في مشهد عام يبدو غنيا بالغضب على السلطة كما حصل في ليبيا جرّأ على الخروج ضد النظام، ومع علو الهتافات في أغلب الساحات الليبية في شباط/ فبراير 2011. لن يلاحظ الكثيرون بداية الانحراف عن خط الثورة التي قامت ضد الظلم.. ظلم يجري توقيعه على نصف مجتمع أشعل في الواقع الثورة..

بدأت القصة بعنف لفظي سرعان ما سيترجم إلى تحرش، من الاغتصاب والتهديد به، ثم توقيع العقوبة على ضحاياه، وصولاً إلى إزاحتهن من المشهد العام واستخدام المنابر المستولى عليها بالكامل من المتشددين الإسلاميين في تأليب الرأي العام على المرأة باسم الشريعة.

في مشهد عام يبدو غنيا بالغضب على السلطة كما حصل في ليبيا جرّأ على الخروج ضد النظام، ومع علو الهتافات في أغلب الساحات الليبية في شباط/ فبراير 2011. لن يلاحظ الكثيرون بداية الانحراف عن خط الثورة التي قامت ضد الظلم.. ظلم يجري توقيعه على نصف مجتمع أشعل في الواقع الثورة..

بدأت القصة بعنف لفظي سرعان ما سيترجم إلى تحرش، من الاغتصاب والتهديد به، ثم توقيع العقوبة على ضحاياه، وصولاً إلى إزاحتهن من المشهد العام واستخدام المنابر المستولى عليها بالكامل من المتشددين الإسلاميين في تأليب الرأي العام على المرأة باسم الشريعة.

بداية من الهتافات، (يا ساعدي يا بنيّة قول لبابا هيّا) .. (قولوا لمعمر وعياله ليبيا فيها رجّالة) رغم أن التمرد على السلطة قادته أمهات ضحايا سجن أبو سليم (أغلبهم من الإسلاميين) وهنّ الأشهر .. اللاتي دأبن على وقفة أسبوعية أمام محكمة شمال بنغازي، تساندهن قلّة من هذا القطاع العريض الذي يصرخ بهتافه العدائي والتمييزي ..

لم يعترف أحد أن غياب النساء عن المظاهرات التي اتسمت بالعنف أعطى انطباعاً أنهن مجرد ظل، لأنهن حُرمن من ذلك بقوة السلطة العائلية، التي حولت المرأة إلى كائن ضعيف عن النزول إلى الساحات ما لم تكن مؤمَّنة، وحدث في ساحة الحرية في بنغازي حينما كانت المعركة السياسية على أشدها، أن رفع بعضهم الأسوار لفصل النساء عن الرجال فيما يشبه الحرملك، كما عبرت عن ذلك وقتها المحامية والناشطة عبير إمنينة.

أم الثوار، أخت الثوار، الحرائر.. هكذا رضيت الليبيات في أجواء من غبطة النصر بأن يكون لهن ساتر يثرن باسمهِ، ويشاركن في الثورة تحت ظله وفي حماه، ورويداً ذابت الإعلاميات اللاتي شاركن في نقل الأخبار، ونسيت مواقفهن، والناشطات الحقوقيات واعتصاماتهن، وضاع ميراثها الشجاع وهي توزع المناشير وتحمل المتفجرات المحلية الصنع (الجلاطينة)، مستغلة عدم التشديد في بوابات التفتيش التابعة للقذافي على النساء.

وأخفيت مشاركة بعضهن في المظاهرات في الأيام الثلاثة الأولى، واقتصرت أكثر القنوات مشاهدة آنذاك وهي الجزيرة على استضافة الناشطين والمحللين والمتحدثين من الذكور، وركّز إعلام الثورة أيضا آنذاك على تصوير مشهد المرأة الليبية أم الشهيد، التي أخذت المساحة الأكبر من الضخّ أدلج الثورة بقصد او بدونه.

النساء المتاع

“أي قانون ساري المفعول ويعارض الشريعة، مثل قانون تحديد عدد الزوجات، سيتم تعطيله” كان هذا جزءاً من خطاب التحرير الذي ألقاه رئيس المجلس الانتقالي المؤقت مصطفى عبد الجليل في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011.

“لم يكن خطاب تحرير بل خطاب إهانة وعبودية” هكذا عقّبت حنان معلّمة ابتدائي متزوجة وفي نهاية العقد الثالث من عمرها، أضافت “لم يحترمنا وسرق سعادتنا، كنت مع أختيَّ نتابع عبدالجليل والفرح في عيوننا، فسلّمنا كسبايا للثوار، حينما نظرنا إلى بعضنا كان الوجوم قد ارتسم على وجوهنا بديلاً عن الغبطة”.

لسن النساء فقط من صدمن بالخطاب، بل عبّر رجال كثر عن خيبتهم من هذا الخطاب الذي لم يكن في مستوى انتصار دفع ثمنه الليبيون غالياً كما يقولون، ونشط المدونون من الجنسين في التهكّم على ضعف المستشار، الذي نظر إليه الليبيون كشخصية طيبة ومتوازنة نجحت في قيادة المجلس إلى يوم 23 تشرين الأول/ أكتوبر.

لكن على ما بدا أن قطاعاً عريضاً من الشعب فهم استسلام الشيخ ولاعب كرة القدم القديم لضغوط الجماعات الاسلامية، التي ظل ينفي تصاعد نفوذها حتى ما بعد هذا التاريخ.

تحت المنع

بعد انتهاء الحرب بدا سريعاً أن أول معركة يجب حسمها في ليبيا هي تصفية حساب مع النساء، فاشتد التركيز على فضائح القذافي الجنسية، وكتاب الطرائد، وانشغال الناس باخبار الحارسات والراهبات الثوريات.

ما سهل تمرير قرارات منع التحاق النساء بالكليات العسكرية والشرطة، كما تبدّل وضع النساء المغتصبات اللاتي استُعملن في القتال السياسي ضد القذافي إلى تابو وعار، بل وتعرضت الدكتورة سهام سرقيوه التي تولت هذا الملف للكثير من المضايقات والاتهامات، حينما أرادت إيجاد حيز لهن في المجتمع.

ولا يزال حتى الآن موضوع المغتصبات ملف يشوبه الغموض، وناقص بسبب إختلاف الأدلة، أو أنها لم تكن موجودة أصلاً.

من جانب آخر ماصدر من دار الإفتاء من أمر تعطيل القانون الذي يسمح بزواج الليبيات من الأجانب وفق شروط، وذلك لعدم أهلية النساء كما ترى دار الإفتاء للاختيار الصحيح، ولما يشوب هذه الزيجات من ارتباط بأشخاص من مذاهب أخرى كما يفترض المفتي.

دافعت عن هذا القرار وزيرة الشؤون الاجتماعية كاملة خميس المزيني في حوار لها مع “مراسلون” نشر في 13 أيار/ مايو من هذا العام، والتي رأت فيه أن حالات الزواج الكثيرة التي حصلت بعد الثورة بين نساء ليبيات ورجال من دول مجاورة هي حالات غير مبررة، تعزوها بالدرجة الأولى لطمع أولئك الرجال بالحصول على حق الإقامة في ليبيا، لكن المزيني في الوقت نفسه تدافع عن زواج الرجال الليبيين من أجنبيات، “فهذا شرع الله وليس بيدنا منعه”.

فقدان الحرية الهشة

“الحق المفروض قاعدات في البيوت” هذه جملة بدأت تسمعها الليبيات في الشارع، بسبب المنابر التي تحرّض على النساء وتشيطنهن، وليس آخرها فتوى (رأي) للشيخ سالم جابر في إحدى جوامع بنغازي جعل الاتحاد العام لكرة القدم يوقف مشاركة منتخب السيدات لكرة القدم في أكبر تجمع للاعبات كرة القدم الذي يقام في ألمانيا.

والكلام لجابر “هذا الفريق يتكون من طويلة القامة، وجميلة المظهر والفتيات الصغيرات، وكرة القدم النسائية آخر شيء تحتاجه بلادنا”، وكانت “أنصار الشريعة” وهي ميليشيا تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في ليبيا أصدرت في حزيران/ يونيو بياناً قالت فيه أنها “تدين بشدة” كرة القدم النسائية، وقالت “إنه شيء لا يمكن أن نقبل به وهو ينافى الشريعة الإسلامية، وندعو النساء المنضمات إلى الفريق للتوقف وارتداء الملابس المحتشمة”.

ولم تصدر ردود أفعال تذكر من مؤسسات المجتمع المدني أو المرصد الليبي لحقوق الإنسان، فيما يشير إلى تأخر مفاهيم الحقوق والحريات والمدنية في ليبيا، التي استُخدم فيها هذا الملف أثناء الثورة على القذافي للمساعدة على الإطاحة به.

دون أن ننسى تنامي مفهوم الثيوقراط في إنفاذ قراراتهم في بلاد مرت بتجربة ديمقراطية حديثة، وتتمثل بشكل رسمي في دار للإفتاء يرأسها الشيخ الصادق الغرياني، الذي مرر فتاوى سياسية عدة وأخرى لها صفة الإلزام لوزارات منها التعليم، ولمؤسسات مثل المصارف، وكانت له فتاوى عدة أيضا أثارت الكثير من التندر على مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بنوع ولون أغطية الرأس للنساء، وبنطلونات ما يعرف بالـ “اتش دي”، ونوع الملابس الداخلية، والتي بعدما تم نشرها نفى موقع الشيخ الرسمي (التناصح) علاقته بهذه الفتوى.

فضلاً عن فتواه بخصوص وثيقة العنف ضد المرأة حيث وصف بيان دار الإفتاء ما تضمنته الوثيقة من مبادئ بأنها “ظالمة وهدامة تهدف لنسف الأسرة وتقويض كيانها والدعوة إلى الانحلال الأخلاقي”، وبأنها “مروق عن الدين ورد سافر لقواطع الشريعة في الكتاب والسنة”.

هذه الفتوى انبرت للدفاع عنها نساء وصفتهن الكاتبة وفاء البوعيسي بأنهن “نساء منقبات من حركة قلم، وصفن المدافعات عن الاتفاقية بأنهن يفتقدن الحياء والعفة، وأنهن منتكسات الفطرة سليلات الانحلال، بل وأنهن لم يقرأن الوثيقة”، وما لبث أن تداعت لجنة الأوقاف بالمؤتمر الوطني لإبداء استنكارها هي الأخرى، لما اعتبرته وثيقة “الضلال والتمرد على الشرائع الإسلامية”.

هذا الجدل استَعمل كالسابق لتقويض الدعوة لإقرار كوتا نسائية بنسبة 35% في لجنة صياغة الدستور، وجعلها مهمة فاشلة مع سيطرة الإسلاميين على أغلبية الكراسي في المؤتمر، بعدما حلوا بتطبيق قانون العزل السياسي الذي أُقر في أيار/ مايو 2013 بقوة السلاح، محل أعضاء مستقلين أو ينتمون إلى التحالف المحسوب على الليبيراليين، وكان نصيبها فقط 10% أي ستة كراسٍ من أصل ستين.