من أجل الحصول على لقب “أم شهيد”، ادعت السيدة سعاد أن بِكرها إبراهيم الذي قُتل أثناء قتاله مع  كتيبة خميس القذافي، المشهورة بشراستها في قمع الثورة، قد استشهد بينما كان يقاتل ضمن كتائب الثوار.

تصرف أم إبراهيم جاء على خلفية امتيازات منحتها الدولة الليبية لذوي شهداء ثورة 17 فبراير/ شباط، كالعلاج في الخارج وتسهيل الحج والعمرة ومرتب شهري ثابت، وهو ما تعتقد أنه ينبغي أن يشمل ذوي القتلى من كتائب القذافي على اعتبار أن أسرهم فقدت معيليها.

من أجل الحصول على لقب “أم شهيد”، ادعت السيدة سعاد أن بِكرها إبراهيم الذي قُتل أثناء قتاله مع  كتيبة خميس القذافي، المشهورة بشراستها في قمع الثورة، قد استشهد بينما كان يقاتل ضمن كتائب الثوار.

تصرف أم إبراهيم جاء على خلفية امتيازات منحتها الدولة الليبية لذوي شهداء ثورة 17 فبراير/ شباط، كالعلاج في الخارج وتسهيل الحج والعمرة ومرتب شهري ثابت، وهو ما تعتقد أنه ينبغي أن يشمل ذوي القتلى من كتائب القذافي على اعتبار أن أسرهم فقدت معيليها.

تقول أم إبراهيم لـ “مراسلون” “ادعيت أن أبنائي الثلاثة انضموا للثوار عقب وصولهم إلى مدينة مصراتة، وأن إبراهيم فُقد بعد إعلان التحرير، وأن هناك من أكد رؤيته ضمن الثوار الذين قاتلوا في جبهة بني وليد، وأنه ظل مفقوداً فترة تزيد على عشرة أشهر بعد التحرير، قبل أن تبلغنا الجهات الرسمية بخبر وفاته”.

غسيل دماغ

تبرر أم ابراهيم تصرفها بالقول “تعرض ابني لغسيل دماغ وتأثر بما تبثه قنوات القذافي من أكاذيب، والآن أنا لم أتحصل على أي مزايا من الدولة، رغم أن ابني ليبي الجنسية وتوفي وهو يمتثل لأوامر الدولة التي كان يعمل معها”.

حال أم إبراهيم لا يختلف كثيراً عن حال فاطمة، فهي الأخرى وطمعاً في الذهاب للحج على نفقة الدولة، ادعت أنها أم شهيد، رغم أن ابنها قُتل خلال قتاله مع كتائب القذافي.

ولكن لسوء حظها لم تنطلي روايتها على القائمين بتنظيم أمور رحلة الحج، إذ سرعان ما اكتشفوا عدم صدقها. 

تدافع فاطمة عن ابنها بالقول “لم يكن ضمن المدنيين المتطوعين، بل كان تابعاً للجيش الليبي”.

وصية شهيد

وفي حين تحتال أم إبراهيم وفاطمة وغيرهما لإدراج أسماء أبنائهن ضمن شهداء الثورة، يرفض أهالي الشهداء مساواة أبنائهم بقتلى الكتائب رفضاً قاطعاً، حتى ولو كانت تلك المساواة من الناحية المادية فقط.

يقول محسن الحصادي الذي فقد ابنه الأكبر أثناء قتاله مع الثوار في جبهة البريقة “أعلم أن هناك فئة قاتلت تحت تأثير التضليل الإعلامي، وأن هناك وعوداً كانت تقدم لهم من قبل قادتهم، لكنهم كانوا جميعاً على يقين بأن الثوار لم ينتهكوا الحرمات، ولم يقربوا الفواحش كما كان يروج ضدهم، لذا كان يفترض بمن يقاتل مع القذافي أن ينشق فور معرفته حقيقة الثوار”.

ويواصل الحصادي الذي عُلّقت صورة ابنه في أحد الشوارع الرئيسية بالعاصمة طرابلس تحمل وصية شهيد، إن “مجرد مقارنة الثوار بجنود الطاغية إهانة في حق دماء الشهداء، وإن كان البعض نسى أو تغافل عن تضحيتهم فوصاياهم المعلقة في الساحات والميادين كفيلة بتذكير الشعب بما قاموا به”.

غير ملوثة

“لم أطلق رصاصة واحدة في وجه الثوار في جبهة الزاوية، وأعدك أنني لن أفعل ذلك في جبهة مصراتة”، هذا ما يقول سالم مبارك أنه سمعه من ابنه وائل التابع لكتيبة خميس القذافي، في أخر لقاء بينهما قبل نقله لجبهة مصراتة (200 كم شرقي طرابلس).

ويضيف مبارك “زملاؤه أخبروني أنه قتل فيما بعد على أيدي جنود الكتيبة لعدم امتثاله لأوامر القادة بإطلاق الرصاص على إخوانهم في مصراتة”.

وبحسب مدير مكتب الإعلام في وزارة الشهداء والجرحى والمفقودين حمد المالكي، فإن على ذوي وائل وأمثالهم أن يقدموا أدلة تثبت مقتل أبنائهم لرفضهم قتال الثوار، ويقول في تصريح لمراسلون “على ذويهم إثبات ذلك وسيضمون حينها لقوائم الشهداء ويتمتع ذووهم بمزايا الشهداء”.

المالكي الذي أشار إلى أن الوزارة تعمل وفق فتوى من مفتي الديار الليبية، تشترط وجود شاهدين يشهدان بمقتل الشهيد أثناء قتاله ضد كتائب القذافي، أكد أن “هناك عائلات قدمت أدلة تثبت أن أبناءها قتلوا على أيدي الكتائب لرفضهم أوامر قادتها، وأن الوزارة ضمتهم لقوائم الشهداء”.

قتلى حرب

الكثير من قتلى كتائب القذافي سقطوا في الجبهات، وخاصة جراء قصف طائرات الناتو للأرتال العسكرية المتجهة لنقاط التماس، وعلى رأسها ما يعرف في ليبيا برتل 19 مارس الذي كان متجهاً لبنغازي قبل أن تتدخل الطائرات الفرنسية وتقصفه.

وبحسب تصريحات سابقة للناطق السابق باسم وزارة الدفاع الليبية العقيد أحمد باني، فإن تعداد هذا الرتل بلغ 28 ألف عنصر، لكن لا توجد إحصائيات رسمية لأعدادهم أو لعدد الذين قتلوا منهم جراء القصف.

واستدعى إدعاء الكثير من ذويهم أن أبناءهم استشهدوا مع الثوار، إجراء مراجعات دقيقة لقوائم الشهداء من قبل وزارة الشهداء والجرحى والمفقودين في الحكومة السابقة، وهو ما أخر دفع المرتبات الممنوحة لأهالي الشهداء حتى آذار/مارس الماضي.

وفيما يقول المالكي أن الوزارة لا علاقة لها بقتلى الكتائب الذين استلم ذووهم جثامينهم لأنهم “قتلى حرب” ماتوا وهم “يقتلون الليبيين”، فإن المتحدث باسم جمعية ليبيا لحقوق الإنسان نبيل السوكني يقول في تصريح لـ “مراسلون” أن “عائلات قتلى الكتائب لم يكونوا ضمن المستهدفين من قبل مؤسسته”.

ملف مؤجل

ويضيف السوكني “الجمعية كانت بصدد فتح هذا الملف، إلا أنها لم تستكمل حتى الآن متابعاتها فيما يخص أهالي الشهداء، ونحن الآن بصدد متابعة ملف السجناء والتعذيب داخل السجون”.

يستبعد السوكني فتح مثل هذا الملف خلال هذه الفترة أو الفترة القريبة القادمة، مشيراً إلى أن الجهة المفروض عليها أن تهتم بهذا الملف هي وزارة الشؤون الاجتماعية.

لكن وكيل وزارة الشئون الاجتماعية زيدان سليمان الطويلى يقول أن الوزارة لم تتخذ أي إجراء بشان هذه الفئة من المواطنين، وإن كانت “لا ترى فرقاً بين الأسر الليبية من حيث تقديم الخدمات” بحسب قوله.

معركة خاسرة

وفي انتظار أن تقوم جهة ما بالنظر إلى أوضاع الأسر التي ربما فقدت معيلها الوحيد المقتول ضمن كتائب القذافي، نشرت صحيفة “ليبيا المستقبل” في شهر حزيران/يونيو الماضي خبراً مفاده أنه تم تكليف فريق من المحامين الليبيين لرفع دعاوى قضائية ضد أفراد من عائلة القذافي لصالح أفراد كتائب “الشعب المسلح” والمتطوعين الذين زج بهم نظام القذافي في “حرب خاسرة” بحسب الصحيفة.

وذكرت الصحيفة أن الدعاوى قائمة على أساس أن “معمر القذافي بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، وسيف الإسلام القذافي الذي اعترف بأنه كان يتولى قيادة الجيش مع والده وبقية عائلة القذافي المشاركة في الحرب، يتحملون مسؤولية توريط أفراد الجيش الليبي والمتطوعين في هذه الحرب، وأنهم لم يراعوا القدر الكافي من الاحتياط الواجب اتخاذه وفقاً للقوانين العسكرية الليبية”.

استخفاف بالليبيين

وهو ما يدل بحسب معدي صحائف الدعوى على “استخفاف القادة العسكريين الليبيين من أسرة القذافي والضباط الكبار التابعين للنظام، بأرواح الجنود والمتطوعين الليبيين طيلة فترة المعارك الحربية”.

لذلك فإنه “من حق أهالي وأسر قتلى المعارك من الجنود والمتطوعين الليبيين الذين أرغموا على القتال، أو تعرضوا لآلة القذافي المضللة إعلامياً فتطوعوا  للقتال، أن يتتبعوا قضائياً وجنائياً ومدنياً كلاً من سيف الإسلام والساعدي وهانيبال ومحمد وعائشة معمر القذافي”.

هذا الإجراء القانوني لو تم لصالح أسر أفراد الجيش الذين تنطبق عليهم الشروط، قد يفتح الباب أمام أسر ضحايا القذافي في حروبه السابقة التي خاضها ضد دول عديدة – مثل مصر سنة 1977، و أوغندا سنة 1979، وحروب تشاد من 1982 وحتى  1987 – والتي يفوق عدد ضحاياها عشرات الآلاف، للمطالبة بتحصيل حقوقهم سواءً كانت مادية أو معنوية.