استقبل معظم الشعب الليبي بترحاب إقرار قانون العزل السياسي، الذي كان مطلباً شعبياً منذ البداية، إلا أن هناك من تحفَّظ بشدة على بعض بنود القانون، وخاصة عزل من شارك بفعالية في المعارضة الليبية وفي ثورة السابع عشر من فبراير.

استقبل معظم الشعب الليبي بترحاب إقرار قانون العزل السياسي، الذي كان مطلباً شعبياً منذ البداية، إلا أن هناك من تحفَّظ بشدة على بعض بنود القانون، وخاصة عزل من شارك بفعالية في المعارضة الليبية وفي ثورة السابع عشر من فبراير.

ما كان ينبغي للمؤتمر أن يُصدر القانون تحت تهديد السلاح، ومحاصرة المسلحين لمقرات الدولة السيادية، وكان أمامه خياران لتفادي ذلك، أولهما أن يعلن تعليق جلساته وأنه لن يصدر القانون في وجود مظاهر مسلحة، وعندها سيستجيب المسلحون حتى وإن ماطلوا بعض الوقت، لأنهم سيجدون أنفسهم تحت ضغط الرأي العام، وخاصة بعد خروج المظاهرات المطالبة بطرد المسلحين من أمام الوزارتين المحاصرتين.

الخيار الثاني هو إحالة القانون لهيئة قضائية مستقلة، مثل المجلس الأعلى للقضاء، أو المحكمة العليا لصياغته، ثم إقراره من المؤتمر الوطني العام، وبالتأكيد ستقلل صياغة الهيئة القضائية المستقلة من مماحكات الكتل البرلمانية، وحتى إذا رفض المؤتمر الصياغة الأولى فسيقبل بالصياغة الثانية، مثلما حدث بعد رفض حكومة أبو شاقور.

إقرار القانون تحت تهديد السلاح قلل كثيراً من هيبة السلطة التشريعية، ومحاصرة وزارتي الخارجية والعدل قلل من هيبة السلطة التنفيذية، لصالح هيبة سلطة مسلحة غير شرعية وغير منتخبة وغامضة، لا نعرف على وجه الدقة أي الأجندات تخدم.

ووصل العنف الجسدي والرمزي مرحلة خطيرة ليلة التصويت على القانون، وخاصة عندما حمل المسلحون التوابيت إلى مقر المؤتمر، فتلك لم تكن رمزاً للشهداء كما قيل، بقدر ما كانت تهديداً عنيفاً ورمزياً لأعضاء المؤتمر، خاصة عندما هدد المسلحون أعضاء المؤتمر بأنهم سيعودون إلى بيوتهم في التوابيت إذا لم يصوتوا لصالح القانون، وهو ما يفسر عدم اعتراض ممثلي الكتل المتضررة من القانون، باستثناء أربعة أعضاء، وعدم المطالبة بإدراج بند خاص بالمعارضين الذين تصالحوا مع النظام ضمن المعزولين.

نتائج القانون تبين أن الإخوان المسلمين هم أكثر الرابحين منها، فقبل لحظات من تسليم القرار إلى الرئاسة سقط بند المتصالحين مع القذافي من القانون، وبالتأكيد لعبت الخبرة التي يتمتع بها تنظيم الإخوان دوراً مهماً في خروج القانون بهذا الشكل، مقارنة مع غياب الخبرة لدى تكتل تحالف القوى الوطنية، الذي كان بالإضافة إلى الجبهة الوطنية أكبر الخاسرين.

أزاح الإخوان كل خصومهم بضربة واحدة، وانفتح الطريق أمامهم للسيطرة على كل مفاصل الدولة، وهو ما جعل مصطفى عبد الجليل ينهي شهر عسله القصير معهم، ويصرح تصريحاته المتأخرة، متهماً الإخوان بالسيطرة على مفاصل الدولة والوقوف وراء الاضطرابات الأخيرة، بينما كان يحابي الإخوان عندما كان رئيساً للمجلس الوطني الانتقالي.

عدم تمتع عبد الجليل بأي خبرة سياسية جعله صيداً سهلاً لجهابذة الإخوان، وبعد أن وقع الفأس في الرأس تأكد عبد الجليل أن الإخوان ليس لهم حلفاء، وهم لا يعملون مع أحد، ولا ينسقون إلا مع أنفسهم، وهدفهم دائماً في مصر وتونس وسوريا هو إقصاء الجميع.

سيكون لقانون العزل السياسي عواقب وخيمة على البلاد، وقد يؤدي إلى حرب أهلية أو إلى انفصال شرق ليبيا، أو عودة الأزلام لحكم البلاد، وقد يستغرب البعض هذا التحليل ويعتبره شططاً، ولكن إذا صدقنا محمود جبريل الذي قدر عدد المعزولين بنصف مليون، عندها سنحسب عدد أفراد عائلات المعزولين، ومتوسط العائلة الليبية في حدود خمسة أفراد، وعندها سنجد عددهم قد ارتفع إلى اثنين مليون وربع.

أما إذا حسبنا عدد الأزلام وعائلاتهم في مصر وفقاً لمصادر مصرية فهو في حدود ثمانمائة ألف ليبي، ووفقاً لما صرح به جمال جرناز السفير الليبي في تونس، فإن عدد الأزلام وعائلاتهم هو خمسمائة وستة وثلاثون ألف في تونس، ولا ندري كم عدد الأزلام وعائلاتهم في البلدان الأخرى، ولكن لو حسبنا عدد الذين لا يزالون موالين للقذافي في البلاد، على الأقل من خلال القبائل التي وقفت معه وقاومت ثورة فبراير، عندها سنجد أن هذا القانون قد أضعف ثورة فبراير، وعمل على تقوية المناهضين لها، وهو في تقديري أكبر غباء سياسي نشهده في تاريخ العالم، وكأن ثورة فبراير نار إذا لم تجد ما تأكله تأكل نفسها.