مروى وزياد الشريف طفلان في عمر الزهور لقيا حتفهما في ظرف زمني وجيز. الملفت للانتباه أنهما  يقطنان بجوار مصنع كيميائي بواحة “شاطئ السلام” التي لم تعرف السلام جراء ما ينفثه هذا المصنع من سموم حسب الأهالي.

“لن أسكت عن حق ولدي اللذين ماتا بمرض فيروس في الكبد جراء التلوث الذي نتنفسه يوميا داخل مضاجعنا”، هذا ما قاله نبيل الشريف بحرقة الاب المقهور الذي لم يستطع فعل شيء امام الموت الذي اختطف طفليه.

الاتهام الأول من نوعه

مروى وزياد الشريف طفلان في عمر الزهور لقيا حتفهما في ظرف زمني وجيز. الملفت للانتباه أنهما  يقطنان بجوار مصنع كيميائي بواحة “شاطئ السلام” التي لم تعرف السلام جراء ما ينفثه هذا المصنع من سموم حسب الأهالي.

“لن أسكت عن حق ولدي اللذين ماتا بمرض فيروس في الكبد جراء التلوث الذي نتنفسه يوميا داخل مضاجعنا”، هذا ما قاله نبيل الشريف بحرقة الاب المقهور الذي لم يستطع فعل شيء امام الموت الذي اختطف طفليه.

الاتهام الأول من نوعه

“الاتهام المباشر” الذي وجهه والد الطفلين للمجمع الكيمائي بمدينته، هو الأول من نوعه في تاريخ المنطقة. فقبل ثورة كانون الثاني/ جانفي 2011 لم يكن أحد يتجرأ على فتح هذا الموضوع بل حاول المسؤولون مرارا  إخماد الأصوات المنادية بخطر التلوث على أهالي قابس مما جعل البعض يسمّيها مدينة “الموت”.

وأصبح التلوث في مدينة قابس يمثل هاجسا متناميا يشغل بال الأهالي بعد أن أثر بشكل كبير في الفلاحة والصيد البحري والسياحة والصحة فكثرت الإصابات بالسرطان وهشاشة العظام وغيرها من الامراض الخطيرة . ويصل نفث هذه المصانع  للغازات السامة، حسب خبراء في البيئة، إلى 35 كلم حيث تمسح قرابة معظم الولاية.

وفي يوم الثلاثاء 28 أيار/ ماي الماضي جاءت وفاة الطفل زياد الشريف الذي  يبلغ من العمر 11 سنة في إحدى مستشفيات ولاية سوسة بسبب إصابته بمرض التلوث الكبدي لتزيد من حدة المطالبات بإغلاق المصنع الكيميائي او إبعاده عن المنطقة. وقد أصيب زياد بهذا المرض جرّاء قرب منزل عائلته من المنطقة الصناعية التابعة للمجمع الكيميائي على حد قول والده.

وكانت أخته مروى الشريف ابنة الخمس سنوات توفيت أيضا يوم 12 من الشهر نفسه، وبنفس السبب حسب ما أكده والدهما لـ “مراسلون”.

وأفاد نبيل الشريف أنه يعتزم تقديم قضية بالمجمع الكيميائي الذي كان سببا في وفاة ابنيه  مستدركا “لكن الى حد الآن لم استطع التحصل على الملف الطبي الذي يثبت هذا، فقد رفض المسؤولون في المستشفى تزويدي بالملف الذي يتضمن تفاصيل هامة تثبت الأسباب الحقيقية لوفاة ابنيّ”.

وأضاف ايضا “لن اهدأ ولن أرتاح حتى اقتلع حق ولدي وحق كل ابناء الولاية من هذا الغول الذي يعيش بيننا”.

أما إدارة المجمع الكيميائي التونسي فقد رفضت الادلاء بأي تصريح لـ “مراسلون” في ما يخص هذا الاتهام وطبيعة التلوث الناجم عن المصانع.

لا علاقة للتلوث

ومن جهته أكد أنور الحافي رئيس المصلحة الجهوية للرعاية الصحية بقابس في تصريح لموقع “مراسلون” أن سبب وفاة مروى وزياد “لا علاقة له من قريب ولا من بعيد بالتلوث الناجم عن المجمع الكيمائي بقابس”.

وبيّن أن “السبب هو مرض التهاب الكبد الفيروسي وهو مرض معد يمكن أن يتسبب في عدوى لكامل افراد العائلة إن لم يقع اتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة”.

واحتجاجا على الغازات السامة التي ينفثها المجمع، تنوعت أشكال تحركات أهالي قابس منها العنيفة التي وصلت حد قطع الطرقات. وأخرى سلمية آخرها مسيرة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للبيئة يوم 5 حزيران/ جوان.

ونظمت الجمعيات والمنظمات البيئية والحقوقية بالجهة تظاهرة تحت شعار “نحب نعيش” ضمت عديد الفقرات التنشيطية والتثقيفية من المسرح والغناء والتصوير الضوئي، وشارك فيها اطفال من كل الاعمار.

وقال فاضل الطرابلسي عضو تنسيقية الجمعيات لـ “مراسلون” إن “هدف هذه التظاهرة هو إشعار كل الاطراف بالخطر البيئي الذي يهدد قابس من خلال عرض مجموعة من الصور الشمسية التي تنقل الواقع البيئي هنا”.

نتائج تنذر بالخطر

سنة 1993، أي منذ عشرين سنة، قامت لجنة جهوية للصحة والسلامة المهنية بالتعاون مع فرع قابس للاتحاد العام التونسي للشغل بإجراء تحاليل متنوعة لأكثر من 1200 شخص. وشملت مختلف مناطق قابس لمعرفة نسبة مادة “الفليور” في الجسم.

وقد كانت النتائج مخيفة وتنذر بالخطر،  باعتبار أنّ هذه المادة تسبب امراضا عديدة كضيق التنفس وهشاشة العظام والسرطان والامراض الجلدية. بل إن تأثيرها يطال كذلك الأجهزة الهضمية والتناسلية. وقد اقر المعهد الوطني للصحة والسلامة المهنية بوجود هذه الأمراض الناتجة عن التلوث.

وتأسس المجمع الكميائي الذي يوجه إنتاجه بصفة شبه كليّة للتصدير سنة  1972 ودخل طور الإنتاج سنة 1976 بطاقة تصميمية قدرها 30.000 طن في السنة من مادة “ثلاثي متعدد فسفات الصوديوم”.

و يتم إنتاج هذه المادة بالاعتماد على أسلوب كيميائي وقع تطويره بالمصنع ويمكن من الحصول على إنتاج جيد انطلاقا من مواد أولية أساسية. أبرز هذه المواد هو  الحامض الفسفوري المستعمل أساسا لصنع الأسمدة الفوسفاتية والمستخرج من الفسفات التونسي في مصانع المجمع الكيمياوي.

ويستعمل “الثلاثي متعدد فسفات الصوديوم” أساسا لإنتاج مسحوق المنظفات الصالح للغسل باليد أو بالآلات الكهربائية. ويستعمل أيضا وبدرجة أقل لمعالجة المياه وفي صناعة الخزف.

ما الفائدة من القوانين؟

ويؤكد كاتب الدولة المكلف بالبيئة الصادق العامري في حديث مع موقع “مراسلون” أن هناك مشروع لتحويل مادة “الفوسفوجبس”  ( أي النفايات الناجمة عن المصنع الكيميائي) إلى سبخة بجهة بعيدة عن التجمعات السكنية عوض تصريفها في مياه خليج قابس.

وأضاف أن “ثلاث دراسات تم انجازها في هذا المجال تأخذ في الاعتبار حماية البيئة وصحة المواطنين”، وأن “الوكالة الفرنسية للتنمية والبنك الالماني عبرا عن رغبتهما في مساندة مشروع تهيئة وتأهيل خليج قابس بكلفة جملية للمشروع قدرها 400 مليون دينار”.

ولكن رغم وعي الجميع بأن الوضع البيئي في الجهة مقلق للغاية فإنّ الإشكالية الأساسية تكمن في عدم تطبيق القوانين والتشريعات الوطنية والدولية التي وقعت تونس عليها باعتبارها ضمانا للأجيال القادمة تمكنها من العيش في بيئة سليمة.

ويعلق الأب نبيل الشريف الذي فقد ابنيه على كل ذلك “ما الجدوى من سن هذه القوانين إذا لم تجد طريقها للتطبيق على أرض الواقع”، مؤكدا على  الاستمرار في معركته القضائية وصولا إلى إبعاد سموم الشركة عن قابس.