناشط حقوقي ورئيس جمعية المنيا الحقوقية ومفوضية اللاجئين العرب، يؤكد أن اللجان العرفية “قانون قبلي لا يصح استخدمه واللجوء إليه في البيئات الحضرية”، وهو يغيّب دولة القانون، لصالح أعراف عشائرية بالية.

“اللجان العرفية” اسم يكثر ترداده في محافظة المنيا مع كل وقوع لفتنة طائفية أو حادثة ثأر. إلا أن هذه اللجان وتشكيلاتها تثير زوبعة من الجدل، فهناك من يرى أنها تخمد النيران في مكان لتشعلها في آخر، وهناك من يقول إنها عودة لحياة البداوة ومضيعة للحقوق وإهدار لدولة القانون.

مجدى رسلان، وهو ناشط حقوقي ورئيس جمعية المنيا الحقوقية ومفوضية اللاجئين العرب، يؤكد أن اللجان العرفية “قانون قبلي لا يصح استخدمه واللجوء إليه في البيئات الحضرية”، وهو يغيّب دولة القانون، لصالح أعراف عشائرية بالية.

فالاعتراف باللجان العرفية في الأحداث الطائفية المتكررة التي تقع بالمنيا، وحضور مدير الأمن والمحافظ لمثل هذه اللجان والمصالحات التى تنهيها، “يدفع ويغرى اى مجموعة قوية أن ترتكب جريمة كبيرة، ثم تشكل لجان خاصة بها لتسوية المشكلة والإفلات من العقاب”.

ويورد الناشط الحقوقي مثالا في الأحداث التي شهدتها قرية بني أحمد الشرقية طوال الأسبوع الأول من آب/ أغسطس الجاري، عندما اندلعت فتنة طائفية بين الأقباط والمسلمين على إثر مشادة بين رجلين مسلم وقبطي بسبب أغنية على الهاتف المحمول مؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسي.

وأسفرت الأحداث عن مقتل شاب مسلم وإصابة 18 من الطرفين، وحرق وتدمير عدد من المنازل والسيارات ومحلات الأقباط، وكذلك التعدي على كنيستين.

“في النهاية قامت الجماعة الإسلامية بالمنيا والتى كان أفرادها يقودون الهجوم على القرية ويحشدون الكثيرين من القرى المجاورة بعقد جلسة صلح عرفية اضطر الأقباط خلالها إلى الإذعان والموافقة على بنود الصلح”، يعلق رسلان.

ووفقا لهذا الناشط، فإن الأقباط تنازلوا عن المحاضر القانونية ضد المسلمين، كما تنازلوا عن تعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم والتي قدروها بحوالي 15 مليون جنيه (اكثر من مليوني دولار أمريكي)، بالإضافة إلى قبولهم بشرط جزائي قدره مليوني جنيه لمن يتراجع عن بند من هذه البنود، وكان ذلك بحضور مدير الأمن وسكرتير عام المحافظة اللذان شاركا في التوقيع على الصلح.

وتتشكل اللجان العرفية عادة من وجهاء محليين وعشائرين وممثلي أحزاب سياسية نافذة فضلا عن ممثلين عن الدولة. وهي متواجدة بشكل رئيس في المناطق العشائرية، إلا أن مراقبين يشيرون إلى انتشارها حتى ضمن البقع الحضرية في الآونة الأخيرة.

ويؤكد محمد الحمبولي، رئيس مركز الحريات والحصانات بالمنيا، وأمين حزب حراس الثورة، أن اللجان العرفية ظاهرة متعارف عليها فى الأماكن البدوية والصحراوية وذلك لوجود قبائل وعشائر، أما في الحضر “فنحن نعتبرها إبعاد للقانون”.

ويشير إلى أن أحكام هذه المجالس في مناطق بدوية مثل سيناء ومرسي مطروح أحكام ملزمة ومعترف بها، ويطلق عليها هناك “المحاكم العرفية”، أما في الحضر “فوجودها مثل عدمه”، “وهي تدفع الجاني للتوغل في جريمته والإفلات من العقاب بجلسة عرفية يضيع فيها حق المجتمع وحق الضعيف، وبالتالي تكون الجريمة بدون عقاب”، بحسب الحمبولي.

بل إن هذا الناشط يرى أن اللجان العرفية في الحضر أصبحت وسيلة لـ “الشو الاعلامي” وتهدئة الأمور في العلن، وبعدها بقليل تتجدد ذات الاشتباكات وبنفس الأسباب القديمة، وهو ما دفع الكثير من المسيحيين للمطالبة بمحاكمات عادلة فى جميع قضاياهم وضرورة إعمال القانون.

ولعل الحالة الوحيدة بحسب الحمبولي، التي تم إعمال القانون فيها، لم تتجدد فتنتها حتى الآن، وهي أحداث قرية ابو قرقاص البلد الطائفية، بمركز أبو قرقاص جنوب محافظة المنيا، والتي شهدت في نيسان/ أبريل من العام 2011 مقتل مسلمين وإصابة أربعة آخرين فى مشاجرة بسبب مطب صناعي أمام منزل محامي قبطي شهير وضابط شرطة سابق، وأسفرت المحاكمة الجنائية فيها عن الحكم بحبس ثمانية مدانين بالمؤبد ووضع خمسة تحت الملاحظة لمدة خمس سنوات، وقد رضي الجميع بهذا الحكم.

أما بقية الأحداث التي شهدتها المحافظة، فيقول عنها نادي عاطف، رئيس منظمة العدل والتنمية لحقوق الإنسان بالمنيا، أن الجلسات العرفية فيها كانت “مسكّنا وقتيا”، وكانت تساعد على الحض على الجريمة. والدليل على ذلك إحراق وتدمير ممتلكات الأقباط ببنى سويف عشية تراضي الأقباط عن حرق ممتلكاتهم وسياراتهم ومنازلهم بقرية بنى أحمد الشرقية، وإذاعة  الصلح بين الطرفين دون تعويضات، ونفس الحال في أحداث ابو فانا بملوى وأحداث طائفية أخرى.

وأضاف رئيس منظمة العدل، “إن لم يكن هناك قانون يتم التعامل به فعليك إلغاء القضاء والمحاكم، فإعمال القانون يعني أن هناك جاني ومجني عليه والجاني يعاقب، أما إبطاله فهو يعني ارتكاب اكبر للجريمة وفتنة في شكل آخر”.

وفي السياق نفسه، نوّه أحمد شبيب، المحامي ورئيس مركز الحياة لحقوق الإنسان بالمنيا، أن هذه اللجان العرفية هى إسقاط لحق المجتمع في معاقبة الجاني، حيث يقوم الطرفان الخصمان بتقديم محضر الصلح إلى المحكمة ويؤكد على انه تم التنازل والتصالح فيما بينهما، فتقبله المحكمة، وتسقط الدعوى ويضيع حق المجتمع.

وعن قانونية هذه اللجان، أكد شبيب أنه لا يوجد ضابط قانوني لتشكيل اللجان وهي لا توثق في الشهر العقاري، ويجوز للأطراف أن تنكر محاضرها.

أما الضابط الوحيد لالتزام الاطراف بالصلح فهو توقيعهم على إيصالات الأمانة بمبالغ مالية كبيرة، لكن “هناك قضايا كثيرة مرفوعة تطعن في هذه الإيصالات، مما يحدث أزمة كبيرة”.

وانتقد شبيب استخدام هذه اللجان في الأحداث الطائفية، خصوصا فيما يتعلق بطرد عائلات مسيحية من أراضيها. ويقول إن هذه السياسة ساعدت على تهجير المسيحيين من مناطق عديدة، مثلما حدث فى عزبة شاكر بمركز بنى مزار، شمال محافظة المنيا، “فكيف تطلب لجنة عرفية يصف أصحابها أنفسهم بالحكمة من مواطن ترك بلده وأرضه ومنزله، فهل لهذا الشخص أن يرضى بقبول هذا التهجير؟”، يتساءل.

وتعليقا على سيل الانتقادات الموجهة للجان العرفية، أكد علاء السبيعي أحد حكماء اللجنة العرفية في قرية بني أحمد الشرقية أن اللجان تنظر لواقع المشكلة وتداعياتها، وإمكانية تعايش الأطراف معا، وأن الحكم لا يأتي من جلسة واحدة، بل يتم فى البداية تشكيل لجنة تضم ممثلين عن أطراف المشكلة، ثم يوضع عدد من الحلول والمقترحات يجري التصويت عليها بأغلبية المحكمين، ومن ثم يكون الحكم ملزما بشرط جزائي حتى لا ينكث أي طرف ببنود الصلح.

ويرى السبيعي أن إعلان الصلح وتوقيعه بمثابة حكم أدبي ومعنوي لأطراف القضية، “فالجاني يشعر بالخزي والعار، ويقدم أسفه على الملأ، وفى ذلك تقليل من وضعه الاجتماعي والأدبي بين قومه وأهله من أبناء قريته، والمجني عليه ترد له كرامته علنا، ويضمن عدم التعدي عليه مرة أخرى”.

وأضاف السبيعي أن هذه اللجان هي “إنجاز كبير تم تحقيقه” بسبب بطء عمليات التقاضي والمحاكم الجنائية التي قد تمتد لسنوات وتتسبب فى مقتل العشرات من الطرفين.    

لكن الأطراف المتضررة من الأحداث الطائفية لا تتفق مع رأي السبيعي بالضرورة في جدوى عمل هذه اللجان وعدالتها، ومنهم عادل عبد المسيح مليكه، أحد المتضررين من قرية بني أحمد الشرقية، مركز المنيا، والذي أكد أن هناك 35 قبطي متضرر في أحداث بني أحمد لم يحضروا الصلح العرفي أصلاً، علاوة على أن جلسة الصلح لم تذكر أية تعويضات مادية للمتضررين.

وأضاف المتضرر أنه يمتلك وشريكة المسلم، أتوبيس وسيارة نقل، تم حرقهما، ولم تصل إليهما أية تعويضات، مشيرا إلى أنه اتفق مع بقية المتضررين على توكيل محامين لرفع قضية ضد أجهزة الدولة للحصول على تعويض مادي جراء هذه الخسائر لأنها “لقمة عيشنا وبدونها لا نستطيع العيش”.

وقد انتقد الأنبا مكاريوس، أسقف عام المنيا أيضا هذه اللجان في ذات الأحداث مؤكدا أن محلات وصيدليات الأقباط نهبت أمام أعين المسؤولين، ولم ينص الصلح العرفي على أى تعويض، مطالبا الدولة بتعويض المتضررين، “فنحن لن نعوض هؤلاء فأموال الكنيسة للضعفاء والأطفال الأيتام”.