في 2011 هلل الجميع، وتفتحت آمال وردية بمستقبل مزدهر لكل المصريين، مستقبل يخلو من الخوف والقمع والفساد. آنذاك هرع الإخوان تحديداً لمصافحة “العسكر” والتحالف معهم قبل أن ينقلبوا عليهم ويزيحوهم من الطريق. في المرة الثانية لا يجد الإخوان المسلمون سوى كلمة “الشرعية” ليكرروها بالحق وبالباطل، حتى أن رئيسهم قذف بها في وجه المستمعين إلى خطابه الأخير عشرات المرات، وكأنه يريد التأكيد على ما يفتقده.

في 2011 هلل الجميع، وتفتحت آمال وردية بمستقبل مزدهر لكل المصريين، مستقبل يخلو من الخوف والقمع والفساد. آنذاك هرع الإخوان تحديداً لمصافحة “العسكر” والتحالف معهم قبل أن ينقلبوا عليهم ويزيحوهم من الطريق. في المرة الثانية لا يجد الإخوان المسلمون سوى كلمة “الشرعية” ليكرروها بالحق وبالباطل، حتى أن رئيسهم قذف بها في وجه المستمعين إلى خطابه الأخير عشرات المرات، وكأنه يريد التأكيد على ما يفتقده.

لقد أصبح محمد مرسي رئيساً لمصر بأصوات 51,7 % من الناخبين. ومن المعروف أن قسماً معتبراً من المصوتين له انتخبه نكايةً في منافسه أحمد شفيق، آخر رئيس وزارة في عهد مبارك. كان الأمل أن يسارع الرئيس ويؤكد – ليس بالكلام وحده – أنه رئيس لكل المصريين، وأن يجتذب إلى صفه نصف الشعب الآخر.

لكن محمد مرسي نسي بسرعة وعوده، مصدراً “إعلاناً دستورياً”، وضع فيه الرئيس نفسه فوق القضاء. كان هذا الإعلان غير دستوري بامتياز، بل إنقلابا على الدستور والشرعية، وهو يذكر بقوانين هتلر للتمكين Ermächtigungsgesetze  التي جعلته أيضاً فوق القانون.

خطيئة مرسي الكبرى كانت إقصاء كل القوى السياسية غير الإسلامية ومحاولة “أخونة الدولة”. جلس الإسلاميون وحدهم ليصوغوا دستور البلاد، كان فيه محمد الصاوي، المقرب للإخوان، ممثلاً عن الكنيسة المصرية! هذه الخطوة وحدها تبين فهمهم لمسألة المشاركة. وهكذا تم إقرار الدستور في ليلة واحدة، وبطريقة تدعو الى الرثاء.

نعم، محمد مرسي انتُخب على نحو ديمقراطي نزيه (رغم كل ما شاب الانتخابات من “تجاوزات” وتأثير على إرادة الناخبين بشعارات دينية”)، لكن الديمقراطية لا تتوقف عن نتائج صناديق الاقتراع، كما أن الأسلوب الذي انتهجه في الحكم لم يكن ديمقراطياً مطلقاً. لقد عمق مرسي بقراراته، واختياراته، وتشبثه بوزراء فاشلين، الانقسام في المجتمع، وعبر عام أثبت أنه فشل في إدارة ملفات عديدة في البلاد، لا سيما الاقتصاد والأمن القومي وملف مياه النيل.

كل ذلك أدى إلى مولد “حركة تمرد” وإلى خروج الملايين في كل المحافظات المصرية يوم الثلاثين من حزيران/يونيو، أي في ذكرى مرور عام على تولي مرسي السلطة، للمطالبة بإنهاء حكم الإخوان.

ما حدث يوم 30 يونيو 2013 كان، في رأيي، استفتاءً ديمقراطياً شعبياً، وكانت نتيجته الواضحة: الشعب يريد انتخابات رئاسية مبكرة. الملايين مقتنعة بأن مرسي لا يحسن القيادة، وبأنه يقود سفينة الوطن في اتجاه خاطئ، بل إن الغرق يهدد هذه السفينة.

نعم ما حدث كان انقلاباً ناعماً، لكنه يستند على إرادة شعبية عريضة، واقتناع بفشل حكم الإخوان. كما أن البلاد كانت على شفا اقتتال أهلي بعد خطاب مرسي الأخير.

رغم ذلك تظل التخوفات كثيرة: لجوء المعارضة الليبرالية واليسارية إلى التحالف مع الجيش ليس في صالح الديمقراطية على المدى البعيد. الأسئلة الملحة الآن هي: كيف سيكون سلوك قادة الجيش في الفترة القادمة؟ هل ستظل الكلمة العليا لهم؟ كيف سيتم التعامل مع الإخوان؟ هل بروح التشفي والثأر؟ إن حملة الاعتقالات لقيادات الإخوان تؤكد ذلك، كما أن إغلاق القنوات الإسلامية يمثل ضربة قاضية لمن يدافع عن حرية الإعلام.

المطلوب الآن وبشكل عاجل: إعادة الإخوان الى اللعبة السياسية، والتسريع بمصالحة وطنية حقيقية، كما أن المطلوب أن تبرهن المعارضة من التيار الليبرالي واليساري أن لديها بدائل أفضل من جماعة الإخوان. إنها بداية ثانية لثورة 25 يناير 2011، بعد أن تعثرت لأسباب عديدة، كان أهمها سوء إدارة المجلس العسكري للفترة الانتقالية؛ فكيف ستُدار الفترة الانتقالية الثانية؟