زار القاهرة الايام الماضية المفكر الامريكي تيموثي ميتشل رئيس قسم دراسات الشرق الاوسط بجامعة كولومبيا. ميتشل الذي يعد من أهم المفكرين الغربيين الآن القى عددا من المحاضرات بالجامعة الامريكية بالقاهرة حول كتابه الجديد “ديموقراطية الكربون..السلطة السياسية في عصر النفط” المفترض ظهور ترجمته العربية خلال اسابيع ويعكف المترجم الكبير بشير السباعي على إتمامها حاليا.

زار القاهرة الايام الماضية المفكر الامريكي تيموثي ميتشل رئيس قسم دراسات الشرق الاوسط بجامعة كولومبيا. ميتشل الذي يعد من أهم المفكرين الغربيين الآن القى عددا من المحاضرات بالجامعة الامريكية بالقاهرة حول كتابه الجديد “ديموقراطية الكربون..السلطة السياسية في عصر النفط” المفترض ظهور ترجمته العربية خلال اسابيع ويعكف المترجم الكبير بشير السباعي على إتمامها حاليا.

أحدث كتاب ميتشل “استعمار مصر” الذي صدرت ترجمته العربية في 1992 جدلا كبيرا في الأوساط التاريخية إذا لم يعمل ميتشل على مجرد تاريخ كتابة الاستعمار في مصر ولكن على رصد تغلغل الاساليب الانضباطية “الاستعمارية” التي تميز الدولة الحديثة بشكل عام في إدارة الحكم في مصر أبان حكم محمد علي وخلفاؤه في القرن التاسع عشر.

وفي كتابه الأحدث يناقش ميتشل فرضية أن البترول مضر بالديموقراطية ليس عبر دراسة تأثير عوائد النفط المالية على نظم الحكم، ولكن عبر دراسة عملية استخراج وتصنيع النفط في حد ذاته، والفرق بين تلك الصناعة وبين عصر الفحم وتأثير كلا منها على الحراك الاجتماعي في البلاد المختلفة.

التقينا ميتشل خلال زيارته القاهرية ودار حوارنا حول تطورات الحالة المصرية.

بداية كيف تبدو صورة مصر الآن في الدوائر الأكاديمية الأمريكية؟

الصورة الآن ليست جيدة، والسبب الرئيسي عدم المعرفة المتعمقة، فالجميع يعرفون الأخبار المتداولة في وسائل الاعلام، وأن هناك رئيس منتخب، ينتمي إلى الاخوان المسلمين، وأن هناك مشاكل مكتومة بين السلطة الجديدة والجيش، لكن بالنسبة لما يحدث حاليا في الشوارع أو في باقي المدن خارج القاهرة، من اضرابات واعتصامات وتوترات شعبية، فلا توجد معرفة جيدة بالخريطة الناشئة في مصر الآن، حتى بالنسبة لي لا أستطيع الادعاء بأن لدي معرفة جيدة بالتفاصيل الجديدة الحاصلة الان.

 

ولكن اذا تحدثنا عن تحولات تلك الصورة المصرية منذ بداية الثورة إلى الان كيف تراها؟

الأيام الأولى كل الناس كانت تتابع ما حدث في مصر أكثر من متابعة ما حدث قبل ذلك في تونس أو حتى بعد ذلك في سوريا، ما حدث ساعتها كان مختلفا لأن مصر الدولة الأكبر في العالم العربي، وكون ما حدث جديد في التاريخ ومليء بالمفاجأة والاثارة. هناك معارك يومية في الشوارع بين المواطنين والنظام، لا أحد يستطيع معرفة ما سيحدث في اليوم التالي. لكن بعد انتهاء المرحلة الاولى بدأت الامور تأخذ أشكالا مغايرة. فهناك من تملكه الاحباط من فكرة عدم قدرة شعوب المنطقة للوصول إلى نتائج أفضل، وهناك أيضا من ناحية أخرى من ينتظر انتهاء تلك المرحلة وبداية مرحلة ثورية جديدة، وهناك من يرى أن ما حدث كان مجرد هبة والأمور في طريقها للهدوء مع استمرار نفس الظروف القديمة. كل هذه الآراء موجودة، فالمثقفين لا يمتلكون معرفة جيدة.

بعض المتخصصين في سياسة الشرق الاوسط يرون أن وجود الاخوان المسلمين في السلطة الآن يعطي دفعة لهذا الشكل الموجود من الاسلام السياسي في المنطقة الذي لا يحمل ضغائن كبيرة للغرب وهذه هي نهاية القصة.

 

كيف ترى الفرضية القائلة بأن احدى توابع صدور كتاب “الاستشراق” لادوار سعيد في اواخر السبعينات، وجود حالة استحسان لكل ما هو اسلامي لدى الاكاديميين الغربيين – كاعتذار عن تاريخ الاستشراق القديم – وهو ما ساعد الآن على قبول وجود جماعة مثل الاخوان على رأس السلطة في مصر أو النهضة في تونس؟

لا يمكن رؤية ذلك بشكل مجرد، فهناك تاريخ طويل لتعامل الولايات المتحدة مع القوى الاسلامية في المنطقة ربما يبدو أقدمها العلاقات الامريكية السعودية بشكل خاص. ربما لا يعد الحكم السعودي حكما اسلاميا ولكنه مبني بشكل كبير على السلطة الدينية، وهذه سياسة ترجع للخمسينات والستينات، ثم تم اعتماد هذا المنهج خاصة لمواجهة حالة مثل الثورة الايرانية.

ولكن بعد ذلك جرى التفكير في مخاطر الاسلام السياسي، وجنوحه خارج السيطرة. وهذا كان الأسباب التي دفعت الادارة الامريكية إلى الإبقاء على نظام مبارك خشية وجود إيران أخرى في المنطقة.

ومع الثورة المصرية كان الامريكيون مرحبين بترشح خيرت الشاطر في الانتخابات الرئاسية اذ يمكن التفاهم معه كرجل اعمال يعرف حدوده وماذا يريد ولا يريد إثارة مشاكل داخلية أو خارجية خاصة مع اسرائيل وفي النهاية هذا ما يريده الامريكيون من حاكم في دولة كمصر.

وهذا أفضل بالتأكيد من وجود حكومة جديدة ذات شعبية جماهيرية أو حكومة يسارية أو حتى حكومة يرأسها رجل أعمال من نوعية نجيب ساويرس من الممكن أن يكون عنده مفهوم للتنمية الاقتصادية ولكن لا يمتلك ظهيرا شعبيا يحميه من المشاكل، لذا كانوا سعداء بالتعامل مع تلك التجربة. ربما الآن يمكن أن يبدأ الوضع في الاختلاف خاصة مع عدم قدرة الاخوان على السيطرة على الأوضاع.

 

ولكن اذا استمرت تلك الأوضاع القلقة والمتوترة في مصر وتونس ألا تظن أن يدفع ذلك الحكومات الغربية والامريكية تحديدا إلى تغيير موقفها من حكم الاسلام السياسي؟

هذا يتوقف على البدائل المطروحة، فإذا تخلى الاخوان عن الحكم فما هو البديل المطروح في المقابل. ولا يوجد بديل في اللحظة الحالية سوى المؤسسة العسكرية أو عودة رموز النظام القديم، لذا ربما يرون أن الاخوان هم الخيار الأكثر تناسبا مع الواقع، وربما يظنون أنه يمكن الضغط على مرسي وحكومته من أجل قبول شروط صندوق النقد الدولي، وهذه خطوة مهمة من أجل تنفيذ الاجندة الاقتصادية الامريكية.

لا استطيع أن أتحدث بتأكيد مطلق، ولكن أظن أن الامريكيين سعداء بتعاونهم مع مرسي حيث لم يخسروا شيئا من الامتيازات التي حصلوا عليها وقت نظام مبارك بل ويمكن الحصول على امتيازات أكثر، وبهذا يبدون أيضا عمليين وواقعيين بالإضافة إلى كونهم يحترمون النتائج “الديمواقراطية”.

بالتأكيد هم يضعون في حسابهم الوضع المتوتر داخل البلاد من اضرابات واعتصامات ومطالب شعبية بتحسين الاوضاع، ولكن لا اظن انهم يفكرون في ذلك بشكل ايجابي بسبب قلقهم من غياب “الاستقرار”.

المثير للخوف أكثر بالنسبة للامريكيين هم السلفيين حيث لا توجد صيغة واضحة حتى الآن لكيفية التعامل معهم. وهذا جانب آخر من المعادلة إذ بالرغم من عجز الاخوان الحالي إلا أنهم يحاولون إبقاء السلفيين خارج السلطة وهو ما يدفع الامور إلى التوتر أكثر.

 

بدأ الاعلام في استعمال مصطلح “الجمهورية الثانية” في الدلالة على وجود رئيس مدني منتخب يحكم مصر الآن، بالنسبة لك هل نحن بصدد جمهورية جديدة أم مازال بعيدا هذا القول؟

هذا صحيح بشكل ما، فنحن لسنا أمام نفس النظام القديم وهذا ليس بسبب أن هناك دستور جديد أو أن المؤسسة العسكرية تبدو أضعف الآن، ولكن بسبب الحراك الشعبي الحاصل منذ بداية الثورة، وهذا أيضا لا يعني أننا امام جمهورية جديدة تماما، أو أن الأمور قد تعود إلى الحالة القديمة رغم ما يبدو احيانا من رغبة الجيش في العودة للسيطرة على الأمور مرة أخرى.

 

هل ترى هناك تغير في اداء الدولة ك”مجموعة مؤسسات” في مرحلة الرئيس المنتخب؟

أين الدولة؟ لدينا جزر متباعدة المؤسسة العسكرية، الحكومة، الرئيس وجماعته، الوزارات المختلفة، القضاة..لا يوجد الآن دولة موحدة فالرئيس لا يستطيع أن يفرض كامل سيطرته على الجيش أو على القضاء على سبيل المثال بل على الوزارات المختلفة نفسها، لدينا مراكز قوى متصارعة ومنتافسة في أحيان كثيرة.

أيضا بعيدا عن التفاصيل التي من الممكن أن أجهلها ولكن يبدو واضحا للعيان أن الرئيس مرسي ورئيس حكومته عاجزين عن السيطرة الكلية على “الدولة”. ولكل مركز من مراكز القوى هذه لا يريد الرضوخ لمركز آخر بل يحاول تقوية مركزه بعيد عن مسألة توحيد قوى الدولة كدولة.

 

هل يمكن لهذه الحالة أن تستمر؟

لا أظن ذلك، فنحن مازلنا في وضع ثوري. من ناحية أخرى يجب أن نعترف أننا لا نعرف ما هي الثورة، فما حدث منذ الخامس والعشرين من يناير غير الكثير من المفاهيم حول الثورة، التي كانت قد تمحورت حول ما حدث في اوربا الشرقية في التسعينات، أو الثورة الفرنسية، أو ثورات التحرر من الاستعمار، ولكن ما حدث هنا مختلف فهو يهدف إلى خلق صياغة جديدة للدولة تحترم فيها فكرة المؤسسات والقانون، دولة يصبح الجيش جزء له دور محدد وليس دولة مخفية لها اقتصادها الضخم الخاص بها داخل الدولة الظاهرة. لكن إلى أين يمكن أن تتجه الامور الآن؟ يصعب القول إني امتلك إجابة.