تعود قصّة “الهارلم شايك” في تونس إلى نهاية شهر فيفري/ شباط الماضي، حين قام تلامذة في ساحة معهد الإمام مسلم بمحافظة أريانة (جوار العاصمة تونس)، بعرض لرقصة خلّفت جدلا واسعا، ودفعت وزير التربية التونسي إلى فتح تحقيق بسبب ما اعتبره لباسا فاضحا ارتداه التلامذة أثناء الرقص.

شريط الفيديو الذي تمّ تداوله على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي تجاوز الأزمة مع وزارة التربية ليصبح “حربا” بين التيار السّلفيّ والمحافظ من جهة، والشباب المتمرّد الذي تحدّاه برقصة “الهارلم شايك” من جهة أخرى.

“إهانة تربوية”

تعود قصّة “الهارلم شايك” في تونس إلى نهاية شهر فيفري/ شباط الماضي، حين قام تلامذة في ساحة معهد الإمام مسلم بمحافظة أريانة (جوار العاصمة تونس)، بعرض لرقصة خلّفت جدلا واسعا، ودفعت وزير التربية التونسي إلى فتح تحقيق بسبب ما اعتبره لباسا فاضحا ارتداه التلامذة أثناء الرقص.

شريط الفيديو الذي تمّ تداوله على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي تجاوز الأزمة مع وزارة التربية ليصبح “حربا” بين التيار السّلفيّ والمحافظ من جهة، والشباب المتمرّد الذي تحدّاه برقصة “الهارلم شايك” من جهة أخرى.

“إهانة تربوية”

وزير التربية التونسي عبد اللطيف عبيد اعتبر أن ما حدث في معهد الإمام مسلم إهانة للرسالة التربوية، وأمر بفتح تحقيق بعد تداول الفيديو واتصال بعض المقرّبين منه وإبلاغه بالأمر وقال في تصريحات إعلاميّة “الوزارة فتحت تحقيقا ما يزال متواصلا وستتخذ الإجراءات المناسبة وسيساءل كل من ساهم في هذا”.

وأضاف عبيد إنه من المحتمل اتخاذ إجراءات “طرد” في حق الطلبة أو “إقالة” أعضاء الطاقم التربوي المتورطين في إعداد الرقصة موضحا أن “وزارة التربية لا تعارض التنوع الثقافي داخل المؤسسات التربوية مهما كانت طبيعتها لكنها حريصة على ضمان سير هذه الأنشطة تحت إشراف مسؤولين من داخل المؤسسة”.

النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي انتقدوا بشدّة غض وزارة التربية الطرف عن دخول السلفيين في مناسبات كثيرة المعاهد التونسية واقامة منابر للدعوى داخلها ورفع الرايات السوداء في الأماكن المخصّصة لعلم تونس على مرأى ومسمع الجميع، في الوقت الذي تلاحق فيه قوانين الوزارة طلبة يؤدون رقصة شبابية.

وكتحدّي لوزارة التربية ووزيرها دعا النشطاء لتصوير أكبر عدد ممكن من مقاطع الفيديو لرقصة “الهارلم شايك”، فما كان من الشباب إلّا ان امتثلوا لهذه الدّعوة، فتكاثرت الفيديوهات على الموقع الذي خُصّص للغرض، فيما عبر آخرون عن احتجاجهم عبر قرصنة الموقع الرسمي لوزارة التربية.

مقنّعون أمام الوزارة

يوم الجمعة الأول من مارس/آذار الجاري، تجمّع العشرات من الشّباب أمام وزارة التربية بالعاصمة مرتدين أقنعة وأزياء غريبة ورقصوا تحت الأمطار كتعبير عن احتجاجهم على سياسة “المكيالين” التي تعمدها وزارة التربية ورفضهم لما اعتبروا أنّه قتل لروح الإبداع والحرّية.

إحدى المشاركات في الرّقصة الاحتجاجية أمام وزارة التربية اعتبرت من خلال إفادتها لـ “مراسلون” أن “الكأس قد فاض من سياسة المكيالين التي تعتمدها كل الوزارات في التعامل مع التونسيّين واتجاهها نحو فرض نمط مجتمعي مرتبط بالمشروع الإسلامي الذي تتبناه الحكومة ومؤيديها لترويجه في البلاد”.

وتقول نايرة  الميدوني وهي طالبة في المعهد الأعلى للمحاسبة و تبلغ من العمر 23 سنة لـ “مراسلون” إن “الأمر ليس بالخطير لحدّ اتخاذ وزير التربية الإجراءات بالسرعة التي شهدها الجميع، الامر فقط يتعلّق ببعض الشباب المراهق الذي سئم السياسة ورقص على وقع موسيقى منتشرة في كل أنحاء العالم”.

وتتساءل نايرة عن سبب عدم ظهور وزير التربية عندما يتعلّق الأمر بقيام السلفيّين المتشدّدين بإنزال علم تونس وتعويضه بعلم تنظيم القاعدة الأسود اللون.

من جهتها دعت نقابة التعليم الثّانوي وزارة التربية للتعامل مع كل الملفات بنفس الطريقة، وأشار كاتبها العام إلى أن الوزير “تجاهل أحداث الشغب التي أقدم عليها السّلفيون في عديد المعاهد واعتداءاتهم على المؤسسات التربوية والعلم (التونسي)، كما تجاهل ترويج المخدرات داخل هذه الفضاءات”. وشدّد على ضرورة التّعامل مع المسألة وفق ما يقتضيه القانون الداخلي للمعهد وتجنب سياسة الانتقاء التي تمارسها سلطة الاشراف.

الغاز لمنع الرّقص

في محافظة سوسة السّاحليّة (100كلم جنوب تونس) استخدمت الشرطة التونسية قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق طلاب مدرسة ثانوية تظاهروا في الشارع ورشقوا قوات الامن بالحجارة احتجاجا على مدير المدرسة الذي منعهم من اداء رقصة “هارلم شيك”.

وقال خالد طروش الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية لـ “مراسلون” “لم يسمح مدير مدرسة في وسط سوسة للتلاميذ بأداء الرقصة داخل المدرسة فتجمعوا أمامها واشعلوا الشماريخ (الالعاب النارية) ورشقوا عناصر الأمن بالحجارة ما أسفر عن اصابة شرطيين، ممّا اضطرهم لاستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم”.

الهارلم شايك “حرام”

السّلفيّون وكما هي عادتهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي خاصة إذا تعلّق الأمر بما يرون أنّه “فسق وتفسّخ” حيث حاولوا في عدد من المرّات منع أداء رقصة “الهارلم شايك” في عدد من المعاهد والجامعات بمناطق متفرّقة من البلاد واعتبرت صفحات سلفية تونسية على مواقع للتواصل الاجتماعي ان رقصة هارلم شيك “حرام شرعا”.

ودعا شيخ سلفي أتباعه إلى التعامل بحذر مع الطلاب الذين يؤدون هذه الرقصة، وقال أبو صهيب التونسي في محاضرة دينية نشرت على موقع “فيسبوك” “بعد خروج “المتنطعين” في المدارس وظهورهم بهيئة غير لائقة، أنبه إخواني السلفيين، خاصة الطلاب منهم، للتعامل معهم بحذر”.

وفي جهة حي الخضراء شمال العاصمة تونس اقتحم سلفيون “معهد بورقيبة للغات الحية” واشتبكوا مع الطلاب لمنعهم من اداء رقصة “هارلم شيك”، وعند وصولهم الجامعة ردد الطلاب باللغة الفرنسية “ديغاج” (ارحل) ما استفز السلفيين الذين تبادلوا معهم اللكمات.

وقال أحد السلفيين مخاطبا الطلاب “نريد ان ننهاكم عن المنكر، الاسرائيليون يقتلون اخواننا في فلسطين وانتم ترقصون؟”، فيما صفعت طالبة محجبة كانت تساند السلفيين زميلة لها ووصفتها بـ “الكافرة” لانها ايدت تنظيم الرقصة، ولكن في نهاية الأمر تمكن الطلاب من اداء رقصة “هارلم شيك” وتسجيلها بالفيديو بعد انسحاب السلفيين.

لكن الأمر لم يكن كذلك لطلاب مدرسة ثانوية بمعتمدية الرقاب من ولاية سيدي بوزيد وسط البلاد، حيث يشكل التيار الديني حضورا كثيفا. هنتك اعتدى السلفيّون على الطلاب بالضرب، ومنعوهم من رقص “هارلم شايك” أمام المدرسة.

الهارلم شايك للإشهار

رقصة “الهارلم شايك” لم تكن حكرا فقط على “الشباب المراهق و المتفسّخ أخلاقيّا” كما وصفه الرّافضون للرقصة ولفكرة الرّقص أصلا، حيث قام صحافيّو راديو “كلمة” المحلّي بتصوير فيديو لهم أثناء أداءهم الرقصة في قاعة الإذاعة أثناء عملهم.

محمد علي عكاشة أحد صحافيّي الرّاديو أكد في تصريح لـ “مراسلون” أن رقصة الهارلم شايك قام بها وزملائه في راديو “كلمة” قبل حادثة معهد الإمام مسلم بأسبوعين تقريبا وأنها “كانت مجرد فكرة ليتم ترويجها على النت كتعبير جسماني وللتعريف بالإذاعة عبر رقصة تجتاح العالم”.

 حسب رأي الصحافي محمّد علي عكاشة فإن ما قام به تلاميذ معهد الإمام مسلم غير مقبول فقط من ناحية اللباس “غير الأخلاقي”، لكنه أدان في الآن ذاته ما قامت به الوزارة والوزير من تحقيق ومنع الشباب من التعبير والرقص ومن جهة أخرى ووسائل الإعلام قام بتهويل القضية نوعا ما. 

ويقول الصحافي التونسي البالغ من العمر 28 عاما لـ “مراسلون” “الأمر لا يستحق وكان بالإمكان تجاوزه ببساطة ولكن وقع توظيفه سياسيا من قبل البعض، كما أن وزير التربية أراد من خلال هذه الحادثة رد الاعتبار لشخصه ولوزارته في الوقت الذي يتم فيه البحث عن بديل على رأس الوزارة في إطار التحوير الوزاري القادم”.