قبل اغتيال المحامي والناشط السياسي عبد السلام المسماري، كانت معظم الاغتيالات تطال الضباط الكبار في الأمن الليبي، أو في القوات المسلحة والذين عملوا مع النظام السابق سنوات طويلة، ومنذ اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس ورفيقيه بدأت أصابع الاتهام تشير إلى جهات محددة.

فاللواء يونس كان وزيراً لداخلية القذافي، وقبل ذلك كان قائداً للصاعقة، وساهم بشكل مباشر في القضاء على تمرد الجماعة الإسلامية المقاتلة في منتصف التسعينات.

قبل اغتيال المحامي والناشط السياسي عبد السلام المسماري، كانت معظم الاغتيالات تطال الضباط الكبار في الأمن الليبي، أو في القوات المسلحة والذين عملوا مع النظام السابق سنوات طويلة، ومنذ اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس ورفيقيه بدأت أصابع الاتهام تشير إلى جهات محددة.

فاللواء يونس كان وزيراً لداخلية القذافي، وقبل ذلك كان قائداً للصاعقة، وساهم بشكل مباشر في القضاء على تمرد الجماعة الإسلامية المقاتلة في منتصف التسعينات.

وعندما تم القبض على المتهم بقتل يونس، وهو من مدينة درنة، وكان شقيقه قد قتل في تلك الأحداث، ذهبت التقديرات إلى أن هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم أحراراً وبيدهم السلاح بعد ثورة السابع عشر من شباط/ فبراير، قرروا اغتيال يونس انتقاماً من دوره في منتصف التسعينات، وهي تبقى تقديرات طالما أن نتائح التحقيق لم تظهر إلى العلن حتى الآن.

لكن اللافت أن طريقة الاغتيال والتحريض عليه، تمت التغطية عليه من قبل أطراف إسلامية وغير إسلامية، كانت تشيع أن عبد الفتاح يونس لم يقطع علاقاته مع نظام القذافي، خاصة وأن الجبهة الشرقية التي يقودها يونس لم تنجح في التقدم باتجاه الغرب.

وفعلاً كان عبد الفتاح يونس على اتصال دائم بكبار ضباط القذافي، وهذا ما صرح به البراني اشكال [المحرر: ابن عم القذافي الذي كان آمراً لكتيبة محمد المقريف المسؤولة عن قمع الثورة في طرابلس، واتضح فيما بعد أنه كان يعمل بالتنسيق مع الثوار حتى يوم تحرير العاصمة]، واتضح أن يونس من خلال علاقاته الشخصية كان يحاول استقطاب كبار الضباط، في محاولة لإسقاط النظام من داخله.

بعد ذلك توالت الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي تركزت جميعها في المنطقة الشرقية، ومعظمها في مدينة بنغازي حيث يتواجد تنظيم القاعدة، والذي قرر أعضاؤه الانتقام من كل الضباط الذين تعقبوهم في الجبال، وطاردوهم في مدينة درنة من بيت إلى بيت، ومثلوا بجثث رفاقهم في بنغازي، وحققوا معهم وعذبوهم وألقوا بهم في السجون، وكانت عمليات الاغتيال يقوم بها أشخاص لهم خبرة طويلة في التعامل مع المتفجرات، وهو ما يستبعد فرضية أن من يقوم بهذه الاغتيالات هم المجرمون المحكوم عليهم والذين فروا من السجون.

كما يستبعد أن يكون أعوان النظام السابق هم من فعلوا ذلك، فالدافع للجريمة ضعيف في هذه الحالة، فلو مثلا استهدف بالاغتيال من حرض على الثورة وساهم فيها، عندها يصبح أعوان النظام السابق مشبوهين، بالإضافة إلى أن من يسيطر على الأرض ليسوا أعوان النظام السابق، وإنما الكتائب التي تشكلت بعد الثورة، ومعظمها من الإسلاميين، مثل كتيبة 17 فبراير، وراف الله السحاتي، وأنصار الشريعة والدروع.

كما أن هؤلاء نجحوا في اختراق وزارة الداخلية وأجهزتها، كما اخترقوا رئاسة الأركان وكل منظومة القوات المسلحة، ويمكنهم التنصت على الجميع، وتعقب أي شخص ورصد حركته [المحرر: بسبب سيطرتهم على المقرات]، بينما فقد أعوان النظام السابق هذه القدرات، وهو ما يفسر عدم ظهور نتائج تحقيق واحد في كل قضايا الاغتيالات، بما في ذلك جريمة اغتيال عبد الفتاح يونس ورفيقيه، بالرغم من مطالبة قبيلة كبيرة مثل العبيدات (قبيلة يونس وهي من أكبر قبائل الشرق الليبي) بذلك.

اغتيال المسماري يعيد خلط الأوراق بشكل كبير، فهذه المرة اغتيل محامٍ كان يدافع عن سجناء ابوسليم، كما تبنى قضية مذبحة سجن أبوسليم [المحرر: من قُتل فيها كا جلهم من الإسلاميين]، وهو من قرأ بيان الثورة من أمام محكمة شمال بنغازي، وأشهد انني أجريت معه لقاء لإذاعة هولندا العالمية في اليوم الثالث من الثورة، وكان شجاعاً حتى التهور، وخاصة عندما استهجن إرسال القذافي لابنه الساعدي إلى بنغازي (لاحتواء الثورة)، وتساءل ألم يجد القذافي إلا الساعدي ليرسله لنا؟.

من يا ترى خطط ونفذ جريمة اغتيال أحد قادة ثورة شباط/ فبراير. الرجل المتواضع الذي لم يسعَ إلى أي منصب، وبقي الصوت المدوي للثورة، يذود عنها كما يدافع عن أطفاله، ويقاوم خروجها عن أهدافها ومحاولات سرقتها، ولم يستفد شخصيا من هذه الثورة، التي لم يصل إليه منها سوى الرصاصة القاتلة يوم الجمعة 26 تموز/يوليو 2013.

قد يكون تنظيم القاعدة هو الذي نفذ الجريمة، ولكن ربما هذه المرة لمصلحة تيار آخر يتحالف مؤقتاً معه، والهدف من الاغتيال هو استبعاد رجل عنيد، أكثر من انتقاد الإسلاميين وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، الذين اتهمهم المسماري قبل أيام من مقتله بأن القذافي أرسلهم في الأيام الأولى من الثورة للتفاوض مع الثوار في بنغازي، كما انتقد بشدة عبد الرزاق العرادي القيادي في نفس الجماعة.

فهل خطط الإخوان أو جناح منهم لهذه الجريمة؟ بحيث يمكنهم تحقيق أكثر من هدف، كتكميم أفواه المعارضين لهم، واستخدام الإسلاميين المتطرفين كفزاعة حتى يتم القبول بالإخوان باعتبارهم من الوسطيين، خاصة وهم يعلمون أن صناديق الانتخابات لن تزيد من عدد مقاعدهم، وأن معركتهم مع تحالف القوى الوطنية وصلت إلى مرحلة كسر العظم، وأن ما يحدث في مصر سينعكس عليهم سلبا في ليبيا، وهو سيناريو تم تجريبه في تونس وكان ضحيته شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ووجهت التهمة إلى السلفيين.

ما يؤكد أن اغتيال المسماري لم يقم به شخص واحد، هو هروب سجناء سجن الكويفية، والذي كان الغرض منه لفت الأنظار إلى اتجاه آخر، للتقليل من حالة الغضب التي تفجرت في بنغازي وطرابلس، والتي طالت مكاتب حزب الإخوان، وأيضا مكاتب تحالف القوى الوطنية، وإذا كان الحزبان قد تنافسا بشدة في كل شيء، سواء بالكتائب المستعدة للدفاع عنهما، أو بالقنوات الفضائية التي تلهج بذكرهما، ولكن هذه المرة تقدم الإخوان خطوة عن التحالف، فقد أصبح لديهم قاتل مأجور سيدخل الجنة إذا قتل، وسيخرجونه من السجن مثلما خرج علي الفزاني إذا ألقي عليه القبض، أما إذا أصبح عبئا فعندها سيتبرأون منه.

تفجير مراكز الشرطة أكثر من مرة، وأخيراً تفجير محكمة شمال بنغازي، واغتيالهم (تنظيم القاعدة) بعض وكلاء النيابة يشير ليس فقط إلى رغبتهم في الانتقام من المنظومة الأمنية والقضائية التي زجت بهم في السجون، وإنما أيضا يشير إلى أنهم استكملوا مرحلة الحضانة، وإعادة تنظيم أنفسهم، وفي هذه الحالة فإنهم سيرفضون شكل الدولة، ويسعون لفرض دولة الخلافة وتطبيق الشريعة وفقاً لتفسيرهم.

وإذا صح هذا الافتراض فإن اغتيالهم للمسماري هو عمل قاموا به وحدهم، وليس لمصلحة شركاء آخرين، وهو ما يؤكد أن عبد السلام المسماري ليس الضحية الأخيرة، وسيستهدفون في المستقبل نشطاء المجتمع المدني وكل صاحب رأي يخالف رأيهم، فالطاغية لم ينته بعد في التاريخ الليبي، وإنما سيظر بشكل جديد لعله هذه المرة في جلباب أمير المؤمنين.