“سأعيد المحاولة.. سأعود إلى لامبدوزا سأصل إلى الهدف، حيا أو ميتا”، هكذا صرخ أحمد وسط أترابه الذين تجمعوا يتحدثون عن أحلامهم في الهجرة السرية أو ما يعرف في تونس بـ “الحرقة”.

ففي مقهى يعج بسجائر المعطلين عن العمل بأحد الأحياء  الشعبية بحي الزهور وسط العاصمة اعتاد هذا الشاب الذي يبلغ من العمر 23 سنة أن يقضي ساعات يومه في لعب الورق وكل حلمه وأمله السفر إلى الجنة الموعودة حيث من الممكن أن تصبح أحلامه حقيقة.

“سأعيد المحاولة.. سأعود إلى لامبدوزا سأصل إلى الهدف، حيا أو ميتا”، هكذا صرخ أحمد وسط أترابه الذين تجمعوا يتحدثون عن أحلامهم في الهجرة السرية أو ما يعرف في تونس بـ “الحرقة”.

ففي مقهى يعج بسجائر المعطلين عن العمل بأحد الأحياء  الشعبية بحي الزهور وسط العاصمة اعتاد هذا الشاب الذي يبلغ من العمر 23 سنة أن يقضي ساعات يومه في لعب الورق وكل حلمه وأمله السفر إلى الجنة الموعودة حيث من الممكن أن تصبح أحلامه حقيقة.

ولئن فشلت محاولته الأولى بعد أن قبضت عليه السلطات الأمنية الايطالية في مدينة لامبدوزا، إلا أن المحاولة مرة ثانية وثالثة تبقى دوما متاحة. فالسنوات الطويلة التي قضاها أحمد عاطلا عن العمل جعلته شابا يائسا، وقادته إلى تعاطى المخدرات، وهو يريد أن يبدأ حياته من جديد في بلد جديد، على حد قوله.

عن رحلته إلى مدينة المنصورة من ولاية صفاقس حيث بدأت مغامرته يقول أحمد لموقع “مراسلون”، “قضينا ثلاثة أيام بلياليها في بيت تطل أبوابه على البحر يملكه أحد كبار المهربين الذين ينظمون رحلات الهجرة السرية. كان ذلك برفقة ثلاثة شبان من أبناء الحي”.

بعد أن دفع أحمد لصاحب المركب ثلاثة آلاف دينار (حوالي ألفي دولار أمريكي) بدأ رحلته على متن مركب صغير، ضمن “فوج” يضم 12  شابا، ليركبوا بعدها “الكركارة” (مركب صيد) رفقة 264 شابا.

ويضيف ” الرحلة إلى لامبدوزا كانت تستغرق نصف اليوم لكنا تهنا في البحر 27 ساعة إلى أن وجدنا الطريق الصحيح على اثر عثورنا على مركب صيد تونسي في المياه الإقليمية الايطالية”.

مغامرة أحمد انتهت في “شنتر لامبدوزا” وبسجن لمدة ثماني أيام  قبل أن يعود ورفاق الرحلة  إلى أرض الوطن. لكن ذلك لن يمنعه حسب قوله من تجديد المحاولة من أجل تحقيق حياة مرفهة مثل حياة أنداده المهاجرين الذين يعودون لقضاء عطلهم بسيارات فخمة وأموال طائلة.

حكايات مماثلة ترويها أرواح خذلتها ظروف البلاد بعد الثورة ولم يعد بإمكانها تحمل المزيد من ويلات الفقر والبطالة.

يقول حلمي، وهو شاب يبلغ من العمر 17 سنة، “حرقنا لأننا احترقنا”. ويضيف متسائلا “ماذا تنتظرون من شاب يمضي حياته بين قضبان  الفقر والجوع وبين المقاهي والشوارع؟”.

تعرف حلمي على أحد كبار المهربين بوساطة من أحد شباب الحومة وحاول مرتين الوصول إلى إيطاليا، أرض أحلام الشباب التونسي. كانت الأولى من ميناء طبلبة والثانية من ميناء المنصورة بصفاقس. وهو مثل أحمد سيعيد الكرة مجددا إلى أن يصل، ولو كان ذلك على متن قوارب متهالكة يكون مصيرها في غالب الأحيان طعاما للقرش والحيتان.

من جهته يقول مالك، 19 سنة، الذي انقطع مبكرا عن الدراسة، إن الوضع الاجتماعي والاقتصادي يجعل عديد الشباب التونسي أمام حتمية الهجرة السرية نظرا للإجراءات الصارمة في الحصول على الفيزا.

المافيا المنظمة

وتعد المافيا المنظمة المسؤولة عن تهريب آلاف الشبان سنويا شبكة معقدة يصعب اختراقها من قبل السلطات الأمنية بسبب عملها السري وارتباطها بجهات أمنية يصعب حتى على راغب السفر بالطرق الغير الشرعية التعرف عليها حيث أصبحت تشكل نوعا جديدا من أنواع الجريمة المنظمة.

ويقول” الرايس” الذي تمكّنا من لقائه بوساطة أحد الشّبّان “الحرّاقة” والذي توقع أن يكون فريق “مراسلون” أحد زبائنه “لن أناقش المبلغ. سيكون 3 مليون ونقطة اللقاء المنصورة. سنبحر بعد أيام قليلة. نواصل حديثنا بعد الحصول على المبلغ”.

لكن وشاية أحد الشباب جعلتنا لا نحظى بموعد أخر حتى أنه تجنب الرد على مكالماتنا الهاتفية. وحتّى عندما غيّرنا رقم الهاتف تهرّب من الإجابة وطلب منّا عدم تعريض حياتنا وحياته إلى الخطر.

أرقام غير مسبوقة

 تشير إحصائيات نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منذ الإطاحة بنظام بن علي قبل أكثر من سنتين أن ما يقارب الأربعين ألف شاب تونسي هاجروا نحو السواحل الايطالية والأوروبية، وهو رقم لم يسبق تسجيله في هكذا فترة وجيزة.

وحسب دراسة الباحث التونسي مهدي بن مبروك والباحثة الاسبانية لورا فيالو حول الهجرة السرية في المغرب العربي لصالح المنظمة العالمية للهجرة، فإن قوارب الموت لم تعد تجذب شريحة بعينها بل شملت شبانا من مستويات تعلمية مرتفعة بحثا عن مظاهر الوجاهة والترفه.

ويقول عبد الرحمان الهذبيلى من قسم الهجرة في الرابطة التونسية للحقوق الإنسان حول “أن أسباب الهجرة لم تتغير قبل الثورة أو بعدها حيث لا يزال  الواقع الاقتصادي والاجتماعي هو  المحدد الرئيس الذي يدفع الشباب التونسي إلى الرحيل والمخاطرة بحياته”.

و يضيف أن “كل المنظمات ومكونات المجتمع المدني لابد أن تضطلع بمهامها لكن الدولة تتحمل المسؤولية الأكبر لأنها الطرف الذي يملك الحلول الاقتصادية والاجتماعية”.

من جهة أخرى يقول الصادق  بلحاج حسن، خبير لدى الاتحاد العام التونسي للشغل بقسم العلاقات الدولية والعربية والهجرة، إن الحلول تكمن في ضرورة مقاومة المافيا المنظمة التي تعرض الشباب إلى الموت، ومن خلال مراقبة الحدود. ويضيف “ذلك لا يتم من طرف الدولة وحدها بل من سائر المنظمات ومكونات نسيج المجتمع المدني”.

وحول الآليات أشار بلحاج حسن أن الاتحاد يسعى لتأسيس شبكة نقابية مختصة بشؤون الهجرة تشمل مرصدا وطنيا للهجرة ومجلساً أعلى للهجرة، يكون من شانها إدارة حوار وطني حول هذه القضية وإحكام إدارة الهجرة بين بلدان الجنوب والشمال ومتابعة حقوق العمال المهاجرين، على حد قوله.