تعددت في الأشهر الاخيرة حوادث “القصاص” أو تنفيذ العقوبات من آحاد الناس خارج سلطة القانون، وفي محافظة الشرقية شرق الدلتا وصلت إلي نحو ١٤ حالة قتل بإسم تطبيق الاهالي للقانون، مراسلون تبحث في هذه الظاهرة بسماع صوت القاتل والقتيل ومؤسسات المجتمع المنوط بها وقف هذه الظاهرة.

تعددت في الأشهر الاخيرة حوادث “القصاص” أو تنفيذ العقوبات من آحاد الناس خارج سلطة القانون، وفي محافظة الشرقية شرق الدلتا وصلت إلي نحو ١٤ حالة قتل بإسم تطبيق الاهالي للقانون، مراسلون تبحث في هذه الظاهرة بسماع صوت القاتل والقتيل ومؤسسات المجتمع المنوط بها وقف هذه الظاهرة.

تحت هتافات “الله أكبر” تم قتل مصطفي صبري مصطفي، الموظف المصاب بإكتئاب شديد والذي يعالج نفسيا منذ فترة، لمجرد أنه طلب ساندويتشا للطعمية من بائعة علي الطريق ولم يسدد ثمنه، كان مصطفي في طريقه للمستشفي النفسي عندما خرج عليه أهالي قرية الجندية التابعة لمركز بلبيس، حين صرخت البائعة “حرامي” فطبق عليه الاهالي حد الحرابة، أي حد السرقة في الشريعة الاسلامية.

قتيل يوتيوب والثمن رغيف

ووفقا لوالده العجوز صبري مصطفي، الذي يحكي قصة مقتله، فإن ابنه القتيل تعرض لأزمة نفسية كبيرة بعد خروجه من الخدمة العسكرية بعد الثورة، وكما يصفه الجار عبد الرءوف حسن الذي قاطع الاب في كلامه، كان حافظا للقرآن ويهتم بتنظيف دورات مياه مسجد القرية الذي يعزف العاملين به عن القيام بهذه المهمة، ميالا إلي عدم الكلام مكثرا من فعل الخيرات.

يبدأ الاب في وصف مشهد قتله قائلا:” تجمع اهالي القرية عليه فور صراخ البائعة، وبدأوا في ضربه، حاول الهرب فقفز في بحر موريس (ترعة محلية)، وهو لا يعرف اصلا العوم، كان من الممكن ان يتركوه ليموت غريقا، نزلوا في قوارب وانتشلوه، ثم قام جزار القرية في حلقة انتصبت من حوله بقطع شريان من قدمه، ثم طعنه طعنة في رأسه وأخري بصدره، كل ذلك والاهالي يصورون الحدث بكاميرات المحمول، كان ابني يدعوهم إلي تركه، شيخ المسجد كان يقود الاهالي ويحمسهم، كانوا يهتفون الله اكبر ثم قاموا بسحله في شوارع القرية، كل هذا في الفيديو المرفوع علي مواقع الانترنيت”.

تواطؤ جمعي وشرطي

غاب القتيل المكتئب عن أسرته حتي نهاية النهار، لكن فيديو قتله انتشر بأسرع ما يمكن، ووصل إلى شقيقه نبيل صبري المبتور القدم، في الصباح التالي ذهب الشقيق إلي قرية الجندية صارخا في الموقع الذي شاهد فيه اخيه يقتل، تكالب عليه اهالي القرية وضربوه وهم يرددون”سنقتلك كما قتلنا أخاك”، ووفقا لنبيل أختفى المتهمون: بائعة الطعمية، الجزار، إمام المسجد فيما سلم عمدة القرية للشرطة شخصا لم يكن حاضرا لحفلة القتل، الشرطة التي جاءت علي حد تعبير الأخ في اليوم الثالث للجريمة.

المتهم ينفي عن نفسه ويبرر

أمام هذه الاتهامات لأهالي قرية الجندية كان لابد لمراسلون من زيارة لاستطلاع وجهة نظرهم فيما حدث، واجهنا صمتا مريبا وعدوانية شديدة، لكن صدفة اوقعتنا في المتهم الذي قدمته القرية وقد أفرج عنه مؤقتا، كان في احتياج إلي تبرئة نفسه، فيقول محمد علوش المتهم الوحيد في القضية: ”لم اقتل المريض النفسي، كنت بعيدا عن مكان الحادث، لقد انخدع الاهالي في نداء استغاثة البائعة، ما قاله الاهالي أن سلوكه كان غريبا اثناء استجوابه، اهالي القرية طبقوا عقوبات علي مجرمين من قبل”.

يكمل “علوش” شهادته عن ما اعتبره اضطرارا لفعل ذلك من قبل أهالي القرية: “تعرضنا لحالات سرقة بالاكراه من عصابات تتجول في النواحي المجاورة، الشرطة لم تتدخل في معظم الحالات، تعرضت احدي سيدات القرية للخطف في وضح النهار، اصبح من حقنا الدفاع عن انفسنا، وقد أدي تطبيق القصاص الفوري علي المجرمين ردعا جعلهم يتجنبون سرقتنا”.

الشرطة: حاولنا لكنها جريمة مشاع

من جانبه وصف العقيد هاني عبد المعبود نائب مأمور قسم بلبيس الذي وقعت الجريمة في نطاق عمله، وصف الجريمة بجريمة المشاع، حيث شارك كل أهالي القرية في فعل الجرم، موضحا أن اهالي القرية طبقوا مفهوم القصاص مرتين قبل هذه الحادثة في مجرمين حقيقيين، وأضاف: “تمكنا من القبض علي المتهم لكن النيابة أخلت سبيله لعدم كفاية الأدلة، حاولنا الوصول للقرية أثناء الجريمة لكن الأهالي كانوا قد قطعوا الطريق أمام الشرطة، مما حال ضد وصولنا لانقاذ الضحية، لقد حاولنا تطبيق القانون بالفعل”.

الاعلام والإسلاميون يقدمون رخصة القتل

من جانبه يري د. عبدالله عسكر استاذ ورئيس قسم علم النفس بكلية الاداب جامعة الزقازيق، أن تكرار حوادث من هذا الشكل في محافظة كالشرقية عرفت تاريخيا بالكرم وإيواء المظلوم يعد تحولا جماعيا كبيرا، وهو ناتج عن إحساس قطاع واسع من الناس بعدم الأمان مع غياب الشرطة وتعرضهم اليومي للخطف والسرقة بالاكراه، الأمر الذي ولد لديهم طاقة هائلة من الانتقام علي قدر درجة الخوف والفزع الذي يحيون تحته، مشيرا إلى لعب الاعلام دورا في تعميق فكرة القصاص، وتحديدا حد الحرابة كما يقدمه الاسلاميين كرادع نهائي وفوري، فتوفر بذلك الغطاء الشرعي للقتل بهذه الصورة، مشيرا إلى انتقال فكرة الثأر القديمة بهذا الشكل من صعيد جنوب مصر إلي بيئة ريف الدلتا، حيث سيؤدي استوطانها هذه المناطق إلي إدامة تلك العلاقة المغذية بين غياب الشرطة وسيطرة الفوضي الاهلية لسنوات.