بات العزل السياسي اليوم، أو ما يعرف بقانون (العدالة الانتقالية) سيناريو طاغي على المشهد الليبي، متجاوزا في أهميته مطالب الشارع التي صدحت بها الحناجر فبراير 2011، فليبيا اليوم، لا أمن ولا أمان، ولا عمار، ولا حتى دستور، جلسات برلمانية تعقد فتفض وتعقد لتفض، والعزل السياسي فوق الجميع.

بات العزل السياسي اليوم، أو ما يعرف بقانون (العدالة الانتقالية) سيناريو طاغي على المشهد الليبي، متجاوزا في أهميته مطالب الشارع التي صدحت بها الحناجر فبراير 2011، فليبيا اليوم، لا أمن ولا أمان، ولا عمار، ولا حتى دستور، جلسات برلمانية تعقد فتفض وتعقد لتفض، والعزل السياسي فوق الجميع.

العزل السياسي، أو استبعاد كل من تورط في دعم النظام السابق، واجتثاث رؤوس الفساد في ليبيا، مطلب جماهيري سرعان ما تغاضي عنه الشارع عندما تولي وزير عدل القذافي المنشق (مصطفي عبد الجليل) رئاسة أول جسم انتقالي بديل للحديث باسم الجميع (المجلس الانتقالي الليبي)، وأصبح مطلبا غير مجدٍ عندما تصدى سفراء القذافي المنشقون للقضية دوليا، وصاروا يجوبون عواصم العالم بحثا عن اعتراف بثورة شعب.

لكن المطلب الذي أغلق عليه أبان حكم المجلس الانتقالي، سرعان ما بدأ في الظهور مجدداً في أروقة المؤتمر الوطني (البرلمان).

وفي الوقت الذي يري البعض أنه عصا موسى التي ستخلصهم من منظومة القذافي، يستخدمه الساسة في ليبيا علي أنه عصا أيضاً لكن بجزرة.

من ناحيتهم يري فيه معارضوه أن له تاريخا غير مشرف في العراق، مستندين إلى ما وصفوه بانهيار المنظومة الأمنية والدفاعية والاقتصادية في العراق بسبب استبعاد رجال الدولة من مناصبهم، و إصدار ما عُرف حينها بقانون “اجتثاث البعث”.

التجربة المصرية

ويعول معارضو العزل السياسي في ليبيا علي التجربة المصرية بعد إسقاط حسني مبارك، والتي يرون أنها استفادت كثيراً من التجربة العراقية، حيث سمح القضاء المصري في يونيو 2012، للفريق أحمد شفيق، أحد أركان نظام مبارك بالمشاركة في الانتخابات، وتركت مهمة إسقاطه للشعب، الذي صوت لمنافسه من الإخوان بفارق ضئيل.

لكن المؤيدين يصرون علي عزل كل من ساهم في إفساد الحياة السياسية، وساعد نظام القذافي، وعمل في منظومته، وقولهم في ذالك، أن لا جدوى من خبرات فاسدة، غاضين الطرف عن أن البرلمان العراقي أصدر مؤخراً و بعد أكثر من 10 سنوات ما يجيز الاستعانة بخبرات البعثتين.

ورقة ضغط

وبين معارض ومؤيد وخبير، يحتدم الصراع تحت قبة البرلمان على إصدار قانون يعزل من لا يتوافق مع ليبيا ما بعد القذافي، دون الوصول حتى اليوم لأي توافق يرضي جميع الأطراف السياسية الفاعلة في المشهد الليبي.

وفي حين ترى النخبة في ليبيا أن استحقاق المرحلة يتطلب بشكل عاجل دستورا ينظم النشاط السياسي، تقدمت الأحزاب السياسية بالعديد من الصيغ التي رُد عليها بصيغ أخري، واستخدم العزل مادة للتناطح السياسي، والضغط البرلماني لتشريع قوانين وإسقاط قوانين أخرى، وبات القانون الذي يشغل الرأي العام في ليبيا منذ مطلع أكتوبر 2012، ورقة ضغط تستخدم على كافة الأصعدة، حتى أن مفتي الديار الليبية أصدر مؤخراً فتوى يدعو فيها الليبيين للخروج في مظاهرات والضغط أمام مقر البرلمان في العاصمة للمطالبة بالعزل، موضحاً أن العزل السياسي في ليبيا (فرض كفاية)!

وكان القانون الذي حدد مطلع فبراير الماضي موعدا لإصداره والبدء في تفعيله، أُجل إصداره لأجل غير مسمى، تحت تهديد السلاح تارة، واقتحام مقار الحكومة والبرلمان تارة أخري، ووقف انعقاد البرلمان مرات متكررة.

غياب للتوافق

ويري مراقبون أن كل المقترحات التي قدمت من أجل الخروج من هذه الأزمة لا تعد سوى فرصة لخلط أولويات المرحلة والإطالة من عمر التخبط المؤسسي الذي تشهده البلاد في ظل غياب مقومات الدولة، خصوصاً وأن الأطراف السياسية لم تتفق فيما بينها على الخروج بمسودة قانون يتوافق عليها.

فبينما أعد حزب الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا مقترح يقضي بعزل كل القادة من وزراء و سفراء و أمناء للجان الشعبية التي كانت بمثابة رئاسة الوزراء في حقبة القذافي، وحتى المعارضين السابقين الذين تحاوروا مع العقيد وأبرموا صفقات من أجل الرجوع إلي ليبيا والمصالحة، رأي الإخوان المسلمين في ليبيا أن مقترح الجبهة الوطنية قد أعد لهم للوقوع في مصيدته لأنهم أصحاب مشروع ليبيا الغد الذي تزعمه سيف الإسلام القذافي والمشرفين عليه بعد المصالحة.

في حين تقدم محمود جبريل رئيس الوزراء الأسبق في الحكومة الانتقالية، ووزير تخطيط القذافي، بمقترح من خلال حزبه قوى التحالف الوطني الذي يشكل الأكثرية في البرلمان، بعزل كل من عمل في نظام القذافي منذ العام 1969 حتى وأن أنشق قبل 40 عام، ليصبح العزل السياسي مادة للتندر في ليبيا و إشعال صراعات حزبية كان الشارع في غني عنها.

تحصين

ولأن الضغط مازال مستمرا من قوة حزبية مختلفة تعتصم أمام المؤتمر الوطني لإصدار هذا القانون، رأي أعضائه إصدار ما سُمي بتحصين قانون العزل السياسي، وتخفيض نصاب التصويت عليه داخل البرلمان لـ 101 صوت، 50 % + 1، مما قد يسهل إصدار القانون، ويعد أيضاً تعزيزاً لسياسة حكم الحزب الواحد.

تحصين القانون تطلب تعديلا في الإعلان الدستوري المؤقت الصادر في أغسطس 2011 من المجلس الوطني الانتقالي، وطال المادة 6 من الإعلان الدستوري المؤقت والتي تنص على أن الليبيون سواء امام القانون، ومتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية .

وتم  بموافقة 140 عضو التوافق علي إصدار عبارة  (بأن لا يعتبر إخلال بهذه المادة وضع معايير لتولي المناصب السيادية)، ما حمى القانون مسبقاً من الطعن أمام المحكمة الدستورية تحصيناً له، الأمر الذي أثار موجة واسعة من الانتقادات للمؤتمر الذي اعتبر البعض أن مباشرته بتحصين قوانين لم تشرع بعد حجر أساس في طريق فرض الآراء، في حين أعتبر البعض الأخر خطوة التحصين دلالة علي ارتباك القوي السياسية وخوفها من إسقاط القانون حتى بعد التوافق عليه برلمانياً.