تقدم المجلس الأعلى للهيئات القضائية بمشروع لإعادة هيكلة وإصلاح القضاء الليبي إلا أن هذا المشروع لاقى رفضاً واسعاً من قضاة ووكلاء نيابة اعتبروا أنه لا يجوز التدخل في أعمال القضاء وهيكلته من قبل السلطة التشريعية أو التنفيذية.

ويقول رافضو المشروع إن بنوده والمقاصد منه موجودة أصلاً بقانون التفتيش القضائي، والأولى من وجهة نظرهم إعادة تفعيل الأخير وإصلاحه.

تقدم المجلس الأعلى للهيئات القضائية بمشروع لإعادة هيكلة وإصلاح القضاء الليبي إلا أن هذا المشروع لاقى رفضاً واسعاً من قضاة ووكلاء نيابة اعتبروا أنه لا يجوز التدخل في أعمال القضاء وهيكلته من قبل السلطة التشريعية أو التنفيذية.

ويقول رافضو المشروع إن بنوده والمقاصد منه موجودة أصلاً بقانون التفتيش القضائي، والأولى من وجهة نظرهم إعادة تفعيل الأخير وإصلاحه.

ويضيفون أن المشكلة تكمن في سيطرة الحكومة في السابق على المؤسسة القضائية، وخضوع رجال القضاء والنيابة لضغوط اجتماعية وسياسية، وكذلك ضعف الجانب الفني القانوني لدى كثيرين من القضاة، وهي جميعا مشكلات من الممكن تجاوزها من خلال إصلاح قانون التفتيش القضائي.

إملاءات خارجية

الخضوع لـ”الإملاءات الخارجية” وضعف المستوى الفني هي برأي المحامي بإدارة المحاماة الشعبية فرج المنصوري أهم ما يعتور القضاء الليبي، حيث يوضح المنصوري “أهم ما يعوق القضاء هو خضوع رجاله لإملاءات خارجية، سواء من الدولة، أو من المحيط الاجتماعي بسبب المصالح والتي أصبحت ثقافة لدى القضاء الليبي، كذلك ضعف مستواه الفني بسبب المحاباة في الاختيار من رؤساء المحاكم، وعدم جدوى الدورات المعدة لتأهيل رجال القضاء والنيابة”.

المنصوري يربط رقي القضاء بتفعيل التفتيش القضائي، والذي يعاني هو الأخر بحسب رأيه من سيطرة “أعراف اجتماعية” بسببها لم يساهم هذا الجهاز في دعم العمل القضائي في ليبيا.

ويضيف أن “معيار تطهير القضاء هو الانحراف وليس مكان العمل، فالعمل بمحكمة الشعب أو مكتب الادعاء الشعبي لم يكن اختيارياً إبان النظام السابق”.

ويتمتع المجلس الأعلى للهيئات القضائية بعد الثورة بالاستقلالية التامة، إذ استبعد وزير العدل من منصب الرئيس للمجلس، واقتصرت عضويته على رئيس المحكمة العليا رئيساً، و النائب العام نائباً للرئيس، وباقي أعضائه هم رؤساء محاكم الاستئناف على مستوى ليبيا.

ويطالب المختصون بأن تقتصر مهمة المجلس الأعلى للهيئات القضائية على عزل المقصّرين أو الفاسدين من القضاة بعد أن يعاد تشكيل المجلس عن طريق الانتخاب.

ويعتقد المنصوري أنه على المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يفتح باب الشكاوى أمام المواطنين لكل من تأذى أو تعرض للظلم من مؤسسة القضاء، وأن يثبت شكواه، ويتم التحقيق فيها، فإذا ما ثبتت صحة الشكوى يحال القاضي أو عضو النيابة المشكو فيه للخدمة المدنية.

قضاء محايد

“إصلاح القضاء مرهون بانتخاب مجلس من بين القضاة وأعضاء النيابة لمراجعة هيكليته وتشكيل هيئاته” هذا ما يقوله سليمان زوبي عضو لجنة العدل والهيئات القضائية بالمؤتمر الوطني العام.

زوبي الذي يؤكد على ضرورة عدم تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية في أعمال السلطة القضائية لضمان “حيادية السلطة القضائية” على حد تعبيره، يشير إلى أن هناك “قضاة مترددون” –في البدء بعملية تطهير الجهاز القضائي بسبب ماضيهم “الملوث”.

ويتكون الجهاز القضائي الليبي من محكمة عليا تمثل أعلى الهرم القضائي، تتبعها محاكم استئناف بها دوائر للقضاء الجنائي والإداري، وأسفل السلم القضائي المحاكم الابتدائية والجزئية.

ويشدد الزوبي على أن عملية الهيكلة والتطهير يجب أن تطال الموظفين بالجهاز القضائي، والذين ساهموا في إضعاف ثقة المواطن بالقضاء بسبب “تلقيهم للرشى”.

استعانة بالمتقاعدين

وزير العدل صلاح المرغني يشترط في حديثه لـ “مراسلون”، توفر عناصر “النزاهة والكفاءة والاستقلالية” في القضاء الليبي لضمان استمراره.

ويرى المرغني أن استمرار القضاء هو ضرورة في هذه المرحلة، وأنه لا يجب أن يسقط كما سقطت المؤسسة الأمنية بسبب انحيازها للنظام السابق، مطالباً الشعب بأن يصبر على المؤسسة القضائية حتى تنهض، وإن كانت التجربة قد أثبتت برأيه “فشل إمكانية إصلاح القضاء من خارج المؤسسة”.

الصبر الذي يطالب به الوزير ليس بلا نهاية إذ يؤكد أنه قد تم تشكيل “لجنة تطوير القضاء، التي وضعت معاييراً وضوابط لإعادة هيكلة القضاء على المدى القصير والطويل، وتقدمت بها للمجلس الأعلى للهيئات القضائية”.

ويشير إلى أن وزارة العدل فتحت غرفة لتلقي المعلومات والشكاوى من المواطنين ضد “الممارسات غير النزيهة من بعض القضاة وأعضاء النيابة”، وستقدم كافة تلك الشكاوى إلى المجلس الأعلى للهيئات القضائية.

ويعتقد المرغني أنه لا بد من الاستعانة بالمتقاعدين من رجال القضاء، من أصحاب المهنية العالية بجهاز التفتيش القضائي، للاستفادة من تجربتهم وخبراتهم للدفع بالعملية.

دون مجاملة

يرى عبد الرؤوف قنبيج نقيب محامي طرابلس ضرورة إصلاح القضاء “دون مجاملة”، ويضيف “الناس لديها تخوفات من قضاة ووكلاء نيابة أساؤوا لمهنتهم سواء بحملهم للسلاح إبان الثورة بجانب النظام السابق أو بإلقاء بيانات مؤيدة له”.

وما يستنكره قنبيج بشدة هو أن هؤلاء أنفسهم الآن “يقومون بتبرئة متورطين من النظام السابق في جرائم جنائية، ويتخذون إجراءات مخالفة لحقوق الإنسان، فهم ما زالوا يباشرون أعمالهم كقضاة ووكلاء نيابة”.

ويقول قنبيج أن مواطنين قدموا شكاوى بأسماء أعضاء هيئات قضائية لمكتب النائب العام متورطين في قضايا فساد، لم يحقق بشأن هذه الشكاوى، مضيفاً أن “صحفياً نشر بجريدة يومية بطرابلس أسماء قضاة ووكلاء نيابة متورطين في قضايا فساد، فألقي القبض على الصحفي بأمر من مكتب النائب العام واتخذت إجراءات التحقيق معه بسرعة، بينما لم يتم الالتفات إلى ما قدمه من معلومات صحفية”.

ويقلل من خطورة ضعف الكفاءة والجانب المهني، إذ برأيه أن الدورات المتخصصة كفيلة برفع المستوى الفني لأعضاء الهيئات القضائية، لكنه يبدى تحفظات حيال التفتيش القضائي .

قضاء شرعي

الإسلاميون كذلك دخلوا بعد الثورة على خط المطالبة بإصلاح القضاء، بل إن بعضاً منهم طالب بأن يكون القضاء “شرعياً” وعطلوا عمل محكمة كبيرة هي محكمة استئناف الجبل الأخضر ومقرها درنة بحجة أنها لا تحكم بما أنزل الله، ويقتصر عملها على توثيق فرائض الموتى، أوالتصديق على محاضر طلاق الأزواج.

وفي ظل اقتراب صدور قانون العدالة الانتقالية الذي ستوكل مهمة تنفيذه للجهاز القضائي، يزيد إلحاح مطلب إصلاح هذا الجهاز الذي سيشرف رجاله على تنفيذ مراحل القانون الطويلة والتي تتطلب قدراً عالياً من القدرة والكفاءة، فضلاً عن النزاهة وحسن النوايا.