التحق حمدة سعيد بالتعليم الزيتوني بجامع صاحب الطابع وتحصل على الدكتوراه سنة 1987 من كلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين. ترشح للانتخابات البرلمانية سنة 1989 في قائمة التجمع (حزب الرئيس السابق بن علي). ودخل المجلس النيابي مطالبا آنذاك بوجوب تعدد الزوجات، هذا ما جعل العديد يرى في تعيينه، من قبل رئيس الجمهورية في هذا المنصب “خطأ فادحاً”.

موقع “مراسلون” التقى المفتي الجديد، فكان الحوار التالي:

التحق حمدة سعيد بالتعليم الزيتوني بجامع صاحب الطابع وتحصل على الدكتوراه سنة 1987 من كلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين. ترشح للانتخابات البرلمانية سنة 1989 في قائمة التجمع (حزب الرئيس السابق بن علي). ودخل المجلس النيابي مطالبا آنذاك بوجوب تعدد الزوجات، هذا ما جعل العديد يرى في تعيينه، من قبل رئيس الجمهورية في هذا المنصب “خطأ فادحاً”.

موقع “مراسلون” التقى المفتي الجديد، فكان الحوار التالي:

مراسلون: يصفك البعض بالتجمعي (نسبة الى حزب التجمع)، فيما يقول البعض الآخر أنك صمدت في وجه النظام السابق ورفضت تلاوة الخطب الجاهزة على منبر الجمعة. فما هي الحقيقة؟

حمدة سعيد: أولا أريد الرد على من اتهمني بأنني كنت تجمعي ومن أزلام النظام السابق، هل يجوز ان يرفض تجمعي أوامر سيده؟ طبعا لا!

 لقد سبق ان رفضت خطبة قدمت لي في العهد السابق من أجل الحديث عن قضية سياسية وأن أنسب تهمة الى طائفة لم أكن متحققا من نسبة هذه التهمة اليها. لكن عندما قدمت لي هذه البرقية صعدت فوق المنبر وقلت بالحرف الواحد إن عيني لم تر ولم يخبرني من أثق بروايته بذلك، ولذلك لا أتجرأ على اتهام أحد بنسبة شيء اليه انا غير متأكد منه.

وقال لي بعضهم آنذاك، بأن ما فعلته تصرف خاطئ، فأجبتهم في منبر المسجد بثلاث خطب وجعلت عنوانها “العلماء ورثة الانبياء” وحددت في هذه الخطب مهمة الأنبياء، ثم ماهي الوراثة التي ورثها العلماء عن الانبياء وذلك من خلال التبليغ والبيان.

إذن ما ورثناه عن رسول الله هو ان نبلغ شرع الله وأن نبين دين الله، ثم انتهيت بأن الامام فوق المنبر لا ينوب عن رئيس الدولة ولا وزيره للشؤون الدينية، بل هو يمثل وينوب رسول الله فوق منبر المسجد. فإن قبلتموني هكذا، سأبقى، والا سأذهب فى حال سبيلي.

هل تعني أن منصب مفتي الديار يجب أن يكون مستقلا وبعيدا عن التجاذبات السياسية؟

نعم يجب ان يكون المفتي مستقلا، وهو الآن كذلك. وأنا ليس لي أي ارتباط لا بحركة النهضة ولا بأي اتجاه اخر. فالمفتي يوقع عن الله ورسول الله.

وعندما علمت بحصولي على هذا المنصب تأكدت بأن لي كامل الحرية في وظيفتي وان افتي فيها بما يتماشى مع الاسلام واحكامه وشريعته وليس لاحد علي بسلطان.

كانت لك تجربة في مجلس نواب بن علي وتم فصلك على خلفية مطالبتك بتعدد الزوجات، هل هذا صحيح؟

لم يكن الأمر كذلك، اعوذ بالله، انا في تدخلي في مجلس النواب آنذاك، قدمت مقدمة طويلة وعريضة ومن يريد الرجوع اليها سيجدها في ارشيف المجلس. لقد بينت فيها قيمة المرأة في الاسلام وانه ليس لنا قضية اسمها قضية المرأة في الاسلام لان الله يخاطبنا ويقول لنا “بعضكم من بعض”. يعني يا ايها الرجل لا ينبغي ان تفتخر على المرأة لأنك منها وهي كذلك لأنها منك. ومن آخر وصايا رسول الله وهو يغادر الحياة “أوصيكم بالنساء خيرا، ما اهانهن الا لئيم وما اكرمهن إلا كريم “. فهل يجوز لي بعد هذا أن أدلي بأي عبارات ضد المرأة اوالتقليل من قيمتها؟.

هل تعني ان تعدد الزوجات بنظرك هو انتقاص من قيمة المرأة؟

لا يجوز الربط بين هذا وذاك، يعني ان القوانين الشرعية وضعها الله لرفع المظلمة عن الانسان والاسلام حين شرع وأباح، فإن للحاكم الشرعي، هنا الذي يستمد شرعيته من الله، حق التدخل والتصرف في هذا المباح، ان يبيحه او يمنعه.

من ناحية اخرى، انا لم اطالب بتعدد الزوجات. فنحن نعيش في مجتمع لا يعرف معنى التعدد فليس لي في عائلتي او محيطي من عدّد النساء ولست من المعددين فانا والحمد الله منحني الله زوجة صالحة.

لكن ما دعوت له يخص القوانين الشرعية التي جاءت لترفع المظالم عن الناس ونحن دعونا له رفعا للمظالم ولاحظت في مجتمعنا مظلمة على الرجل وهي ان تصبح زوجته عاجزة عجزا كاملا عن القيام بأعباء الزوجية من الناحيتين المادية والجنسية.

لكن ما قمت بالدعوة له هو فيما يخص القوانين الشرعية التي جاءت لترفع المظالم عن الناس، ودعوتي أتت من هذا المبدأ. فالرجل في مجتمعنا وبعد أن تصبح زوجته عاجزة عجزا كاملا عن القيام بأعباء الحياة الزوجية من الناحيتين المادية والجسدية، يحق له الزواج بثانية.

 في هذه الحال القانون الحالي الموجود يقول انه لا يمكن للزوج ان يتزوج بثانية الا بعد طلاق الاولى وفراقها. فانا قلت، لو كانت الزوجة الاولى راضية بذلك، وبذلك نجمع العائلة ونحافظ على العلاقات بين ابنائها وبناتها وتعيش في كنف عائلة.

ومن غير المعقول ان نرمي بالزوجة بعد ان مرضت، بل يجب أن نتركها اما لأبنائها ونجعلها مرجعا للعائلة، ونبيح للرجل رفعا للمظلمة التي يعيشها ان يتزوج بثانية حتى نرفع الضرر عن الزوج وزوجته، وهذا مقتضى الشرع وتحقيق العدل. والناس آنذاك ثاروا على ما دعوت اليه واثاروها حملة شعواء لمدة سنتين او اكثر.

هل يمكن اثارة هذا الموضوع حاليا بعد الثورة في ظل الحكم الاسلامي؟

انا اثرته مرة ولن اثيره مرة اخرى، وليس من اللياقة وحسن التدبير ان يلقي الانسان بأفكاره وسط اناس يفسرون كل شيء في الشريعة وخارج الشريعة حسب هواهم. فهذا اتون اريد الابتعاد عنه.

ما نحتاجه ونفتقده الان هو الدعوة الى ضمان الوحدة والاستقرار والامن. ويجب على الائمة والخطباء وعلماء الاجتماع ورجال السياسة والدين أن يوحدوا جهودهم، ونتوحد ولا يضر ان نكون مختلفين يمينا او يسارا، المهم ان غايتنا وهدفنا واحد وهو مصلحة ووحدة وأمن تونس.

نعيش اليوم صراعا بين الزيتونيين (نسبة إلى جامعة الزيتونة) والوهابيين. اين انت من كل هذا خاصة انك اتهمت بانك وهابي؟

انا لا اهتم بما يقال، لقد نشأت على مذهب الامام مالك. نشأت على هواه، ونشأت على العقيدة الاشعرية بما يعبر عنه مذهب اهل السنة والجماعة. ولذلك لا يستطيع أي زيتوني تربى في الزيتونة وتعلم فيها وشرب حبها واستنشق هواها ان يكون الا كذلك.

في العهد السابق كانت الخطب جاهزة، واليوم هي غير مراقبة لكن بعضها يحرض على القتل ويكفر المواطنين ويشجع الشباب على الجهاد. ما تعليقك على هذا؟

انا استمد منهجي من منهج رسول الله حتى في سلسلة الخطب التي قدمتها. وبعدما تحدثت على وظيفة الامام وانه يمثل رسول الله عقبتها بالحديث عن السياسة الشرعية في البيان والتبليغ. فان كان الله طلب منا أن نبين ثم نبلغ، فهذا لا يعني اننا نتولى التبليغ باي وسيلة وباي اسلوب.

لدينا منهج كامل وهو ما يعبر عنه بالسياسة الشرعية، المنهج النبوي في التبليغ والدعوى الحكمة والموعظة الحسنة. فهل معقول ان يكون الامام خليفة لرسول الله ويؤم الناس بالتخويف والترهيب؟.

ما هو موقفك من الدعوات والفتاوى التي تشجع الشباب التونسي على الجهاد؟

يوجد خطاب شرعي في القرآن الكريم لم يلق اهتماما كبيرا، وهو قول الله تعالى في سورة الفرقان “وجاهدهم به جهادا كبيرا”. وكلمة “به” ضمير يعود على ما جاء في أول السورة وهو القرآن لان السورة نفسها سميت بالفرقان. والفرقان هو القرآن، لأنه فرق بين الحق والباطل. وجاهدهم بالقران أي جاهدهم عن طريق الحوار والجدل والموعظة الحسنة والدليل والحجة والاقناع.

وحيدالله خان هو من اكبر العلماء التجريبيين، له كتاب عنوانه “الاسلام يتحدى” يقول فيه “الثورة الفكرية قبل الثورة التشريعية”، والثورة الفكرية هي بالحوار والنقاش والجلوس الى طاولة واحدة للوصول الى الحقيقة.

هذا أولى من التوجه للجهاد بالسيف، وهذا لا يعني ان الجهاد بالسيف ليس ركن من اركان الاسلام، لكن طيلة 13 سنة لم يرفع الرسول محمد سيفا ولا حتى عصا. وحين كان المسلمين يشكون لرسول الله من شدة ما يلقوه من ظلم، كان النبي يطلب منهم الصبر واعتماد الحوار والحكمة. ومشكلة الشباب الان هو صم الأذان والحكم المسبق.

ما موقفك مما يحدث في مصر؟

انا من انصار الشرعية، فللشرعية طريق واحد ولغير الشرعية طرق متعددة. وان ازحنا الشرعية فسنفتح طرق عديدة للوصول الى السلطة، عن طريق الفوضى والاضطراب والعنف والتخريب.

 ومن الاولى ان نلزم انفسنا بالشرعية خاصة انها ليست حكما دائما ولا مستمرا وانما محكوم بالديمقراطية والانتخابات. وكل مجموعة تنتهي شرعيتها بالانتخابات. ومن هو اقوى حجة واكثر صدقا، ومن كان اكثر خدمة لمجتمعه سوف ينجح.

أما اذا رفضنا الشرعية، فسنفتح ابواب متعددة لتحطيم المجتمع والدليل هو ما يحصل في مصر. لقد اعتقدوا انه بمجرد عزل الرئيس محمد مرسي وفصله سينتهي الامر، لكن الامر لن ينتهي وسادت الفوضى، وسيستمر الامر في مصر اسوأ مما كان عليه في ايام مبارك. فحماية لنا أن نرضى بالشرعية لأنها شرعية محصنة بحصن الديمقراطية.

ما رأيك بحركة تمرد الشبابية، هل تعتقد أنها تسير على خطى مصر؟

أود ان اكون رصينا وأتمتع بقدر كبير من الحكمة. إن تونس اليوم كمن يمشي على خيط في الهوى اقل ريح تهب من أي جهة ستسقطه. ونحن لا نريد لتونس ان تسقط فأنا ادعوهم الى النظر الى مستقبل تونس ومستقبل اولادها ومستقبل هذا الجيل بكل عقلانية.