ظل عاكفا على حجره الصلب يحركه بأنامله الصغيرة الخشنة إلى أن حوّله في ساعات قليلة إلى قطعة فنية غاية في الجمال. إنه محمود أبو سليم أحد شيوخ مهنة صناعة الألباستر بمنطقة القرنة غرب الأقصر (نحو 670 كيلو مترا جنوب القاهرة ).

جمال قطعة الغرانيت التي تتحول في يد أبو سليم إلى عمل فني يحاكي تماثيل الفراعنة والرموز المصرية القديمة، لا يحاكي واقع مهنته التي يسير تماما في الاتجاه المعاكس، نحو التعثر.

ظل عاكفا على حجره الصلب يحركه بأنامله الصغيرة الخشنة إلى أن حوّله في ساعات قليلة إلى قطعة فنية غاية في الجمال. إنه محمود أبو سليم أحد شيوخ مهنة صناعة الألباستر بمنطقة القرنة غرب الأقصر (نحو 670 كيلو مترا جنوب القاهرة ).

جمال قطعة الغرانيت التي تتحول في يد أبو سليم إلى عمل فني يحاكي تماثيل الفراعنة والرموز المصرية القديمة، لا يحاكي واقع مهنته التي يسير تماما في الاتجاه المعاكس، نحو التعثر.

ففي ظل تراجع معدلات الحركة السياحية لأدنى مستوياتها بمدينة الأقصر في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من كانون ثان/يناير، واستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في عموم مصر، ومنافسة البضائع الصينية الأرخص ثمنا، يتخلى أبو سليم ومعه عشرات عن مهنة أجدادهم، عارضين ورشاتهم الصغيرة للبيع.

“ثلاثة آلاف عامل تشردوا بعد الثورة”

يقول ابوسليم إن الضائقة المالية أجبرته على عرض ورشته للبيع، لكنه لم يجد مشتر إلى الآن. فمن ذا المغامر الذي يشتري ورشة لصناعة الألباستر مع ندرة السياح الوافدين إلى الأقصر هذه الأيام؟

حال محمود هو حال جميع أقران مهنته، حيث اضطر زميل له يدعى أحمد إبراهيم لبيع أثاث منزله بعد أن تراكمت عليه الديون وعجز عن توفير احتياجات منزله. وآخر اضطر إلى تحويل ورشته إلى مقهى شعبي.

ويوجد بالقرنة ما يزيد على مائتي مصنع وورشة لتصنيع تحف وتماثيل الألباستر فضلا عن الورش المنزلية والعديد من المعارض والمحلات التي تبيع للسياح، يعمل بها نحو خمسة آلاف عامل.

إلا أن الأزمة السياحية التي تشهدها البلاد، شردت منهم قرابة الثلاثة آلاف عامل منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير بحسب بكري عبدالجليل نقيب العاملين بالبازارات السياحية بالأقصر.

ويواجه فنانو صناعة الألباستر مشاكل عديدة تهدد بانهيار مصدر رزقهم الوحيد بدءا من موسم الكساد (الصيف) مرورا بارتفاع سعر المادة الخام وركود سعر البيع وتراجع معدلات الحركة السياحية بعد الثورة انتهاءا بمنافسة الأونيكس ومنتجات الألبستر الباكستاني الصنع والتحف الصينية.

جملة من المشكلات

محمد عوض الأربعيني العمر يعمل فى صناعة الألباستر منذ 25 عاما ورث هذه المهنة عن جده الذي يطلق عليه أهالي القرنة لقب “أبو الألباستر” لبراعته في تشكيله، فضلا عن كونه واحدا من الذين شاركوا في تطوير فن الألباستر بإضافة أشكال وتصاميم جديدة، معروفة في نطاق المتابعين لهذه الحرفة.

التقط محمد طرف الحديث آخذا في سرد مشكلات مهنته، وكان على رأسها ارتفاع سعر المادة الخام المتمثلة في “حجر الألباستر ومادة الغرا والشمع والقماش والسنفرة”.

كما يفتقد صناع الألباستر بحسب عوض إلى معارض تدعمهم وتسوق منتجاتهم، “فالمعارض القائمة في البر الغربي يمتلكها رجال أعمال يتحكموا في السوق ليحصلوا على المنتجات من أصحاب الورش الصغيرة بثمن بخس”. ولم يلبث عوض أن التمس لهم العذر قائلا “إن أصحاب هذه المعارض مضطرون للتصرف هكذا بسبب قلة عدد السياح بعد الثورة”.

الحلم بنقابة

الثورة دقت آخر مسمار في نعش صناعة الألباستر بالقرنة بحسب الصانع أبو سليم، حيث تسببت في تراجع الإقبال السياحي على شراء منتجاته. وبنبرة محتقنة يضيف “من يعمل في هذه المهنة ليس له معاش ول تأمين صحي حيث إذا ابتلى الله أحد منا بمرض يظل في بيته دون أي مصدر دخل”.

وسط كل هذا الضباب الكثيف الذي يحيط بمستقبل مهنته التي عشقها يحلم أبو سليم بإنشاء نقابه تضم حرفيي صناعة الألباستر تلملم شملهم وتدافع عن حقوقهم وتوفر لهم الرعاية الصحية والاجتماعية اللازمة لضمان استمرارية الحياة وتضغط علي الحكومة كي تمنع استيراد التحف الفرعونية المقلدة من الخارج.

ورغم الحال المتردية التي عليها مهنة صناعة الألباستر إلا أن أبوسليم لا يتوقع أن تندثر تلك المهنة، فقد استطاع أهالي قرية القرنة (نحو 5 كيلو مترا غرب مدينة الأقصر) الحفاظ عليها منذ ما يقرب الخمسة آلاف عام حينما برع المصري القديم لأول مرة فى فن نحت الألباستر، “ورغم أن هذه الصناعة توقفت في بعض الفترات، الا أنها وفي كل مرة تعود أقوى مما كانت عليه”، كما يرى محمود.