عانت رويدا قبل أحد عشر عاماً من اضطرابات في المعدة ، وفي حين لم تبين الفحوصات التي خضعت لها بمستشفى الأطفال في بنغازي شيئاً فإن التحاليل المرسلة لبريطانيا كشفت عن إصابتها بمرض يعرف  بالمرض الجوفي المعوي.

لخص الأطباء للوالدين حالة ابنتهم بأنها حساسية مفرطة ضد مادة الغلوتين الموجودة في القمح والشعير والشوفان وبعض الأطعمة الأخرى وخاصة النشوية منها، وحظروا عليها تناول كل أنواع الطعام التي تحوي تلك المادة.

عانت رويدا قبل أحد عشر عاماً من اضطرابات في المعدة ، وفي حين لم تبين الفحوصات التي خضعت لها بمستشفى الأطفال في بنغازي شيئاً فإن التحاليل المرسلة لبريطانيا كشفت عن إصابتها بمرض يعرف  بالمرض الجوفي المعوي.

لخص الأطباء للوالدين حالة ابنتهم بأنها حساسية مفرطة ضد مادة الغلوتين الموجودة في القمح والشعير والشوفان وبعض الأطعمة الأخرى وخاصة النشوية منها، وحظروا عليها تناول كل أنواع الطعام التي تحوي تلك المادة.

وفي ظل ندرة الدقيق الخالي من الغلوتين في مدينة طبرق (أقصى شرق ليبيا ) حيث تقطن رويدا فضلا عن سعره المرتفع، تقاسي الفتاة التي تدرس في الجامعة الكثير من أجل الحصول على كيلو جرام واحد منه لإعداد وجبة تسد بها جوعها.

حصص غير كافية

وبحسب إحصائية لصندوق التضامن الاجتماعي فإن هناك قرابة 100مصاب بهذا المرض في مدينة طبرق وحدها، تتراوح أعمارهم بين الـ 6 أشهر والـ 55 سنة، وجميعهم يجدون صعوبة في الحصول على الأغذية الخالية من الغلوتين.

يقول إدريس خالد، والد حنان ذات التسع سنوات، والمصابة بالمرض ” المكان الوحيد الذي يقدم الأغذية الخالية من الغلوتين بشكل رسمي هو مستشفى الأطفال في بنغازي (500 كيلو متر غربي طبرق)، وهو لا يقدم الكثير، فقط دقيق و مكرونة على فترات طويلة وبحصص صغيرة جدا”.

ويضيف خالد “نتكبد عناء الحصول على الدقيق، وأحيانا نضطر لشرائه من بعض المتاجر الخاصة بأسعار مرتفعة تصل إلى 8.5 دينار ليبي للكيلو جرام الواحد هذا إن وجد “.

رأي طبي

الدكتور سعيد حماد ، طبيب أطفال و يشغل منصب المدير العام لمركز طبرق الطبي، قال لمراسلون أن المرض المعروف شعبياً بحساسية النعمة مزمن ومنذ الولادة لكن أعراضه تبدأ بعد الشهر السادس عند بداية تناول الأطعمة التي تحتوي مادة الغلوتين كبسكويت الأطفال وأولها انتفاخ بالمعدة وإسهال، ما يسبب نقص في الأملاح وبالتالي الإصابة بفقر الدم.

حماد أوضح أن التشخيص في المرحلة الأولى يتم عن طريق اختبار الدم أو عن طريق المنظار وأخذ عينات من أعلى الأمعاء وتحليلها.

وأضاف ” سبب المرض هو تلاشي الشعيرات الموجودة في جدار الأمعاء الدقيقة التي تعنى بتحريك الطعام ما يجعل من مهمة هضم الغلوتين مستحيلة ولا يوجد علاج لهذه الحالة حتى يومنا هذا”.

ورغم عدم امتلاكه إحصائيات رسمية بعدد المصابين في طبرق فإن حماد يرى أن لا داعي لفتح قسم خاص بهم في المركز الطبي.

وبحسبه “أعدادهم ليست كبيرة وهم يحصلون على احتياجاتهم من مستشفى الأطفال في بنغازي، وهناك جمعية أهلية في طبرق تقوم بتقديم المساعدات لهم”.  

غير أن الجمعية التي تحمل اسم (حنين) وبدأت نشاطها في الرابع والعشرين من ديسمبر 2011 فقدت المقر المؤقت لها وغاب عنها الدعم ما اجبرها على التواري بعد أربع أشهر فقط من انطلاقها.

سهام محمد رئيسة مجلس إدارة الجمعية قالت لمراسلون “لقد تعاقدنا مع مختبر للتحاليل وكنا بصدد التعاقد مع طبيب مختص يشرف على المصابين دون الحاجة للسفر إلي بنغازي “.

لكن طموحات سهام المصابة هي الأخرى بالمرض اصطدمت -حسب قولها- بعدم تعاون المجلس المحلي وقطاع الصحة ومن مركز طبرق الطبي ما أجبرها هي وزوجها -الذي يساعدها في إدارة الجمعية-على حمل الأوراق والملفات المهمة لمنزلهما إلى حين الحصول على مقر وتمويل.

على مستوى الدولة

من جانبها صنفت الحكومة الليبية أطفال حساسية الغلوتين ضمن ذوي الاحتياجات الخاصة وصرفت لهم مساعدة شهرية عبر صندوق التضامن الاجتماعي قيمتها 90 دينار ليبي وزادت منذ أشهر قليلة إثر قرار حكومي بزيادة رواتب القطاع العام لتصل إلى 225 دينار ليبي .

غير أنه وبالنظر لتكاليف السفر والتنقل بين طبرق وبنغازي وعدم توفر المنتجات الخالية من الغلوتين أو المخابز و المطاعم التي تنتج مثل هذه الأطعمة فإن ذوي المرضى يعتبرون هذه المساعدات المالية غير كافية ويجدون صعوبة في منع أبنائهم من تناول الخبز العادي والحلويات و الشوكولا خارج البيت .

وذلك ما تؤكده إحدى معلمات حنان “أشاهدها تتناول الشوكولا وبعض المواد المحظورة من المقصف المدرسي رفقة زميلاتها المعافيات”.

في حين تخشى والدتها من تداعيات نفسية قد تسببها التفرقة بينها وبين أشقائها “أقدم لها المكرونة الخالية من الغلوتين مع أشقائها حتى تأكل فهي لا تتناول الطعام الا بمشاركة أشقائها ولا تتناول أطعمة خاصة بها بمفردها” تقول الوالدة.

على صعيد رسمي

مراسلون زار مستشفى الأطفال في بنغازي واتجه للمخازن التي لا تفتح سوى لساعتين على مدار خمسة أيام في الأسبوع ولا يتوفر فيها سوى كميات وأنواع محدودة من المكرونة.

 لم نجد في المخازن أثراً للدقيق في حين يتهم بعض ذوي المرضى- كإدريس خالد والد حنان -موظفي المخازن بالمتاجرة فيه وخاصة أن نفس النوعية إيطالية الصنع تباع ببعض المتاجر وبأسعار مرتفعة، بينما ينفي موظفو المخازن حدوث ذلك.

وذلك ما تنفيه أيضاً رئيس قسم التغذية بالمستشفى الدكتورة فاطمة بورزيزة واصفة الأمر “بالمستحيل” لأن المستشفى على حد قولها “لا يوجد فيه دقيق ليباع للمتاجر وآخر مرة تحصلنا فيها على الدقيق كان بصلاحية شهر واحد فقط ما دفعنا لتوزيعه على المرضى بكميات كبيره للتخلص منه قبل نهاية الصلاحية”.

بورزيزة أوضحت أن وزارة الصحة لا توفر هذه المنتجات إلا على فترات متباعدة وبكميات محدودة جدا وأن كل ما جرى بين إدارة المستشفى والجهات الرسمية كوزارة الصحة ووزارة الاقتصاد هو مخاطبات وتقارير وإحصائيات بالحالات تقدم من جانب الإدارة دون الحصول على أي دعم .

وأضافت “المستشفى مسؤول عن كل الحالات في المنطقة الشرقية ويضم أكثر من ألف وخمسمئة حالة والعدد في تزايد مستمر بل واضطررنا مؤخرا لمتابعة حالات من مدينة سرت الواقعة مئات الكيلومترات غرباً. والداعم الرئيسي لنا بعد الثورة هي الجمعية الليبية للإغاثة الإنسانية”.

مورد مجهول

مراسلون زار احد هذه المتاجر والتقى صاحبها الذي لم يشأ الإفصاح عن مصدر الدقيق واكتفى بأنه يحصل عليه من مورد في طرابلس يقوم باستيراده من إيطاليا مباشرة .

رفض صاحب المتجر الإفصاح عن اسم المورد أو إعطاء أي معلومات عن كيفية الحصول على هذا المنتج غير أنه أكد أنه منتج نادر يستورد بأسعار مرتفعة ولذا يضطر لبيعه بهذه الأسعار.

وفي حين قال صاحب المتجر” نحن نقدم خدمة لزبائننا ممن يعانون حساسية الغلوتين ولا نقصد الربح فمكسبنا ضئيل”، فإن والد حنان وعدد من ذوي المرضى يؤكدون أن المنتج الذي يباع في المتجر هو نفسه الذي تورده وزارة الصحة لمستشفى الأطفال ،متهمين مسؤولي المستشفى بالمتاجرة فيه.