يسيل دمعي على حبر القلم ولم يبق لنا وطن نسكنه سوى بقايا من الحزن والألم. لم أكن بطل المرحلة لن تفيد اعتذاراتهم ومحاكمتهم. ما زال أعداء الصحافة أوفياء لخدمة أسيادهم الجدد، كما خدموا أسيادهم القدامى، وما زلنا نردد “لقد صار لنا وطن نموت على يديه”.

يسيل دمعي على حبر القلم ولم يبق لنا وطن نسكنه سوى بقايا من الحزن والألم. لم أكن بطل المرحلة لن تفيد اعتذاراتهم ومحاكمتهم. ما زال أعداء الصحافة أوفياء لخدمة أسيادهم الجدد، كما خدموا أسيادهم القدامى، وما زلنا نردد “لقد صار لنا وطن نموت على يديه”.

بالركل والصفع والشتم يرغمني أحد رجال الأمن، الذي  كان يرتدي  بدلة سوداء على التوجه نحو سيارة وحدات التدخل، رغم إظهاري بطاقتي المهنية. كان ذلك عقب انتهاء أشغال المنتدى الاجتماعي العالمي ليومه الثاني بتاريخ 28 آذار/مارس 2013 بالقرب من محطة المركب الجامعي المنار بتونس العاصمة.

على الكرسي الخلفي، حيث يجلس عونا (موظفا) أمن يراقبان ما يحدث دون أن ينبسا بحرف واحد، يقف أحد زملائهم ليتولى المهمة بدلاً عن زميله. كان شخصاً قوي البنية طويل القامة، فيجبرني على الوقوف ويصفعني كلما تسنى له أن يفعل ذلك بتحريض زميله الذي جرني إلى داخل السيارة جراً.

لم يكن هناك سبباً مباشراً؛ هي رسالة واضحة لحرية التعبير في بلدي، وعن سلوك جهاز البوليس السياسي الذي نأمل أن يصبح يوماً أمناً جمهورياً في خدمة الشعب .

انتهى التفتيش مافيش، “لكنه ظل  يقف يتوعدني أنه سيحيك  لي مكيدة حتى أدرك المعنى الحقيقي لرجال وحدات التدخل”.

لم يكن الموقف أكثر بذاءة من إثارة الضحك بنسبة لرفيقه، بينما كنت أصارع الألم الذي كان يلسعني بظهري وعيوني وكامل أنحاء جسدي. يتطلب الموقف أخيراً موقفاً مخالفاً من طرف أحد العونين اللذين لاذا بالصمت طوال مدة إيقافي.

أخيرا أخلوا سبيلي بعد أن تمكنوا من الحصول عن كل المعلومات حول محل  إقامتي واتجاهي.

لم تستغرق الرحلة في المترو نحو العاصمة الوقت الطويل، إذ هاتفت العديد من الحقوقيين والنقابيين لأخبرهم بما جرى. بعدها كانت الرحلة إلى مقر سكني في أحد الأحياء الشعبية “الدندان” التابعة لمدينة منوبة برفقة بعض الصحفيين، ولكن فوجئت بشخص غريب يرتدي لباساً مدنياً يطلب بطاقتي الصحافية. كنت أمسك بها بين يدي بعد أن حاولوا تمزيقها في السيارة.

[ibimage==5401==Small_Image==none==self==null]

   لطيفي بعد الهجوم   

عندما نزلت من المترو وجدت أكثر من عشرة أشخاص بانتظاري. انهالوا علي ضرباً بمجرد نزولي. بلغت حد الإغماء، بل فقدت اتجاه المنزل. وفي المحطة كنت قد تقيأت الدم  مراراً نظراً لخطورة الإصابات على مستوى الرأس والعينين والأنف والكتف وأماكن أخرى.

رفعت قضية ضد الجناة معتبراً أن ما نالني من الضرب والعسف إنما هو قضية مهنية تخص صحافي أثناء القيام بعمله.

هذه الحادثة تعيد إلى أذهاني صورة حادث الاعتداء الذي وقع في السنة الماضية من طرف جهاز وحدات التدخل. وقتها قام أعوان الأمن بجرّي وضربي على رأسي في المترو.

ولم تتخذ السلطات وقتها أي إجراء رغم ردة الفعل التي صدرت من قبل المنظمات الدولية أو الحقوقية، على غرار منظمة مراسلون بلا حدود أو منظمة العفو الدولية، والتي أشارت في تقارير نشرتها بعنوان عام الثورات: أن حالة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تزال بحاجة إلى مزيد من الإصلاحات التي طالب بها المتظاهرين إبان اندلاع ثورة 14 كانون ثان/يناير .

عادت إليّ تلك الذكريات السيئة، أيام ألقى فيها الجهاز البوليس السياسي القبض عليّ حين كنت طالباً  منخرطاً في صلب هياكل الاتحاد العام لطلبة تونس في معهد الصحافة وعلوم الأخبار. فقد وقعت احتجاجات وألقي علي القبض وبحوزتي صحف لصوت الشعب وقرص مغناطيسي حول أحداث الحوض المنجمي (احتجاجات اجتماعية بالجنوب التونسي سنة 2008). وقاموا باقتيادي بوابل من الصفع والركل وأمضيت على وثيقة التزام  .

النقابة تندد والداخلية تنتقم

وصفت نقابة الصحفيين في بيان لها أن حادث الاعتداء يرقى إلى جريمة محاولة قتل. واعتبرت أن هذا الاعتداء يمثل اعتداء على كل الصحفيين، الغاية منه خلق مناخ من الإرهاب والترهيب.

وحمّل المكتب التنفيذي وزارة الداخلية والسلطة القضائية مسؤولية  كل ما يمكن أن يترتب على هذا الاعتداء. وطالبت كل الهياكل المسؤولة في تطبيق القانون وحماية الصحافيين وفقاً لما ينص عليه المرسوم 115 لسنة 2011، الذي يعتبر الاعتداء على الصحفيين بمثابة الاعتداء على الموظف الرسمي.

كما ذكر تقرير لمركز تونس لحرية الصحافة أن الاعتداءات المختلفة على العاملين بقطاع الصحافة والإعلام في تونس مستمرة، مع تسجيل تهديدات بالقتل ضد أربعة صحافيين في آذار/مارس الماضي مقارنة بالأشهر الثلاثة التي سبقته.

ووفقاً للتقرير يتعرض عدد من الصحافيين  في تونس، مثل زياد الهاني الناجي البغوري ومعز بن غربية وعماد اللمبي، إلى تهديدات بالقتل.

إلى جانب ذلك قامت قوات الأمن مساء يوم الاثنين 1 نيسان/أبريل 2013 باقتحام نادي الصحفي، وصادرت ما فيه من مشروبات كحولية، وأمرت بإغلاقه من دون أمر قضائي؛ وهو ما أدانه صندوق التآزر بين الصحافيين، واعتبر العديد هذا التحرك انتقاماً من الصحافيين الذين لم يخضعوا للترهيب وتمسكوا بفضح الاعتداءات .

وتتهم حركة النهضة الحاكمة الصحافيين في تونس بلعب دور المعارض للحكومة التي تقودها، فيما يقول هؤلاء إن الحركة تريد الهيمنة على وسائل الإعلام لتوظيفها سياسياً.