عادة ما تبدو السياحة أمرا بعيدا عن اهتمام دراسي العلوم السياسية، لكن الاكاديمية الفرنسية ساندرين جامبلين كان لها رؤية أخرى، فالقطاع السياحي بالنسبة لها كان ساحة مناسبة لرؤية كيف تم تطبيق سياسات السوق النيوليبرالية في مصر وكيف كانت تأثيرات هذا الاتجاه اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا على البلاد.

عادة ما تبدو السياحة أمرا بعيدا عن اهتمام دراسي العلوم السياسية، لكن الاكاديمية الفرنسية ساندرين جامبلين كان لها رؤية أخرى، فالقطاع السياحي بالنسبة لها كان ساحة مناسبة لرؤية كيف تم تطبيق سياسات السوق النيوليبرالية في مصر وكيف كانت تأثيرات هذا الاتجاه اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا على البلاد.

[ibimage==6905==Small_Image==none==self==null]

ساندرين جامبلين

الباحثة المقيمة في مصر ترصد ارتباطا بين تنمية السياحة والأهداف السياسية للنظام الحاكم في مصر في مختلف مراحل الدولة المصرية الحديثة. وترى أن نظام الإخوان الحالي في مأزق بسبب احتياجه لعائدات السياحة من جهة، وارتباطه بحلفاء يتخذون موقفا متشددا من السياحة كالسلفيين.

كيف غير نظام مبارك خريطة مصر السياحية؟ ومن كان المستفيد الاكبر من هذا التغير؟ وكيف يتعامل الاخوان بتوجهم الاسلامي مع تركة مبارك السياحية؟ أسئلة طرحناها على ساندرين استاذة العلوم السياسية ومنسقة برنامج ماجيستير العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية بالقاهرة.

بدايةً متى بدأت السياحة تأخذ مكانا في حيز الاقتصاد المصري، فدعاية نظام عبد الناصر على سبيل المثال كانت تعتمد بشكل كبير على التصنيع والزراعة؟

في وقت عبد الناصر كان هناك تنمية للآثار الثقافية لمصر، فمفهوم السياحة في تلك الفترة هو السياحة “الثقافية” للآثار والأماكن التاريخية، وخاصة الفرعونية منها. ولكن الهدف من وراء هذه التنمية كان هدفا سياسيا أكثر منه هدف استثماري. وأصدرت الحكومة مجلة بعدة لغات من أجل الدعاية للآثار الفرعونية لمصر، وكانت الدعاية الموجهة مواكبة لسياسات عبد الناصر.

ولعبت السياحة والآثار دورا دبلوماسيا تحتيا أحيانا فعملية نقل معبد ابو سمبل كانت إحدى طرق إعادة العلاقات مع حكومة فرنسا بعد قطعها تماما مع حرب 1956، ولعب فيها الأثريون الفرنسيون دورا كبيرا،  والتي تطورت حتى صورة عبد الناصر وديجول أمام افتتاح معرض توت عنخ أمون في باريس 1966.

ومن الجدير بالذكر أن هناك عدة قطاعات لم يشملها التأميم منها السياحة. ففندق هيلتون الذي تم افتتاحه في أواخر الخمسينات كانت إدراته مشتركة بين الحكومة المصرية وشركة هيلتون العالمية. لأن تنمية قطاع السياحة يحتاج إلى أموال ضخمة لا تملكها الدولة ولا تريد الاستثمار فيها لذا كانت تترك هذا الأمر للقطاع الخاص.

ومع سياسات السادات المختلفة كيف تغير وضع السياحة؟

مع الانفتاح نشطت الاستثمارات في هذا القطاع بدرجة كبيرة، وكان الخطوة الأولى في اتجاه بيع الممتلكات العامة لدرجة أن السادات فكر في تأجير الاهرامات ما بين 1976 -1977 لشركة أمريكية تحول المنطقة إلى مدينة ملاهي! ولكن لم يتحول هذا الوضع إلى سياسة استراتيجية للدولة إلا في عهد مبارك. جزء من ذلك أن عدد السياح القادمين لمصر لم يكن كبيرا وأيضا حجم السياحة العالمي بشكل عام لم يكن ضخما.

كيف تغير الوضع مع مبارك؟

في آخر الثمانينات شهدت مصر أزمة اقتصادية طاحنة وكانت الاقتصاد على شفا الانهيار، ثم جاءت حرب الخليج في اوائل التسعينات، وكانت مصر حليفا قويا للولايات المتحدة في حربها على العراق ونتيجة تلك المساعدات تمت جدولة الديون المصرية. وبدأ النظام في قبول شروط صندوق النقد الدولي في إجراء اصلاحات اقتصادية نيوليبرالية، وكانت السياحة على رأس القطاعات التي بدأ ضخ الاموال فيها. حيث كان القطاع السياحي أول قطاع اتفقت الحكومة المصرية مع صندق النقد الدولي على خصصته في بداية التسعينات هو قطاع السياحة، وبدأت دعاية النظام في ذلك الوقت في الترويج على أن السياحة هي قاطرة التنمية والرخاء.

فقام البنك الدولي بتمويل مشروعات للبنية التحتية في سيناء والبحر الاحمر من أجل تنمية السياحة، وتلاقت مصالح النخبة السياسية والاقتصادية في مصر مع الخارج في ضرورة تنمية القطاع السياحي من أجل صناعة صورة جيدة لمصر كبلد هادىء ومستقر وبالتالي يتم جذب استثمارات أكبر إليه.

وهل نجحت هذه السياسة في جذب سياحي أكبر؟

إذا تتبعنا الأرقام سنجد في أول الثمانينات أن عدد السياح مليون سائح، ومع بداية التسعينات وصل العدد إلى مليوني سائح وأحدث الرقم ساعتها ضجة إعلامية. وفي 2010 وصل الرقم إلى 14 مليون سائح.

اذن نحن امام تغير كبير خلال عشرين عاما حدث في مصر – مع العلم ان هذا الرقم يبقى ضئيلا في سوق السياحة العالمي، فتركيا يزورها 27 مليون سائح في السنة، تونس – التي يصل تعدادها إلى 10 مليون نسمة – يزورها 12 مليون سائح تقريبا. وتنبع أهمية السياحة من كونها تشكل المصدر الأهم للعملة الصعبة بجانب قناة السويس، وأزمة البنك المركزي الآن في الدولار سببها تراجع السياحة.

ولكن مع هذه السياسات الجديدة كيف تغير شكل السياحة؟

منذ الستينات وحتى التسعينات كانت السياحة قائمة أساسا على السياحة الثقافية، وبدأت منذ التسعينات تنمية السياحة في اتجاه مختلف تماشيا مع متطلبات السوق العالمية للسياحة التي حكمتها نظرية الـ 3S “Sun, Sand and Sex” (شمس، رمال وجنس). وهذا مهم لفهم ما حدث في الخمسة عشر عاما الأخيرة في مصر.

فالطلب الدولي تغير، فالسائح القادم إلى مصر لم يعد مهتما بشكل أساسي بزيارة الأهرمات وآثار الجنوب، فجزء ضخم من حجم السياحة في مصر تتوجه إلى البحر الاحمر وسيناء، فزيارة الاثار والرحلات النيلية حتى جنوب مصر أصبحت امرا قديما لا يجذب السائحين.

وبدأ هذا الاتجاه في تطوير مناطق خالية لم تكن معروفة كأماكن سياحية من قبل مثل سفاجا ومرسى علم، خاصة الاخيرة بعد أن تم بناء مطار دولي هناك وبدأ انتشار القرى السياحة هناك، فحدثت تنمية سريعة وكان هناك اتفاق مع المنظمة الدولية للسياحة على تنمية مناطق جديدة خارج وادي النيل، وساعدت حوادث الارهاب في التسعينات على زيادة البعد عن وادي النيل بأثاره التاريخية.

بالنسبة لي كان الارهاب ذريعة للخروج السياحي من وداي النيل، لكن السبب الاهم هو اكتشاف مناطق جديدة ملائمة للطلب السياحي السياحي العالمي، وبالتالي يمكن تحقيق استفادة أعلى للنخبة الاقتصادية التي تستثمر في القطاع السياحي، وتم سن قوانين من أجل حماية تلك الاستثمارات.

وفي أوائل التسعينات تأسست هيئة تنمية السياحة، بهدف توزيع التمويل القادم من المؤسسات الدولية على مستثمرين محليين لتطوير المشروعات السياحية، وكان لها استقلال عن وزارة السياحة، حيث كانت مسئولة عن السياحة خارج المدن.

ويمكن القول أن كثيرين حققوا ثروات طائلة من العمل في السياحة منذ التسعينات. فالحكومة أعطت تسهيلات ضخمة حيث كان سعر المتر في سيناء دولار واحد تقريبا. لذا لم يكن غريبا أن يكون وزراء السياحة هم أول وزراء قدمهم مبارك بنفسه للمحاكمة في أيامه الاخيرة مثل زهير جرانة وزير السياحة الاسبق المسجون حاليا وصاحب إحدى كبريات الشركات السياحية، وأيضا أحمد المغربي وزير الاسكان المتهم بيبيع أراضي لشركات سياحية وهذا يظهر مدى الفساد المستشري في هذا القطاع.

بالنسبة لك ما هي التغيرات التي صنعها هذا الاتجاه في تطوير السياحة؟

بداية دمرت المنتجعات والفنادق السياحية التي تم بنائها في سيناء والبحر الاحمر طبيعة تلك المنطقة، فالغردقة تحولت إلى مدينة أسمنتية تماما وانسحبت الشعب المرجانية الطبيعية التي كان يمكن رؤيتها منذ خمسة عشر عاما على بعد أمتار من الشاطىء إلى كيلومترات عديدة لداخل البحر.

وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي؟

على المستوى الاقتصادي والاجتماعي كان يوجد عدة طرق لإعادة توزيع الأموال القادمة من السائحين على المستوى المحلي منها نظام “العمولة”، إحدى الوسائل التي يتم بها توزيع الدخل السياحي على عدد أكبر من الناس على المستوى المحلي.

المستفيد الأساسي كان المرشد السياحي الذي يجلب مجموعة من السائحين عند محلات بعينها كي يشتري منها السائح ما يريد أن يرجع به من مصر، وهكذا لم يكن المرشد وحده يحقق كسبا ولكن أصحاب المحلات والعاملين بها وأيضا صناع المنتجات التي يشتريها السائحون.

أيضا “الخرتية” وهم الشباب الموجودين في وسط المدينة ويقومون باصطحاب السياح للمناطق التاريخية وإلى ورش المنتجات السياحية نظير مقابل مادي، وكانت مثل هذه الوسائل تسمح بتوزيع مدخول السياحة على مستوى أوسع.

وهناك دراسة اقتصادية تشير إلى ان هناك 70 قطاع اقتصادي يستفيد بشكل مباشر وغير مباشر من السياحة. ولكن تأثير خمسة عشر عاما من احتكار النشاط السياحي ودفع حركة السياحة خارج الوادي إلى المناطق السياحية الجديدة قد أغلق الباب على هذه الفئات الاجتماعية. منذ اواخر التسعينات بدأت حركة هجرة شباب الجنوب من الاقصر واسوان باتجاه البحر الاحمر، وهذا له تأثير على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والأسري.

والآن بعد الثورة كيف ترين الوضع السياحي؟

عندي شك في الارقام الرسمية التي تعلنها الحكومة حيث أعلنت أن عدد السائحين في 2012 ما بين 11 و12 مليون سائح، وفي نفس الوقت درجة إشغال الفنادق في وداي النيل من القاهرة إلى الاقصر منخفضة للغاية. وعند الحديث عن المناطق السياحية في سيناء والبحر الاحمر فالحكومة تعلن أن نسبة الاشغال السياحي ما بين 60 و70%.

وماذا عن التخوفات من الاخوان المسلمين كحكم اسلامي؟

برنامج الحرية والعدالة في انتخابات 2011 البرلمانية عن السياحة لا يضم الكثير، ربما جملة واحدة هي أنه  ”يجب العمل على إعادة صياغة السياحة لمساعدة الاقتصاد المصري وبما يتماشى مع قيمنا ومبادئنا الأخلاقية”. بداية نحن لا نعرف اي “مبادىء” و”قيم” هي التي يعترف بها الاخوان ويريدون تطبيقها ولكن يجب القول أن تخطيط السياحة بشكلها خلال حكم مبارك يساعدهم في تنفيذ ذلك.

فتخطيط السياحة كفقاعات مغلقة بعيدة عن المناطق السكانية وبالتالي لا يوجد اتصال كبير بين السياح الاوربيين – الذين يشكلون النسبة الاكبر حتى الآن – وقطاعات واسعة من السكان وبالتالي يمكن أن يظل هؤلاء يأتون وينصرفون في هدوء.

فهناك مساحة لوجود أنواع مختلفة من السياحة، فسياحة الفقاعات تسمح بوجود فقاعة – منتجع سياحي فيه خمور وبكيني، بجوار فقاعة اخرى تفصل بين الرجال والسيدات ولا تسمح بالكحول والمايوه. والصنفين يمكن ان يتعايشان بدون مشاكل.

ولكن هل ترين أن هناك اتجاها لصناعة هذا التجاور؟

يوجد خطابان الآن فيما يتعلق بالسياحة الأول خطاب وزارة السياحة التي تؤكد أنه لا يوجد تغيير بسبب الاخوان المسلمين وستظل الأمور كما كانت، وهذا ما أعلنه وزير السياحة في دبي منذ أسابيع قليلة حيث أكد أن لا وجود لمشاكل مع البيكيني أو الكحول.

ولكن يجب أن ندرك في الوقت ذاته أن الاخوان ليسوا كتلة واحدة ولديهم ضغط من حلفائهم السلفيين، ومن هنا يأتي الخطاب الثاني فمثلا تحدث أحد قيادات السلفيين الذي كان موجودا في أفغانستان وقت تكسير تماثيل بوذا هناك، عن وجوب فعل هذا في مصر مع الآثار الفرعونية لأنها أصنام، وقال هذا في التلفزيون الرسمي.

بالطبع هذا لا يمثل الجميع ولكن مثل هذا الخطاب يشكل ضغط على نظام مرسي حيث لا يستطيع الاخوان التخلي عن السلفيين حتى الآن، وتأثير مثل هذا الحديث في أوروبا ضخم جدا.

ولكن ألا يمكن أن يتجه النظام لإحداث استبدال أو تغيير في الفئات السياحية الواردة على مصر بحيث يتجنب الضغط السلفي؟

يوجد بدايات لهذا الاتجاه والذي يتماشي مع الاستراتيجية الدبلوماسية للحكومة وهي إلغاء التأشيرات السياحية لبعض الدول العربية والاسلامية مثل تونس والمغرب والجزائر وتركيا، فيبدو كما لو كان الأمر استبدال السياح الاوربيين بفئات سياحية جديدة.

وزير السياحة كان في دبي من أجل تشجيع السياحة العربية، وهذا هدف قديم لوزارة السياحة، ولكن إذا نظرنا للأرقام فنسبة السياحة العربية في التسعينات من مجمل السياحة الواردة إلى مصر كانت حوالي 40% من مجمل الوافدين، الآن أصبحت حوالي 22% بمعنى أنها تنخفض مع كل الدعاية والاستثمارات وذلك بشكل أساسي لان ما يريده السياح العرب والخليجيين تحديدا يختلف عن السياح الاوربيين فلازال اقبال العرب على منطقة سيناء والبحر الاحمر محدودا.

في الفترة الاخيرة ثار كلام كثير عن السياحة الايرانية، وتماشي ذلك مع ما يبدو انه سياسة جديدة لنظام مرسي بالتقارب مع ايران، وبالفعل جاءت أول مجموعة سياحية إيرانية في شباط/ فبراير الماضي، ولكن هذا أثار جدلا كبيرا تزعمه السلفيين الذين يتعاملون مع ايران باعتبارها عدوا، على اعتبار الاختلاف الايديولوجي بين السنة والشيعة.

وهذا ما يجعل الاخوان محاصرين بين سياستهم المعلنة بالتقارب السياحي مع ايران وضغط السلفيين لمنع ذلك.

ولكن من ناحية أخرى الأرقام المعلنة عن آفاق السياحة الايرانية تبدو هزيلة، فقد أعلن وزير السياحة أن الهدف الوصول إلى 200 سائح ايراني في السنة، بمكاسب تصل إلى 250 مليون دولار وهذه الارقام تعتبر ضعيفة جدا بالمقارنة مع الحماية الأمنية التي تكلفتها زيارة الفوج الايراني الأول، والاشكال السياسي الذي تسببه هذه السياحة مع السلفيين.