لم تكن حادثة اغتيال محمد البراهمي، عضو المجلس التأسيسي التونسي والوجه القومي المعروف لتمرّ هكذا بدون انعكاسات ولا ردود فعل. خاصة وأنها تأتي في ظرف وطني تميّز بالاحتقان والتوتر الاجتماعي والسياسي.

وتزامنت عملية الاغتيال مع ارتفاع الاصوات التي تنادي بإسقاط الحكومة، بما يعنيه ذلك من دعوات التمرّد وتقويض المسار الحالي الذي تحكّمت به حركة النهضة، وأطالت أمده الى درجة فقد فيها الكثير من المهتمين بالشأن العام صبرهم، وبدأوا في الحديث عن ضرورة التغيير في صيغة النظام وفي عناوينه.

لم تكن حادثة اغتيال محمد البراهمي، عضو المجلس التأسيسي التونسي والوجه القومي المعروف لتمرّ هكذا بدون انعكاسات ولا ردود فعل. خاصة وأنها تأتي في ظرف وطني تميّز بالاحتقان والتوتر الاجتماعي والسياسي.

وتزامنت عملية الاغتيال مع ارتفاع الاصوات التي تنادي بإسقاط الحكومة، بما يعنيه ذلك من دعوات التمرّد وتقويض المسار الحالي الذي تحكّمت به حركة النهضة، وأطالت أمده الى درجة فقد فيها الكثير من المهتمين بالشأن العام صبرهم، وبدأوا في الحديث عن ضرورة التغيير في صيغة النظام وفي عناوينه.

وكان وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو قد كشف أن قتلة البراهمي هم أنفسهم من نفذوا عملية اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد. وأن الاغتيال تم بنفس السلاح وبنفس الطريقة وعن طريق نفس المنفذين تقريبا.

اغتيال البراهمي لم يكن من قبيل الجرائم التي تحدث بشكل عادي ولا تلفت الانتباه. إذ تشير التصريحات الحكومية والمعارضة إلى أنها عملية مقصودة ومخطّط لها بدقّة، خاصة لناحية اختيار التوقيت والشخصية المناسبة، القادرة على احداث الرجّة المطلوبة التي تجرّ ما بعدها.

وبعيدا عن الاتهامات السياسية أو الشخصية أو حتى محاولات تلبيس القضية لطرف دون غيره، فإن ضرورة الوصول الى أهم أهداف هذه العملية، تقتضي المرور على أهم الملابسات المحيطة بها.

فما حفّ بعملية اغتيال البراهمي من تصريحات وردود أفعال ومواقف، تجعل من توقيتها تحديدا يحتل أهم عنصر من عناصر الجريمة، وهنا لا بد استعراض بعض الاوضاع المحيطة بالعملية حتى نتمكن من وضعها في اطارها، وأهم هذه الاوضاع هي بلا شك:

-الوضع السياسي الذي وصل الى حدّ الاختناقّ، والذي بات فيه الحوار شبه معدوم بين السلطة والمعارضة، الا في حالات نادرة، يجتمع فيه بعض الامناء العامين ليخرجوا بلا شيء يُذكر تقريبا.

-الوضع الاجتماعي في البلاد، الذي احتقن الى درجة كبيرة، في ظل التهديدات التي تطلقها جماعات “تمرّد” باعتزامها النزول الى الشوارع واسقاط الحكومة، وما يقابلها من تصريحات وردود فعل متشنّجة من القائمين على الحكم، وبخاصة من قيادات حركة النهضة. وما تتميز به هذه الردود من تشنّج وصل الى حدّ التهديد بالقتل واستباحة الدم ضد كل من يهدّد الشرعية، كما جاء على لسان السيد الصحبي عتيق، رئيس الكتلة البرلمانية لحركة النهضة.

-الوضع العربي والدولي، الذي تميّز بتسارع الاحداث، سواء على مستوى دول الربيع العربي المشابهة لتونس في التفاصيل السياسية والشعبية وما نتج عنها من اسقاط للشقيق الاكبر لحركة النهضة هناك. أو على مستوى الدول الخليجية الداعمة والراعية لهذا الربيع، لناحية تغيّر الموازين هناك، وبروز قطب ثنائي سعودي اماراتي، يبدو أنه قد تولى زمام ملفات الربيع العربي والشرق الاوسط عامة، عوضا عن الفاعل القطري الذي ركن الى الراحة في الاسابيع الاخيرة، وسُحبت منه كل الملفات المتعلقة بمستقبل المنطقة.

وهي معطيات لا بد من أخذها بعين الاعتبار في استقراء وقائع الحادثة، التي توجّهت فيها اصابع الاتهام آليا الى حركة النهضة، سواء من اتهمها مباشرة في عملية القتل، أو من اتهمها على اساس تحمّلها لمسؤولية حماية البلاد والاشخاص والشخصيات.

 ورغم أن كثير من قيادات النهضة ما فتئت تردد في كل مناسبة، أن النهضة هي المتضرّر الأكبر من هذه العملية. والتأكيد أن اقدام النهضة على عملية اغتيال بهذا الحجم وفي هذا التوقيت بالذات، وفي ظل هذه الظروف الموضوعية، هي عملية انتحار سياسي للنهضة، وهي بذلك قد تُجهز تماما على مستقبلها السياسي.

ولئن ذهبت التحاليل الامنية في اتجاه الداخل، وركّزت بالخصوص على الجماعات السلفية التكفيرية، في ربط آلي باغتيال شكري بلعيد. الا أن مؤشرات عديدة ايضا لا بد من أخذها بعين الاعتبار وادراجها في جملة المحفّزات أو الدوافع، حتى وان كانت خارجية، ووردت في شكل تصريحات اعلامية أو لسياسيين عرب وأجانب. واولى هذه الدوافع بلا شك:

-السيناريو المصري الذي تريد عديد الاطراف في الداخل والخارج استنساخه في تونس، وعلى اعتبار غياب أهم عنصر فيه وهو العسكر، فقد تكون عملية اغتيال من هذا الحجم، كفيلة بتعويض دور الجيش، وجعل الغضب الشعبي والمناطقي وحتى القبلي يحلّ محلّ الجنرالات، ويسرّع عملية اسقاط النظام واحلال أطراف أخرى محلّه.

-تصريحات قادة النهضة وعلى رأسهم شيخها راشد الغنوشي وقادتها كالعريض والصحبي عتيق وغيرهم بأن الحركة ستتصدى لكل من يحاول التطاول على الشرعية، وبكل الطرق الممكنة والمستباحة، بما فيها استباحة الدم، كما قال عتيق.

-التقارير الاعلامية أواخر الاسبوع الفارط، والتي تحدثت عن تخزين النهضة للسلاح واعدادها للمقاتلين استعدادا لتكرار المشهد المصري.

-التقارير الواردة قبل أيام في وسائل الاعلام الجزائرية والتي نبهت الى دخول مجموعات واسلحة من ليبيا واستقرارها في تونس استعدادا لتنفيذ عمليات في تونس والجزائر.

-التصريح الذي أدلى به منذ حوالي أسبوعين ضاحي خلفان مدير أمن دبي، والذي قال فيه أن حركة النهضة لن تلبث في حكم تونس أكثر من ثمانية عشر شهرا على أقصى تقدير.

كل هذه التقارير والتصريحات، ورغم أنها وردت من أطراف مختلفة، وقد تكون بعيدة جغرافيا عن تونس، الا أن توقيتها بالتحديد قد يكون له علاقة بعملية الاغتيال، اذا ما نظرنا لها من زاوية دولية، بعيدا عن الحسابات الداخلية التي تصرّ السلطات في تونس على التشبّث بها.

ومهما اختلفت التحاليل والقراءات، ومهما تعددت الحقائق والمعطيات، فإن عملية اغتيال بهذا الحجم، وفي هذا التوقيت بالذات، لا يمكن إلا أن تكون ذات أهداف أبعد من قتل معارض لنظام الحكم، وأخطر من تصفية رمز قومي أو عضو مجلس تأسيسي. وسوف تكون انعكاساتها ولا شكّ حادة على البلاد، خاصة في هذا الظرف الذي يبدو أنه مرشّح لمزيد التوتر، وخاصة لدورة جديدة من العنف، قد تكون شرارتها انطلقت بمقتل الشهيد محمد البراهمي، لكن نهايتها لا يعلمها أحد.