تتركب الهيئة، التي أعلن عنها في 3 أيار/مايو 2013 الموافق للاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، من تسعة أعضاء، ويرأسها الجامعي النوري اللّجمي الاستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس.

وجاء الإعلان عن تركيبة الهيئة، بعد مخاض طويل تواصل على مدى عام ونصف منذ صدور المرسوم المحدث لها عدد 116 لسنة 2011.

مواجهة الانفلات

تتركب الهيئة، التي أعلن عنها في 3 أيار/مايو 2013 الموافق للاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، من تسعة أعضاء، ويرأسها الجامعي النوري اللّجمي الاستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس.

وجاء الإعلان عن تركيبة الهيئة، بعد مخاض طويل تواصل على مدى عام ونصف منذ صدور المرسوم المحدث لها عدد 116 لسنة 2011.

مواجهة الانفلات

كانت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين التي ساهمت بشكل فعّال في صياغة هذا المرسوم، أكثر الأطراف تشبثا بالإسراع في تطبيقه حرصا منها على وضع حدّ لحالة الانفلات التي يعيشها القطاع وترشيد الأداء الإعلامي وضمان احترام حقوق الصحفيين.

وجوبه المرسوم بتعطيل من نقابة أصحاب المؤسسات الإعلامية القوية والمؤثرة، نظرا لما وجدته من إخلالات في نص المرسوم، خاصة وأنها تعتبر أنه تم إقصائها بشكل تعسفي من المساهمة في صياغة مشروع المرسوم.

وظل الأمر معطلا حتى مع استلام الحكومة الجديدة بقيادة حركة النهضة الحكم. فالنهضة استغلت الخلاف بين النقابتين للاستمرار في تعطيل تطبيق المرسوم، وتسمية شخصيات موالية لها على رأس المؤسسات الاعلامية العمومية.

وقد انبرى كبار مسؤولي حركة النهضة وفي مقدمتهم رئيسها راشد الغنوشي في التهديد ببيع المؤسسات الإعلامية العمومية لأنها تمسكت بالتعامل مع النهضة بصورة مهنية ولم تمكنها من الحظوة التي أرادتها، حيث طالبت النهضة بحصة في الهيئة توافق حصتها في الانتخابات.

وأمام تجند أهل القطاع لإسقاط منطق المحاصصة في الإعلام الذي طبقه الثلاثي الحاكم المتركب من حركة النهضة وحليفيها الصغيرين التكتل والمؤتمر في المجال السياسي، شهد القطاع إغراقا بالعديد من القنوات التلفزيونية التي تعمل من دون ترخيص من الدولة. وأغلب هذه القنوات موالية لحزب النهضة الاسلامي.

فراغ مبرمج

وينص المرسوم عدد 116/2011 المتعلق بالاتصال السمعي البصري على أن تتولى الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري إسناد تراخيص القنوات الإذاعية والتلفزيونية في إطار الشفافية والمساواة طبق كراس شروط موحد.

كما يفترض تقديم اقتراحات ملزمة للحكومة بخصوص التعيينات على رأس الإذاعات والتلفزيونات العمومية. ولا تمتلك الحكومة سلطة مراجعة هذه المقترحات التي تكون على أساس الكفاءة المهنية والاستقلالية.

لكن الحكومة استغلت عدم بعث الهيئة لتقوم بتعيينات أحادية الجانب ودون مقاييس موضوعية على رأس مؤسستي الإذاعة والتلفزة العموميتين. وهو ما أثار جدلا لم يتوقف بعد بسبب الطعن في استقلالية المعينين على رأس هذه المؤسسات وارتباطهم بالأجندات السياسية لحركة النهضة.

وأدت التجاذبات السياسية ومحاولات وضع اليد والهيمنة الحزبية إلى تعطيل الإعلان عن الهيئة. حصل التعطيل رغم حصول اتفاق بين الأطراف المهنية، وهي نقابة أصحاب المؤسسات الإعلامية والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والنقابة العامة للثقافة والإعلام التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل من جهة ورئاسة الجمهورية من جهة ثانية.

إذ لم يكن الأمر يتطلب سوى تحمّل رئيس الجمهورية المؤقت لمسؤوليته القانونية بتطبيق الفصل 47 من المرسوم 116 الذي نص على أنه: “بصورة وقتية وفي انتظار إرساء المؤسسات التشريعية والتنفيذية على أساس الدستور الجديد، يقع تعيين رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري وأعضائها من بين الشخصيات المستقلة المشهود لها بالخبرة والكفاءة في الميدان من قبل رئيس الجمهورية المؤقت، بالتنسيق مع الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال”.

لكن رئيس الجمهورية تخلى عن هذه الصلاحية لفائدة لجنة ثلاثية من أحزاب الترويكا الحاكمة. ولم يلتزم بالإعلان عن بعث هذه الهيئة في 10 كانون أول/ ديسمبر 2012 بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، مثلما أعلن عن ذلك سابقا مستشاروه.

واستمر استغلال الفراغ القانوني الموجود ليتواصل بصورة فوضوية بعث قنوات إذاعية وتلفزيونية جديدة مجهولة مصادر التمويل وإن كانت واضحة التوجهات والأهداف.

إعلان وبعد

الآن وقد تم الإعلان عن تركيبة الهيئة، التي تضم رئيسا وثمانية أعضاء آخرين اثنان منهم يمثلان المجلس الوطني التأسيسي واثنان عن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وممثل عن نقابة أصحاب المؤسسات الإعلامية وآخر عن الاتحاد العام التونسي للشغل إضافة إلى قاضيين، سارعت نقابة القضاة إلى الطعن في شرعية أحدهما، مهددة بالتظلم لدى المحكمة الإدارية بخصوصه.

وسيكون على هذه المجموعة أن تبدأ عملية البناء العسير لا فقط بتحديد اختصاصات مصالحها المختلفة وما تستوجبه من انتدابات، وأيضا إيجاد التمويل اللازم لعملها. خاصة مع عدم إدراج أي تمويل لإحداث الهيئة ضمن الميزانية العامة للدولة لسنة 2013. وهو ما من شأنه أن يعطل تقدم العملية حتى في صورة وجود إرادة سياسية تلتزم بإنجاحها.

الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية ومدير الديوان الرئاسي عدنان منصر صرّح بأن حزبه المؤتمر أعد ملفا لتقديمه للهيئة فيما يعتبره تجاوزات في حق الحزب قبل الانتخابات. وهو ما يدفع إلى التساؤل حول إذا ما كانت هذه الهيئة ستحمي الحرية مثلما نص عليه مرسوم إحداثها، أم أنه ستكون أداة لتصفية الحسابات السياسية؟

ويتساءل المراقبون إن كانت بوسع الهيئة أن تعمل قبل فترة الانتخابات التي يبدو أنها أصبحت على الأبواب، حتى ضمن الحدود الدنيا التي تكفل التوازن بين مختلف الأطراف السياسية خلال الحملة الانتخابية، وان كان أعضاءها سيلتزمون بالتوافقات السابقة حول عدم تطبيق الفصول التي تهدد حرية الإعلام في المرسوم عدد 116.

الوضع معقد بكل تأكيد، لكنه ليس مستحيلا. فالإعلام ظل رغم كل الظروف التي مرت بها تونس ورغم كل محاولات الهيمنة والاستئثار، عصيّا على كل محاولات الهيمنة ووضع اليد.